- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الدولة التقليدية والدولة المُوازية: ترتيبات وتنظيمات المرحلة الإنتقالية
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
هل لدينا في العراق دولة ؟
نعم .. لدينا في العراق دولة.
هل تسود العراق الفوضى ؟
هناك شيءٌ من الفوضى ، ولكنّ العراق لا تسودهُ الفوضى التامّة والشاملة.
هل يوجد توازن بين الدولة ، وبين "تنظيمات" ما قبل الدولة ، أو التنظيمات "الموازية" للدولة في العراق؟
نعم .. يوجد توازنٌ كهذا .
هل هناك "ضابط إيقاع" (خارجي في الغالب)، يقوم بتوزيع الأدوار بين الدولة و"أشباهها" في العراق ، بحيث لا تنهار هذه الدولة تماماً، و يبقى "إيقاع" الفوضى في حدود دوره الرئيس لحفظ "التوازنات" الأساسية في ادارة السلطة ، واستخدام القوة ، و توزيع مصادر النفوذ ، وعدم السماح بـ "التقسيم" على اساس جغرافي ، أو إثني ؟
نعم .. يوجد "ضابط إيقاع" كهذا.
كان هذا هو الموجز .. وإليكم التفاصيل:
- الدولة في الكثير من الكيانات السياسية القائمة ، وفي أكثر من بلد تتعدّد فيه السلطات ، وتتوزّع فيه مصادر القوة وأدوات استخدامها ، يجب أن تكون موجودة وفاعلة وقادرة على "تسريب" أو "تمرير"، او إعادة توزيع الفائض الإقتصادي. ويتم ذلك عن طريق قانون الموازنة العامة للدولة، والقوانين الأخرى الضرورية لضبط الإيقاع العام للأداء السياسي والإقتصادي، إضافةً لقدرتها على انتزاع الإعتراف الدولي بها ، كدولة ذات سيادة.
- محدودية دور الدولة على الأرض، لا يعني غياب دورها "الفوقي" .. السياسي والإقتصادي (والإجتماعي أيضاً).
- إنّ وجود الدولة "التقليديّة"، هو شرطٌ ضروريّ لإدامة وجود دولة ظل موازية لها.
- إنهيار هذه "الدولة"، ليس من مصلحة "التنظيمات" الموازية لها، لأنّ هذه التنظيمات تتغذى، أو "تتطفّل" على الدولة، ومواردها الإقتصادية السيادية، و تنتفِع من تعدّد علاقاتها الإقتصادية والسياسية الدولية. لذا إذا شارفت الدولة على الإنهيار فعلاً، سارعت التنظيمات الموازية لها لحمايتها بكل الوسائل المتاحة.
- وجود دولة "تقليدية" وتعايشها مع تنظيمات موازية لها، هو"نموذج"، أو نمط قائم (وأحياناً "ناجح") في بعض البلدان التي ما تزال عاجزة عن تجاوز الصعوبات والتحديّات المرتبطة بالمراحل الإنتقاليّة (أي الإنتقال من أنماط إنتاجية واجتماعية متخلّفة، إلى أنماط أخرى أكثر تطورّا).
- إنّ دولاً "كبرى" (ومنها الولايات المتّحدة الأمريكية، والصين، و روسيا، وألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا) تقوم بدعم هذا النموذج "الدولتي" (بشكلٍ مباشر، أو غير مباشر)، أو تغضّ الطرف عن سياسته الخارجية "التوسعيّة"، وعن ممارساته الداخليّة (المناقِضة لحقوق الإنسان الأساسية) .. أو أنّها تتظاهر بتجاهلهِ، طالما أن أداءهُ لا يُهدّد (أو يتعارض على نحوٍ خطير) مع مصالحها (الآنية والإستراتيجيّة)، ولا يُعرقل على نحوٍ جاد سعيها للإستحواذ على حصّة أكبر من الإقتصاد العالمي، والنفوذ الدولي.
- لن تسمح هذه الدول "الكبرى" بالإخلال بهذه المعادلة في الوقت الراهن (ولكلّ منها أسبابها الخاصة التي تدفعها لفعل ذلك) .. أي: وجود ضروري لدولة "تقليديّة" ، تتعايش مع دولة ظلّ ، ويقوم بينهما توازن يمنع التفكّك التام للكيانات السياسية والجغرافية القائمة حاليّاً.
- يمكن لهذه "التجربة -النموذج"، أو يُسمَح لها بأن تتكرّر في بلدان أخرى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: السودان ولبنان واليمن وأفغانستان وسوريا، ودول الخليج العربية كلّها دون استثناء.
- لن يُسمَح لهذه "النماذج" بالتشكّل في دول مثل مصر والأردن، لأنها دول "ضامنة " لأمن اسرائيل، أو لأنّها تعمل ضمن المنظومة "الإقليميّة" الداعمة لأمنها .. ولا في دول المغرب العربي، لأنها من دول الجوار الجغرافي لأوروبا.
- لا يبدو أنّ هناك بديلٌ الآن عن هذه "الكيانات" القائمة على مثل هذه"الترتيبات" .. وكُلُّ ما يجري في "حاضر" الكثير من بلدان الشرق الأوسط "الكبير" حاليّاً، يُشير إلى كونه جزءاً رئيساً من "تمهيد" فاعل، وإعداد مُتقن، لكي يصبح هذا "النمط" الدولتي"المُركّب" و"المُتعايِش"، هو الشكل الجديد للنظام السياسي الحاكم فيها.
أقرأ ايضاً
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- إضحك مع الدولة العميقة
- العراق.. "أثر الفراشة" في إدارة الدولة