بقلم: مازن الزيدي
عندما اجتاحت داعش مناطق شاسعة من العراق صيف ٢٠١٤، وانهارت ٦ فرق عسكرية في وقت واحد، وتخلى عشرات الالاف من عناصر الامن المحلي عن اداء مهامهم، لم يكن لدى الدولة العراقية سوى ايران واميركا لطلب المساعدة منهما.
استجابت ايران خلال ٢٤ ساعة من سقوط الموصل، واصدرت القيادة الايرانية توجيهات عليا بفتح مخازن سلاحها امام الحكومة العراقية من دون شروط مسبّقة. انتقل الجنرال قاسم سليماني الى بغداد بطواقم مستشاريه ومساعديه. وكذلك فعل عندما وصلت داعش الى تخوم اربيل واجبر رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني لطلب المساعدة من طهران بعد ان خذله حليفه رجب اردوغان وامتنع عن ارسال طيرانه العسكري لابعاد الخطر عن عاصمة الاقليم.
سيذكر موثقو هذه اللحظة من تاريخ العراق المعاصر، ان واشنطن تأخرت شهرين كاملين لكي تقتنع بخطورة سيطرة تنظيم ارهابي على اقليم يمتد من شمال بغداد الى حلب في سوريا، وتجبرها المجازر التي تعرض لها مسيحيو الموصل وايزديو سنجار الى تشكيل ما بات يعرف بالتحالف الدولي ضد داعش. نتذكر ايضا ان ادارة اوباما وطيلة الفترة الممتدة بين حزيران واب من عام ٢٠١٤ لم تعر اهتماماً يذكر لسقوط الحكومة والدولة العراقية، بل كانت تتحدث عن انتفاضة شعبية ومطالبات يجب على بغداد تلبيتها.
وحتى عندما عملت واشنطن على تشكيل التحالف الدولي، فإن اوباما وضعت ستراتيجية لاتعكس ادراكها ولا حماستها للقضاء على التنظيم الارهابي. وقتها كان اركان ادارة اوباما وجنرالات الجيش الامريكي يتحدثون عن ١٠ اعوام للقضاء على داعش وتحرير المناطق التي سيطر عليها.
ولولا صدور الفتوى التاريخية من النجف وتعبأتها الشعبية ضد هذا التهديد الوجودي، لكان العراق مستعداً لتقديم تنازلات كبيرة ومؤلمة لامريكا قد تكون بضمنها اقامة قواعد دائمية للجيش الامريكي، ولم يكن باستطاعة ايٍّ كان رفض ذلك، مقابل انقاذ البلاد.
لقد منحت فتوى المرجع السيستاني الدولة العراقية قوة لامتصاص التهديد الاستراتيجي الذي تعرض له، وفوّت على امريكا فرض شروطها ودفعها للالتحاق بالحرب على الارهاب وفق شروط الامر الواقع الذي ثبتته الفتوى كقوة ردع فاجأت الاقليم والعالم.
اثبتت تدخلات المرجعية في مختلف القصايا بعد ٢٠٠٣ قدرتها على حسم الخلافات المزمنة داخل الاطار الشيعي والاطار الوطني، وتوجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح الذي يجب ان يلاحظه الجميع.
وكانت فتوى الجهاد الكفائي احد اللحظات التي عززت هذا المسار في مواقف مرجعية النجف، ولولاها لم ينته الجدل الدائر انذاك حول المقصّر بسقوط الموصل، والموقف من مواجهة هذا التطور الامني والسياسي، وهل يتم التعامل معه عسكرياً او سياسياً؟!
اليوم تعود المرجعية العليا لتقول كلمتها فيما يتعلق بالموقف من بقاء القوات الامريكية والقواعد التي تتمركز فيها.
فبعد ايام قليلة من التصريحات المهينة التي اطلقها الرئيس الامريكي بشأن بقاء قواته في العراق والنفقات التي صرفت على تأهيل قاعدة عين الاسد، وتشديده على ان الهدف من كل ذلك مراقبة ايران، يستقبل المرجع الاعلى ممثلة الامين العام للامم المتحدة ويبلغها بشكل صريح وواضح رفضه تحويل العراق الى مقر لايذاء دول الجوار.
وشدد المرجع على ضرورة ان تكون علاقات العراق متوازنة مع جميع الدول على اسس السلام والاحترام.
تأتي مواقف المرجعية كالعادة في وقت حرج وحساس، وفي قضية تمسّ سيادة الدولة وهيبتها، في وقت تتباين فيه مواقف الاطراف السياسية وتتصادم احياناً بما يمنع تبلور اجماع وطني حازم وقاطع بهذا الشأن.
وسيمنح موقف المرجعية الصريح من الوجود الامريكي في العراق دفعة قوية للقوى البرلمانية التي تعمل على تشريع قانون يعالج ذلك في اطار حماية سيادة البلد وحفظ مصالحه.
كما ان الموقف من التواجد الامريكي يقطع الطريق امام العازفين على وتر تباين رؤى النجف وقم في العديد من القضايا المصيرية، والتي اثبتت التجارب القريبة والبعيدة انها تصبّ في مصلحة المنطقة والحرص على استقرارها.