حجم النص
بقلم:عباس الصباغ
رغم ان الدستور العراقي الدائم نص على:[ المادة (1):- جمهورية العراق دولةٌ مستقلةٌ ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني)] ومع هذا يتجدد دائما وابدا الجدل السياسي المحتدم حول ماهية النظام السياسي الاصلح للعراق، هل هو النظام الرئاسي المثير للجدل ام هو النظام البرلماني المعمول به حاليا ام المختلط بين هذا وذاك؟ المعروف ان النظام البرلماني الذي تمأسست بموجبه العملية السياسية قد فشل فشلا ذريعا في كسب ثقة الشارع العراقي كونه استند وفق برنامج التحاصص التشاركي الذي ساهم في استفحال الفساد في جميع مفاصل وهياكل الدولة بتولية غير الكفوء تحت يافطات حزبية وجهوية او مذهبية او قومية واثنية وحتى عشائرية ماافقد ثقة الشارع بالديمقراطية التي حلت محل الديكتاتورية الشمولية بعد التغيير النيساني المزلزل اضافة الى التقصير الواضح في تلبية متطلبات رجل الشارع في توفير البنى التحتية والخدمات والمستوى المعيشي والامني والبيئي الذي يليق بالفرد العراقي ورغم ان اكثر من سبعين دولة في العالم تنتهج هذا الاسلوب الا انه لرسي في العراق وفق المزاج الامريكي وليس حسب المصلحة الوطنية ، واليوم صار الشارع العراقي يتطلع نحو نظام الاغلبية السياسية كبديل موضوعي للنظام البرلماني التحاصصي وبات يرنو الى مشروع الاصلاح الذي رفع رايته سماحة السيد مقتدى الصدر متمثلا بنظام الاغلبية السياسية لكسر حدة نظام التوافق والتحاصص سيئ الصيت . ومن نافلة القول : ان لكل نظام سياسي فلسفته الاجرائية ومثالبه ومحاسنه، وتبقى النتائج مرهونة بالنخب السياسية ( المفروض ان تكون غير فاسدة ) الذين يتبعون هذا النظام او ذاك فتترتب النتائج وفق ذلك سلبا او ايجابا ،ولطالما اشتدت المطالبة بالنظام الرئاسي ليكون بديلا عن النظام البرلماني على خلفية الفشل الذريع بالبرلماني والذي خاضه الشارع العراقي لعقدين من الزمن دون ان يحقق نتيجة طيبة تذكر و بحجة انه لم يكن يعد ملائما لمتطلبات العراق الذي دخل مباشرة وبدون تمهيد الى ديمقراطية تمثيلية وتوافقية فلم يخض العراق قبل (3003) اية تجربة ديمقراطية مهما كان شكلها ، فلا يجوز تحميل نظام تتخذه الكثير من الدول ونجحت بعضها فيه ، اخطاء وخطايا نخب سياسية لم تمتلك تجارب ديمقراطية او خبرة كافية لإدارة تجربة فتية ، ولايجوز ايضا ابراز النظام الرئاسي على انه سيكون عصا سحرية تلقف كل مشاكل البلاد، ومن غرائب الصدف ان الولايات المتحدة عرابة التغيير السياسي في العراق وذات النظام الرئاسي العتيد والناجح فضّلت انتهاج النظام البرلماني في العراق مع العلم المسبق بانه نظام لايتناسب مع الحكومات حديثة النشأة او غير المستقرة كالعراق، ولقد كان من الخطأ الاستراتيجي ذلك الانتقال المفاجئ والمباشر من نظام عسكرتاري شمولي الى نظام ديمقراطي نيابي يحتاج الى خبرة طويلة في هذا المضمار، وهذا الانتقال الحاد كان جزءا من الفوضى الخلاقة التي اعتورت المشهد السياسي العراقي، فلم يكن انتقالا ديمقراطيا حقيقيا مدروسا. يكمن جوهر العقدة في المطالبة اللحوحة بالنظام الرئاسي في وجود بعض العيوب في النظام البرلماني ـ الذي تأسس في بريطانياـ والمتمثلة في تداخل الصلاحيات بين السلطات الحكومية الثلاث وتشابكها وبالعكس تماما من النظام الرئاسي الذي يقوم على فصلٍ صارم وتام بين السلطات ، ويمنح صلاحيات واسعة للرئيس والذي يُنتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر، ويُشكل حكومة لتنفيذ برنامجه السياسي تكون مسؤولة أمامه وليس أمام البرلمان كما هو الحال في النظام البرلماني. وبحكم الفصل الصارم بين السلطات فإن البرلمان ليست له صلاحية إسقاط الحكومة كما أنها في المقابل لا تملك صلاحية حلّه. وتتجمع السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة وحده، الذي يجمع بين صفتي رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ويملك اختصاصات وصلاحيات الصفتين.. اما النظام البرلماني فهو يقوم على وجود مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه. وتتكون السلطة التنفيذية في هذا النظام من طرفين هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء ويلاحظ عدم مسؤولية رئيس الدولة أمام البرلمان أما مجلس الوزراء أو الحكومة فتكون مسؤولة أمام البرلمان أو السلطة التشريعية. وبرايي الشخصي كان الاصلح للعراق هو النظام شبه الرئاسي وهو نظام خليط بين النظام الرئاسي والبرلماني. يكون فيه رئيسا الجمهورية والوزراء شريكين في تسيير شؤون الدولة، ويختلف توزيع هذه السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من بلد إلى آخر، ويختلف عن النظام الرئاسي في أن رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان ويستطيع البرلمان محاسبته وعزله، بحيث تكون فيه الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، وتستمد الحكومة شرعيتها، وقوتها من البرلمان، كما أن الحكومة تكون مسؤولة أمام رئيس الدولة، والاستمرار بالنظام الرئاسي يحتاج الى تعديل دستوري وتوافق شعبي قبل التفكير بالشروع بذلك والكرة الان في ملعب البرلمان ذاته .