- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
جشوبة العيش دأبه وجلب الغنى للرعية حسبه
بقلم:حسن كاظم الفتال
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لقد أورد رسول الله صلى الله عليه وآله بحقه من النصوص لتعريفه ما لم يرد في غيره لا من قبل ولا من بعد . فهو صلوات الله عليه لم يكن خليفة أم حاكما أو رئيسا كما يحلو للبعض أن يكونوا بل هو قائد وأب روحي ينسل بضميره بين هموم الناس ويذوب بحنينه بعيش الفقراء فلم يحصل لا قبله ولا بعد أن يتولى خليفة الولاية على الناس فيكون أقل بأضعاف الدرجات من أقلهم في جشوبة عيشه وفي كفافه ويساوي فرد نعله البالي بخلافتهم التي أراد البعض أن يمتلك منها كنوزا بغير حق . فقد كان حتى أضعف الفقراء يأكل خبزا بغموس معين حتى ولو كان الماء إنما هو الذي يختم الجراب خشية أن يبلل خبزه اليابس المختوم الحسن أو الحسين أو زينب عليهم السلام بزيت أو خل أو ماء وحين يشاركه أحدهم بكسرة خبز فلا يتسنى له كسرها إلا بركبتيه . لقد بكى أمير المؤمنين عليه السلام على الفقراء ومعهم فإنه لم ولن ينسى إذ أن الإنسان يسهل عليه أن ينسى من يشاركه الضحك لكنه ليس من السهل بل من النادر أن ينسى من يشاركه البكاء حيث أن الضراء تعتصر الفرد فتضعه على محك اختبار الآخرين . والبكاء مر فلا يقتسمه إلا من يتحمل المرارة ، إما الضحك فيمكن أن يشاركه حتى المارة من عابري السبيل وهم يستمعون لنادرة أو فكهة منه أو أية طرفة . لم ينشغل أمير المؤمنين عليه السلام بقضاء حاجات الناس ومتابعة شؤونهم إنشغالا هامشيا أو سطحيا رتيبا ليعلن بأنه خليفة أو آمر أو حاكم . بل أكد صدقَه فعلُه وبين العملُ حقيقتَه . توغل إلى ملكوت الفقراء الذين يشكلون النسبة الكبرى في المجتمعات وهذا ما جعل لقب خليفة الله في أرضه يحرم على أي مخلوق غيره . فكم من شخص منح نفسه لقب خليفة وما خرج إلا بالخراب والدمار للمجتمع إداريا وعقليا ونفسيا واقتصاديا فخرب البلاد وهلك العباد من أجل أن تقدم له من ديباجات الدنيا ما تبرق بعينه فيصيبه عمى الطمع وقد غزاه الجشع واعتراه الغرور فصار لا يبصر بعدها إلا نفسه ولا يترجل يوما من أبراجه العالية ليسير في قافلة يركبها الفقراء وذلك هو الذي يسحقه التاريخ ولا يود تسجيل اسمِه أو تدوين عنوانِه إلا في صفحات اللعنات والمذلة فإن الحكام اعتادوا واعتدنا أن نراهم يعيشون على موت شعوبهم . وأما أمير المؤمنين عليه السلام استشهد من أجل أن تحيا الشعوب بأجل وأسعد وأروع حياة حين تتعطر بنفحات قدسه وتستلهم الدروس والعبر من مسيرة حياته الكريمة ومن عدله وإنصافه وتأسيسه قوانين العدالة وضمان حقوق الإنسان وكيفية استشهاده وهو يضرب المثل الأعلى حين يجزل بإنصافه ورحمته وعطفه ما لا يوصف ليس بتعامله مع الناس والرعية والمسترشدين والمستجيبين لنداء ورعه وتقواه بل حتى مع أعداءه وألدِهم هو قاتله الذي أنفرد في ارتكابه أفضع وأبشع جريمة وأنفرد امير المؤمنين عليه السلام في هذه الدنيا بصيغة تعامله معه . وهو القائل عليه السلام : خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم وإن عشتم حنوا إليكم إننا اليوم نَحِنُ بل بغاية الحنين إلى أن نعيش مع ذكر وذكرى أمير المؤمنين عليه السلام ونصر على أن لا تفارقنا هذه الذكرى ويحق لنا أن نجهش بالبكاء لفقده كثيرا ونرفض ونقاوم أشد المقاومة من يريدنا أن نتخلى عن ذكراه أو حتى عن البكاء أسفا على مغادرة جسده الشريف لنا إذ أن روحه باقية لا تفارق أذهان أولي الألباب ولا تبتعد عن أهل الحجى وأهل الحق ولا عن سويداء الضمائر لذا فقد راح العقلاء يتدافعون للإستضاءة بنور فكره حتى ممن لم يدينوا بدينه ولم ينحازوا إلى ملته أصروا على أن يستظلوا بظل كرامته ويتسابقون على الإنحناء أمام شهقات عطفه وشفقته ويتمرغون بصدق حبهم على أعتاب الولاء له ويقدسونه أجل وأعظم تقديس ومنهم من آثر أن يتخلى عن معتقده ومرشديه ويسوق ذلك قربانا للتشرف بالإنطواء تحت لواءه ولكي ينتسبوا إلى الركب الذي ينتظر على ضفاف نائله ليرتشف من فكره العظيم حيث قد تيقنوا بأنهم لم يصادفوا ولم يخبرهم تاريخ ملوكهم وأباطرتهم وحتى الأولياء والأوصياء ممن نال ذروة الإرتقاء التي ارتقى لها أمير المؤمنين عليه السلام ولقب بهذا اللقب دون أن يستحقه غيره وما أطلق هذا اللقب على أحد سواه إلا زورا وبهتانا وظلما واغتصابا لإن هذا اللقب قد خط على عظمته كما خطت القلادة على جيد الفتاة . ولازمه كما يلازم الاسم الفرد . لقد قدر له أن يحمل هذا اللقب كما قدر للشمس أن تحمل هذا النور الذي يستضيء به الكون وينار .
أقرأ ايضاً
- العيش في الوهم .. وامتهان المواطن
- اميركا والبيض والعيش الرغيد !
- "العيش على المعثرات " في مباراة النجف وكربلاء