- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل إعادة توزيع حصص الكهرباء سيخفف من المشكلة؟
بقلم: علي الشرع
من التقاليد التي ورثناها من نظام الطاغية البائد كانت توزيع الكهرباء مناطقياً، والحصة التموينية، ورفع العلم والاصطفاف في المدارس يوم الخميس، وتدريس مادة الديمقراطية وحقوق الانسان التي حلت مكان الثقافة القومية، وغيرها كثير، والسبب في استمرار هذه التقاليد هو ان طابع الدكتاتورية ظل ولا زال معشعشاً في عقول ونفوس المسؤولين في النظام الجديد. والحديث اليوم سيقتصر على واحدة من هذه التقاليد الا وهي طريقة توزيع الكهرباء في البلاد.
فقد استخدم النظام البائد -بعد ان خرج من حرب الخليج الأولى وقد دُمرت نسبة كبيرة من قطاع الكهرباء- نموذجاً للتوزيع على أساس اعتبار العراق منطقة واحدة، وقسّمها بالتالي الى اجزاء كل جزء يحصل على حصة من الكهرباء مراعياً في ها التقسيم الجانب الأمني للنظام وليس التوزيع الرشيد المبني على أساس الاستفادة المثلى والقصوى من الكهرباء المولّدة المتاحة وتقليل الضائعات لاسيما التجاوز على الشبكة.
والجميع يتذكر كيف ان التوزيع الخاطئ للكهرباء -الذي كان يزود منطقة معينة ويقطعها عن المنطقة الأخرى القريبة منها بحسب خريطة المغذيات التي تخرج من محطات التوزيع الثانوية بحيث لا يفصل هذه المناطق بعضها عن بعض الا منزل واحد- قد شجع الناس الذين انتهى وقت حصتهم على مد الكيبلات نحو المنطقة الأخرى التي زودت بالكهرباء فصار ضغطاً كبيراً على المحولات الثانوية، وتضرر الجميع من عطبها السريع والمستمر ولازال هذا الوضع الى اليوم هو السائد.
وهذا النموذج فاشل وقد اثبت فشله لحد الان، ولابد من تجاوزه الى نموذج توزيع جديد للطاقة الكهربائية المولّدة بحيث يحقق هدفين: الهدف الأول الاستفادة المثلى من الطاقة الكهربائية المولّدة، والهدف الثاني تقليل الهدر منها الذي تعبّر عنه وزارة الكهرباء بالضائعات.
فوزارة الكهرباء تشتكي دائما من الضائعات، وهذه الضائعات على نوعين: أحدهما ناجم من التجاوز على الشبكة (المعروف باللهجة العامية بالتجطيل)، والأخر بسبب قِدم الشبكة الكهربائية.
ومعلوم ان حصص الكهرباء لكل منطقة في المحافظات الأربعة عشر هي في ساعات الذروة في الصيف او الشتاء تكون 2 ساعة تشغيل مقابل 4 ساعات إطفاء، فاذا كانت الكهرباء المولّدة تصل الى 12 الف ميجا واط (لنفترض ان استيراد الكهرباء يساوي صفر)، فأن ما يحتاجه العراق هو 36 اف ميجا واط لسد حاجة الطلب وليس 21 او 24 او حتى 26 الف ميجا واط. ولكن اذا كان تصريح وزير الكهرباء السابق دقيقاً بأن البلد بحاجة الى 30 الف ميجا واط من الكهرباء، فان حجم الضائع هو 6 الاف ميجا واط (الفرق بين 36 حسب تقديرنا و 30 الف ميجا واط حسب تقدير الوزير).
ونسمع أحيانا من خلال تصريحات وزارة الكهرباء ان حجم الضائع بسبب قدم الشبكة يصل الى الفي ميجا واط، اذاً يبقى لدينا اربعة الاف ميجا واط يمكن ان نعزوها الى التجاوز على الشبكة بسبب نموذج توزيع الكهرباء السائد.
وذهبت وزارة الكهرباء الى حل غريب لا يتناسب مع طبيعة المشكلة عبر تطبيق الخصخصة في التوزيع من اجل ترشيد الاستهلاك أولاً، والحد من التجاوز على الشبكة ثانياً. ولكن هذه الخصخصة فشلت، وقد اشرت في مقال سابق قبل سنة تقريباً على صفحات هذه الجريدة ان تطبيق الخصخصة في التوزيع سيفشل لسببين هما أولا: اذا كان سعر امبير الكهرباء الوطنية اقل من سعر كهرباء المولدة الاهلية، وثانيا: ان حجم الطاقة المولّدة لا تكفي لتنفيذ هذا المشروع في أوقات الذروة؛ لأن الوزارة ستضطر الى تخفيض الطاقة على المواطنين خارج مشروع الخصخصة ومنحها للأخرين المشمولين بالخصخصة مما يؤول الى غضب ورفض شعبي وقد حدث هذا فعلاً، فتراجعت الوزارة وقلصت حصة المواطنين داخل مشروع الخصخصة فثارت ثائرة الأطراف كلها داخل وخارج المشروع ضد الخصخصة في التوزيع.
ومشكلة التجاوز على الشبكة لا تُحل بالخصخصة في التوزيع بل من خلال إعادة توزيع الطاقة الكهربائية المنتجة على مستوى البلد كله بطريقة يمنع هذا التوزيع التجاوز عليها.
والنموذج الذي نقترحه لتوزيع الكهرباء يقوم على أساس التوزيع المبني على المحافظات بحيث يتم تزويد الكهرباء لجميع مناطق المحافظة في ان واحد لا تجزئة المحافظة الواحدة الى مناطق كما هو الحال في النموذج الحالي المطبق من قبل وزارة الكهرباء.
وبناء على هذه الطريقة في التوزيع ستُقسم المحافظات الى مجموعات، مثلا مجموعة بغداد لوحدها، ثم نجمع ثلاث محافظات التي تساوي مجموع حصتها من الكهرباء حصة بغداد بحيث اذا تم إطفاء الكهرباء عن بغداد ستزود به هذه المحافظات في هذه المجموعة في ان واحد. فاذا حصل ان كان حجم الطاقة الكهربائية التي تتوفر بسبب هذا التقسيم الجديد اكبر من عدد المجموعات بمقدار تشغيل كهرباء محافظة واحدة فينبغي ان تعطى هذه الحصة الى البصرة بشكل دائم في الصيف.
وإعادة توزيع الكهرباء بحسب هذا المقترح سيكون مفيداً حتى اذا لم يحصل أي تغيير في ساعات التشغيل والقطع المعمول بها حالياً (2 مقابل 4)، ولكن سوف نستفيد منه في عدة أمور منها:1. انه لن يتجاوز احد على الشبكة من منطقة الى أخرى وما يسببه ذلك من عطب للمحولات التي تمثل تكاليف كبيرة لموازنة الوزارة ويصعب معه تنفيذ خطة ترشيد الاستهلاك من الكهرباء 2. التقليل من الضائعات ماعدا حالة المكيفات والسبالت التي يربطها اصحابها مباشرة بالشبكة (جطل)، وهذه لا علاقة لها بزيادة حجم الطلب الفعلي على الطاقة الكهربائية، كل ما في الامر ان هؤلاء لا يدفعون ثمن استهلاك الكهرباء.
واستحصال الثمن من هؤلاء امره سهل من دون الدخول في جدال مع أصحابها وذلك بتسجيلها في ورقة الكهرباء في بند مستقل مع تقدير مبلغ مضاعف لاستهلاك كل وحدة مكيف او سبلت، وبهذه الطريقة سيجبر أصحابها على ربطها رسميا من خلال مقياس الاستهلاك. وهناك فائدة أخرى من عدم التجاوز على الشبكة هو انه سيقلل من تجاوز المحافظات على حصص بعضها البعض.
كما انه سيقلل من التلاعب بإطفاء وتشغيل الكهرباء بالاتفاق مع أصحاب المولدات الاهلية.
وبدلا ان يدخل وزير الكهرباء الجديد في جدل مع النواب ويقدم اعذاره من انه لا يتحمل ارث الفساد في الوزارة التي تنبئ عن الرجل اتى الى موقع لا خبرة ولا دراية له فيه ولا خطة جاهزة عنده، فليناقش المقترح المعروض في هذا المقال مع المختصين في وزارته وليطبقه تجريبيا الان في الشتاء حيث يتحمل الناس اذا حدث بعض الخلل في الكهرباء.
أقرأ ايضاً
- هل ماتت العروبه لديهم !!!
- هل يستحق المحكوم ظلما تعويضًا في القانون العراقي؟
- هل سيكون الردّ إيرانيّاً فقط ؟