علي حسين الخباز
تكون وحدة القصد في الادب الدعائي علامة مميزة من حيث الكتابة، القراءة، فالمُنشيء يريد من نصه ما يريده المتلقي من قراءته وخصوصية متلقيه تكمن في إيمانه المسبق بتوافقات المعنى للفعل النصي مع تجربة المُنشئ، والإيمان بقدسية الأدعية المنزلة مثل دعاء المجير الذي نزل به جبرائيل (عليه السلام) على النبي محمد (صلى الله عليه واله) وهو يصلي في مقام إبراهيم (عليه السلام) والمهم أن شخصية المؤلف وخبرته لا تنعكس على النص كتاريخ شخصي بل تاريخا عاما شاملا لجميع الموضوعات التي تمثل عامة الناس وتدرك مثل صعوبة هذا الخطاب (سكوني) فلا بطولة لاحد فيه ولا خوارق ولا صراعات مفتعلة أمام جلالة الله عز وجل وعظمته بل ثمة خشوع مدرك لضعف الأنسان ومخاوفه وقلقه ينعكس من خلال (268) يا النداء ( يامحصي – يا مُنشيء- يامجير- ياديان- ياسبحان- ياغياث ...الخ) والأستغاثة بـ (179) مرة أسما من أسماء الله عز وجل مثل ( نور –ودود- مبين – مرشد - رافع- رؤوف – حافظ- عطوف- منتقم) و(92) سبحانك مرادفة باقرار العلو (تعاليت) مثل (سبحانك ياماجد تعاليت ياواحد ) وتعمل هذه الدلالات لتشكيل سمات (المجير ) الذي أصبح جزءً من الشبكة الدلالية وبؤرة تجمع فيها كل تفرعات النص من خلال مايمكن أن نسميه بالالحاح الطلبي أيّ تكرار (92) طلب الاجارة (اجرنا من النار يا مجير) والذي صار انعكاسا طبيعيا للعنونة كما نجد أن بنيتها اللغوية تنطوي على الوعي الكامل لانعكاسات الواقع النفسي حيث ركز فضل الدعاء لشفاء المريض وقضاء الدين والغني من الفقروالفرج عن الدين والفرج عن الكرب، لكننا نجد ان التكرار الطلبي قد قيّد المسعى الشكلي نوعا ما فلجأ النص إلى ما يفرج هذه السكونية من خلال الانفتاح اللغوي لتحقيق حيازة شعرية تحرك النص وتستثمر السياق العام من خلال كوامن شعرية تأخذ المتلقي إلى مديات شعورية أوسع إلى إيقاعات لغوية تعمل على إيجاد توازنات نغمية تظهر بشكل واضح عند القراءة ثم التركيز على السجع مثل ( سبحانك يامؤمن تعاليت يامتجبر) وتأتي مثل هذه الثنائيات على طول النص (مصور- مقتدر – فتاح – مرتاح – قريب – رقيب) أو استحضار التضادات مثل (سبحانك يا معز تعاليت يامذل) أو ( سبحانك يامعطي تعاليت يا مانع ) ونقرأ على طول النص مثل هذه الثنائيات التضادية (عفو×منتقم – محي×مميت – غفار×قهار – مقدم× مؤخر – ظاهر×باطن) أو نجد ثمة حركة منفتحة على التوافقات التي تأتي كنتيجة لوعي مدروس وتكون تكرارا للمعنى مثل ( سبحانك يا سبحان تعاليت يارحمان) أو (سبحانك يا رحيم تعاليت ياكريم) ونقرأ مثل هذه الثنائيات بكثرة مثل ( ياحميد- يامجيد –منان- شفيق- رفيق) ومن المؤكد أن مثل هذه الاستخدامات تمنح النص الحيوية والمتعة والعمق وتشيع فيها روح الانسجام، ثم نجد بالتدقيق في هذه الثنائيات المحتوى المنطقي الذي تصير توكيدات ( سبحانك ياملك تعاليت يامالك) واستدلالا متداخلا لتعميق المعنى يمنحنا زخما شعوريا (سبحانك ياغفور تعاليت ياشكور)كما تراه يأتي لتوسيع المضمون وشموليته من خلال أتكاءات قرآنية لزيادة التأثير وضمان عملية الاستيعاب كمنجز واقتدار فكري مثل (سبحانك أني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين).
أقرأ ايضاً
- الأهمية العسكرية للبحر الاحمر.. قراءة في البعد الجيوستراتيجي
- الغدير.. بين رأي السياسي وقراءة المخالف
- قراءةٌ في مقال السفيرة الأميركيَّة