- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الإدارة المالية الإتّحادية في العراق: أزمات المال والسياسة والموازنة
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
لماذا نضع القوانين، ولا نقوم بتطبيقها؟
لماذا نضع القوانين، ثُمّ نبدأ بالإلتفاف عليها بقوانين بديلة، مناقضة لها، ومُخالِفة لأحكامها؟
لماذا نضع القوانين التي تُحدّد "توقيتات" مُلزِمة لإعداد الموازنة العامة الإتّحادية (مثلاً)، ولا نلتَزِم بهذه التوقيتات، أو تقوم سلطة ما (من السلطات الثلاث) بإتّخاذ قرارات، أو تشريع قوانين تتقاطع معها؟
كم كان سيكونُ مُجدياً لنا، لو تمّ تطبيق احكام قانون الإدارة المالية الإتّحادية رقم (6) لسنة 2019 بدلاً من هذا "اللغو" المالي – السياسي، الذي انغمس الجميعُ في ضجيجه، و"جعجعته"، وقِلّةِ "طحينه" الآن؟
من هو المؤهّل (والمُكلّف) قانونياً (ودستوريا) لرفع دعاوي قضائية ضد "الجهات" المسؤولة عن العواقب الوخيمة التي ترتّبت على مخالفة أحكام هذا القانون، ومُحاكمتهِم، ووضعهم وراء القضبان؟
على من يعنيهم الأمر الإجابة عن أسئلةٍ كهذه، لأنّني غيرُ مؤهّلٍ "قانونيّا" (وبحكم الإختصاص) للإجابة عنها.
سأعرضُ عليكم في أدناه أهم "أحكام" قانون الإدارة المالية المشار إليه، والتي أرى أنّ عدم الإلتزام بها، هو من قادنا إلى المأزق المالي – المعيشي - السياسي- الذي نعاني من تبعاته الآن.
قانون الإدارة المالية الإتّحاديّة رقم 6 لسنة 2019
(المواد ذات الصلة بـ"الإنسدادات" السياسية – المالية الراهنة)
1- المادة -4- ثانياً: "تبدأ الموازنة السنوية من 1/1 وتنتهي في 31/12 من السنة ذاتها، ولوزارة المالية الإتحادية إعداد موازنة متوسطة الأجل لمدة ثلاث سنوات تُقدّم مرّة واحدة، وتُشرّع، وتكون السنة الأولى وجوبية، ولمجلس الوزراء بناءً على اقتراح من وزارتي التخطيط والمالية تعديلها للسنتين الثانية والثالثة، وبموافقة مجلس النواب".. ولا أدري لماذا لم يتم إعداد موازنة كهذه (أو وضعها موضع التطبيق)، مع علمي بوجود "استراتيجية" للموازنة العامة يتم اعدادها كل ثلاث سنوات؟
2- المادة -6- رابعاً: "لا يجوز أن يزيد العجز في الموازنة التخطيطية على 3% من الناتج المحلي الإجمالي".. أي إذا كان الناتج المحلي الإجمالي 200 مليار دولار، فإنّ العجز في الموازنة يجب أن لايزيد عن 6 مليار دولار (ما يقرب من 9 ترليون دينار).. وهذا ما لم يتمّ الإلتزام به في أي قانون للموازنة طيلة عشرين عاماً.. وللعلم فقط فإن إجمالي العجز المخطط في الموازنة العامة الإتحادية للسنة 2021 هو 28.672 ترليون دينار (أي ما يعادل ثلاثة أضعاف العجز المُحدّد في قانون الإدارة المالية النافذ).
3- المادة -11-: "يتولّى مجلس الوزراء مناقشة مشروع قانون الموازنة، وإقراره، وتقديمه إلى مجلس النواب، قبل منتصف شهر تشرين الأوّل من كل سنة".. فإذا كان الأمر كذلك، كيف تمّ إذاً تحديد موعد الإنتخابات النيابية المُبكّرة، بحيث لن يكون لدينا مجلس نواب أصلاً في منتصف تشرين الأوّل من عام 2021؟ ولماذا لم تعترِض أيُّ سلطةٍ (أو جهةٍ) على ذلك؟
4- المادة -8- ثانياً: يتضمن مشروع قانون الموازنة العامة الإتّحادية ما يأتي:
د – "احتياطي الطواريء لسنة مالية بما لا يزيد على 5% من إجمالي النفقات المقدّرة في الموازنة (بشقيّها التجارية والإستثماريّة)، للحالات الطارئة وغير المتوقّعة التي تحصل بعد صدور قانون الموازنة العامة الإتّحاديّة".. فإذا كان هذا "الإحتياطي" موجوداً في موازنة عام 2021.. هل كان سيكونُ بديلاً مُمكِناً (وكافياً) عن "قانون الدعم الطاريء للأمن الغذائي والتنمية"؟.. وإذا لم يكن هذا "الإحتياطي" موجوداً، فالمصيبةُ أعظمُ.
5-المادة -13- ثالثاً: "في حال عدم اقرار مشروع قانون الموازنة العامة لسنة مالية معينة، تُعَد البيانات المالية النهائية للسنة السابقة أساساً للبيانات المالية لهذه السنة، وتُقدّم إلى مجلس النواب لغرض إقرارها".
6- المادة -18- ثانياً: "في حالة صدور قانون يترتّب بموجبه صرف مبالغ على الموازنة العامة، ينبغي أن يكون تطبيقه اعتباراً من السنة اللاحقة، من أجل وضع التخصيص اللازم له".
7- المادة-19- ثانياً: "عند تجاوز الإيرادات الفعلية التقديرات في قانون الموازنة العامة للسنة المالية، وبعد تغطية العجز الفعلي (إن وجد)، يتم توفير الفائض لإستخدامه في موازنات السنوات التالية في صندوق سيادي".. ولا أعرفُ (شخصياً) إن كان هذا "الصندوق السيادي" موجوداً أم لا، ولكنّني أعترفُ بأنّني سمعتُ بعض "المسؤولينَ" عن هذا الموضوع، وهم يتحدّثون عنه، منذ سنواتٍ عديدة.
8- المادة -19- ثالثاً: "لمجلس الوزراء عند إعلان حالة الطواريء أن يطرح على مجلس النواب مسودة قانون لزيادة الإنفاق".
9- المادة -20- أولاً: "لمجلس الوزراء أن يستخدم تخصيصات احتياطي الطواريء لتغطية نفقات عاجلة غير متوقعة وطارئة ترتبت بعد إصدار قانون الموازنة العامة الإتّحاديّة، وأقرّها مجلس الوزراء بناءً على اقتراح من رئيس مجلس الوزراء، أو وزير المالية".
وأرى (وقد أكون مخطئاً بطبيعة الحال) أنّ تنفيذ (أو تطبيق) المادتّين 19 و20 أعلاه، ربّما يتقاطع مع قرار المحكمة الإتّحادية، حول صلاحيات وواجبات حكومة "تصريف الأعمال".. ناهيك عن موجِبات ومُحدّدات إعلان "حالة الطواريء".
أخيراً .. أتمنى أن تكون هناك حلول مالية – اقتصادية سليمة وحكيمة وكفوءة، تُراعي مصالح الفئات الأكثر فقراً وهشاشة من السكّان، بعيداً عن "التهريج" السياسي الذي لا طائل من وراءه، في هذه الظروف العصيبة والخطيرة جداً، التي يُعاني العراق من ضغوطها الشديدة الآن، رغم العائدات الكبيرة (وغير المسبوقة) من صادرات النفط الخام.
(المصدر: قانون الإدارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019، جريدة الوقائع العراقية، العدد 4550، 5 آب 2019)
أقرأ ايضاً
- أهمية التحقيق المالي الموازي في الجرائم المالية
- العملة الرقمية في ميزان الإعتبار المالي
- لاتشتموني بعد سرقة "المالات" !