ما ان تقف بباب الدار حتى تشعر بأنك أمام عائلة فقيرة تسكنها، وبعد ان تدخلها تتيقن انك كنت على خطأ لانها عائلة سحقها الفقر ولكن اعطت كل شيء واغلى شيء وهم فلذات الاكباد للعراق، دار لا اثاث بها بل قطع صغيرة تسد الحاجة، كل شيء متهالك الا صور الشهداء تشع بنور التضحية، أب كادح مريض لم ينتظر لحظة واحدة عند سماعه لفتوى المرجعية الدينية الرشيدة بحلول ساعة الجهاد الكفائي لدفع الخطر عن الوطن والمقدسات والشرف، فانتخى واستجمع كل ما رسخ في قلبه وعقله ووجدانه من تربية حسينية ثورية لا تقبل الذل تلقاها عبر عشرات السنين واخلاق عشائرية لا تقبل الحيف، وصاح بأبنائه الاربعة (ها اولادي ها.. العراق يريد اهله.. الشرف مو چلمة.. الشرف دم مرخوص للوطن.. اذا تحبون الحسين فكلنه فدوه للحسين).
لم يكتفي بذهاب احد ابنائه او اثنان منهم او ثلاثة او اربعتهم، بل التحق معهم خامسا باحد الوية الحشد الشعبي، ليلبي نداء الوطن والمرجعية الدينية العليا، مقاتلين اخطر عصابات ارهابية تريد ان تستبيح العراق وكل ما فيه، فقدم تضحيات جسام ولكنه بقي على ايمان راسخ بقوله الوطن كرامة واذا ذهبت الكرامة فلا عيش مع الذلة.
اسطورة التضحية
يصلح ان نطلق عليه اسطورة التضحية انه عبد شمخي مطلك الذي تحدث لوكالة نون الخبرية قائلاً: التحقت مع اولادي الاربعة بالوية الحشد الشعبي وقاتلنا العدو الداعشي الارهابي في قضاء بيجي وناحية الصينية فاستشهد ابني الاكبر عباس (25 عاما) في قاطع بيجي وبعد شهر واحد استشهد اخيه حسين (25 عاما) -كونهم ولدوا توأما- في عام 2016، ثم لحقهم اخيهم الثالث محمد (19 عاما) الذي استشهد بعدهم بشهر واحد في قاطع الصينية وأنا ايضا اصبت بجروح في نفس القاطع وارجعوني عنوة واعفيت من القتال بعد أن اصيب اخيهم الرابع صفاء (22 عاما) في قاطع ديالى وبترت ساقه، ويتفاخر بالقول بإيمان ان صدور الفتوى اخرج ما نختزنه من ثورية في حب الامام الحسين عليه السلام وضرورة التضحية بالغالي والنفيس للحفاظ على بلد الانبياء والأئمة والمقدسات، فحينها خاطبتهم ان هذا وطننا ولابد من المشاركة بالقتال اسوة بالحسين واصحاب فاجابوني كلنا "فدوة للحسين" ولم نلتفت الى ارزاقنا او عائلاتنا مع العلم اننا عائلة مسحوقة بالفقر ويالكاد نحصل على قوت يومنا ونسكن دارا مستأجرة وهي متهالكة وقديمة ولم اتمكن من تزويجهم لضيق اليد، ولم اكتفي بخروج احدهم للقتال، بل اتخذت من ابي الفضل العباس قدوة لي كما استشهد هو واخوته في سبيل الله مع الحسين عليه السلام، ذهبت انا واولادي الاربعة الى القتال واكرمني الله باستشهاد ثلاثة من اولادي وبتر ساق رابعهم ووسام جرح في جسدي لتكون لنا شهادة عند الحسين يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.
الذكريات والرؤيا
وسكت لبرهة من الزمن ثم سالت دموعه وبكى وابكانا معه عندما تذكرهم يخدمون في المواكب الحسينية في مدينة الديوانية ويذهبون سيرا على الاقدام ، ويرتفع نحيبه وهو يقول كنت اخذهم سيرا على الاقدام الى ابي عبد الله في طريق البساتين القديم الذي كنا نسلكه سابقا في زمن الطاغية المقبور، من الشامية الى الصلاحية ونعبر النهر بالزوارق، وابكي وانا ارى الشباب يسيرون، واتحدث مع نفسي (بوية عباس ..بوية حسين.. بوية محمد.. ما اكدر اكول ليش عفتوني لان اني انطيتكم فدوة للحسين .. وارفع راسي باتجاه الحسين واصيح اشهدلي يا ابا عبد الله كلهم فدوة الك)، ويكفكف دموعه ويتنهد ويقول بقوة المؤمن بالله.. اني عندي هسه اثنين ولد غيرهم ومستعد افديهم للعراق وهم حاليا مقاتلين بالجيش العراقي.
ويعود للبكاء مرة اخرى (دائما اشوفهم بالمنام يوگفون يم راسي واني نايم واشوفهم بواحة خضراء وجوههم بيض ويخبروني يا بويه احنه بخير ونعيم).
وفاء زوجة الاب
الشهداء الثلاثة هم ايتام اصلا فقد توفيت امهم وهم اطفال صغار فجاءت زوجة ابيهم وكانت إمرأة صالحة وربتهم خير تربية، فتقول "هدية جبر" خلال حديثها لوكالة نون الخبرية، انا ربيتهم وكانوا صغارا واعمارهم بين 9 سنوات الى 12 عاما وتعلق قلبي بهم وخاصة الصغير محمد، والتحقوا بالقتال وانا اشجعهم ولكن في قلبي خوف عليهم وتقبلت خبر استشهادهم وسلمت امري الى الله ولكن رغم يقيني ان التضحية لاجل العراق والله والدين والحسين واجب الا ان فقد الصغير محمد احرق قلبي، فهو الصغير المدلل، ولكن نتأسى بام البنين التي فقدت اربعة من ابنائها وهي تبكي على الحسين عليه السلام اكثر من بكائها على العباس واخوته عليهم السلام.
قاسم الحلفي - الديوانية
تصوير: احمد القريشي
أقرأ ايضاً
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة