بقلم | هشام الهاشمي
المهمة التاريخية لكل دعاة الديمقراطية بعد حكم الحزب الواحد وسلطة القائد المهيب، وتؤسس قبل كل شيء على عزل الأمن والعسكر والثوار المسلحين عن المؤسسات السياسية والمدنية وعرقلة نمو وظائف القوات المسلحة على حساب الوظائف الخدمية والمدنية والمجتمعية.
لكن كما هو الحال في حالة معظم التحولات الكبيرة المبكرة الى الديمقراطية التصادم صعوبة عزل المؤسسات والمنظمات العسكرية عن الحياة السياسية، وخاصة اذا كانت تلك الجموع المسلحة لديهم قدرا واسعا من النفوذ الذي يصنع اكثرية انتخابية.
والحالة العراقية بعد 2003 كانت الأكثر تعقيدا في تحويل الدولة ومؤسساتها من العسكرة الى الديمقراطية، لأن هناك إعداد كبيرة من المعارضة والذين يزعمون انهم صناع الديمقراطية هم يعملون او يسندون جموع مسلحة قبل 2003 وتوسعوا في ذلك من بعد الإحتلال الإمريكي-البريطاني وحلفائهما.
وكانت تلك القيادات تحتل منصبا سياسيا متقدما لدى الحاكم المدني الأمريكي.
عموما لا يمكن لمحاولات التحول الى الديمقراطية في العراق ولمدة 15 عاما ان تعتبر انموذجا يتحذى به في المنطقة.
وكانت جناية الجميع بالتواطؤ على حل الجيش العراقي، وكانت ملاحقة واغتيال الطيارين وبعض الضباط العسكريين والأمنيين هي سياسية مشتركة بين قادة الاحزاب السياسية والحاكم المدني الأمريكي، وقد تم استثناء القليل منهم بناءً على شفاعة طائفية او قرابة عشائرية، الأمر الذي اطلق المزيد من الكراهية والتأليب.
تجسد ألمانيا واليابان بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية مثاليين لبناء الديمقراطية والتحول من حكم العسكر الى حكم مدني ديمقراطي.
فالعراق رغم لديه مشتركات واضحة مع تجربة تلك الدول الا انه فشل في عملية التحول.
الاحزاب الحاكمة وهي مع الحاكم المدني المسؤول الأول عن فشل تجربة التحول، تبرر ذلك: ان العراق بلد طوائف ومكونات منقسمة على نفسها ومحاط باعداء سابقين وبجيران غير مخلصين لعملية التحول كونها تخشى ان تدور عليها الدوائر بتجربة مماثلة.
كانت عمليات المقاومة بالضد من الوجود الامريكي في العراق وفِي مبكّر افسد على المنظمات الدولية والمدنية المحلية في تنفيذ برامجها الساندة لعملية التحول.
وايضاً العلاقات الدولية للأحزاب العراقية الحاكمة وتناقض أجنداتها بحسب ارتباطها بايران ومحورها وأمريكا وحلفائها، حتى اصبح قادة الاحزاب وزعماء الكتل أشبه بظل لأجندات الخارج في الداخل العراقي.
وايضاً موقع العراقي الاستراتيجي في جغرافيا صراع السنة والشيعة هو الأهم لأسباب متنوعة ومعقدة.
كانت الولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة اخرى، يتجنبان تحذير حلفائهما من التوغل في الفساد والدماء، وكان الذي يعني لهما تقاسم السلطة في العراق واجتثاث بقايا البعث، ولَم يكن يعني لهما تقاسم مهام تحول الى الديمقراطية بطريقة سلسة ومريحة.
في حين كانت امريكا تنظر الى العراق على انه خط دفاع لحلفائه في الخليج فان ايران كانت تمتد لصناعة طريق طهران-بيروت والهلال الشيعي.
وايضا الولايات المتحدة وحلفائها نجحوا الى حد ما من ازاحة ذروة التطرّف التمرد المسلح السني "القاعدة في العراق" وبالتعاون مع العشائر السنية، وايضاً ركزت على صناعة قوات مسلحة عراقية بعقيدة عسكرية وتسليح غربي بعيدا عن سلاح المعسكر الشرقي، وأصبحت تشرف على تسليح العراق، وايضاً تشرف على حركة المال والنفط وتيسير لقاءات لعودة العلاقات الدولية مع العراق.
في عام 2018 الكل ينتظر مرحلة جديدة للعراق؛ فقيادة القوات المسلحة العراقية بكل صنوفها ملتزمة بكامل الحكم الديمقراطي، وهم متأثرين يدور التحالف الدولي بقيادة امريكا، وبكل أنصاف معظم هؤلاء القادة يشهدون بذلك الدور.
واما قيادة قوات هيئة الحشد الشعبي احدى صنوف القوات المسلحة العراقية بحسب قانون شرع عام 2016 يؤكدون ان انتصاراتهم بالحرب على داعش وتصدر جناحهم السياسي في انتخابات 2018 ما كان ليحدث لولا الدور المباشر للفاعل الإيراني.
التغيير النسبي الذي قد يحدثه الاحتقان بين امريكا وإيران والاحتجاجات الشعبية الغاضبة وتضامن المرجعية الشيعية في العراق؛ هو ان المناصب السياسية والمدنية والعسكرية لن يسمح ان يقترب منها قيادات ووزراء مشكوك في نزاهتهم ومهنيتهم في الإدارة والقيادة في الحكومة الجديدة.
ثمة مشكلات لن تزول وهي باقية لكنها ربما لن تتمدد، وعلى الرغم من قصة النصر العسكري على داعش التي بات تجسده القوات المسلحة العراقية بكل صنوفها، ومع أن المؤسسات العسكرية والأمنية أقامت علاقات جيدة مع وسائل الاعلام اثناء مرحلة المعارك، فأنه يوجد تنافر بين إجراءات الحكومة في قمع التظاهرات وبين عدد كبير من الخبراء المستقلين والكتاب الصحفيين والباحثين.
ومن المرجح عام 2018-2022 ان يرتفع وعي الجمهور العراقي بالديمقراطية مما كان عليه في السنوات 15 الماضية.
أقرأ ايضاً
- ما وراء.. ارتباط ألوية من الحشد الشعبي بالقائد العام للقوات المسلحة؟
- العشيرة والديمقراطية. ( 2 )
- العشيرة والديمقراطية. ( 1)