- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاشاعات والرأي العام العراقي
عباس الصباغ
ابسط مفهوم للإشاعة يشي بالفوضى الاعلامية الخلاقة التي ضربت المشهد العراقي غداة التغيير النيساني ومدى تأثيرها السلبي على الراي العام العراقي عموما، حيث تكتظ بعض المواقع الالكترونية والوكالات الخبرية وبعض الفضائيات التي تندرج تحت مسمى الصحافة الصفراء، فضلا عن الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي غير المنضبطة بما لايحصى من الاخبار والمعلومات المتضاربة التي يكشف محتواها ليس عن الضعف في المهنية والمصداقية الاعلامية فحسب، بل وعن اهداف سياسية كيدية او تخريبية تنحو منحى بعيدا عن الاهداف الاعلامية السامية والتي تتوخى الحقيقة لغرض ايصالها للجمهور بطرائق مهنية وسلسة بعيدا عن لغة المهاترات والمناكفات والتهويلات والتسقيطات التي تحرّف بوصلة الاعلام عن اداء دورها المطلوب إن كان الهدف الاسمى من الاعلام هو صياغة راي عام وفق معايير مهنية منضبطة.
وسابقا كانت الاشاعة تلعب دورها التخريبي بواسطة الطابور الخامس، ولكن اليوم وبفعل الثورة التقنية الهائلة في مجالي الاتصالات والاعلام استحال هذا الطابور الى شبكات متنوعة لاحصر لها، بعد ان كان تمثله مجموعة عناصر قد تكون لها امتدادات خارجية او اجندات مريبة هدفها التضليل والتخريب وإرباك الجبهة الداخلية وزعزعة الاستقرار الاهلي ، فقد اصبح هذا الطابور متنقلا عبر الاثير والفضاء بعد ان وفرت له العولمة والتقدم التقني الهائل اجواءً عابرة لكل الحدود الزمنكانية ولم يعد بمقدور احد ان يقف بوجه هذا التسونامي التخريبي الهائل، فحدث انفلات اعلامي غير مسبوق انتج لنا واقعا اعلاميا فوضويا مغايرا لايتمتع في بعض مفاصله بالمهنية التي يجب ان تتمتع بها قنوات الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فصار الكثير منها وسائل ساعدت على نقل معلومات واخبار غير صحيحة او مبالغ فيها او المقصود منها احداث ارباك في سايكلوجية المواطن العراقي المتخم بسلسلة طويلة من المعاناة المعيشية الصعبة، او إحداث تخلخل في النسيج المجتمعي ـ الاثني العراقي الذي ظل متراصا رغم جميع الظروف القاهرة التي المت بالعراق، او احداث بلبلة تؤدي الى خسائر اقتصادية فادحة، وتنشط هذه الوسائل الصفر في اوقات الازمات والمحن، فترى الشارع العراقي مشغولا ومنشغلا ومتفاعلا مع تلك الاخبار والمعلومات كأنها مسلّمات او حقائق دون الرجوع الى مصادرها الرسمية او المختصة المعنية بها لتدلي برأيها وتكشف عن قناع الحقيقة.
ويزيد الطين بلة، بعض مواقع التواصل الاجتماعي غير المنضبطة وبعض وسائل الاعلام انها تورد الكثير منها معلومات واخبارا دون تمحيص او تدقيق تؤدي بالنهاية الى إيهام الراي العام بان تلك المعلومات هي صحيحة لتسري بين الناس كالنار في الهشيم كونها تعتمد في بث معلوماتها على اسلوب العاجل و"الاكشن" والخبر الهام والسبق الصحفي لأخبار قد لاتمت للواقع بصلة او تكون كاذبة او وهمية او ملفقة والامثلة على ذلك كثيرة مثلا: فقد انشغل المجتمع العراقي بالحديث عن الحمى النزفية وهو مرض لم يرتقِ الى حالة الوباء، ولكن حدث ان تناقلت بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ان الامر هو "كارثة" كبرى ما ساهم في احداث خسائر فادحة للثروة الحيوانية، فضلا استفحال حالة من الذعر والهلع بين المواطنين ، والامر ينسحب ايضا على انفلونزا الطيور وما سببته الاشاعات حولها من خسائر اقتصادية جسيمة.
والاخطر من كل ذلك هي الاخبار التي تناقلتها تلك القنوات والوسائل التي تخص التظاهرات العارمة التي اجتاحت الكثير من المدن العراقية والمطالبة بتوفير الخدمات المستعجلة فضلا عن تحسين الواقع المعاشي وتوفير فرص للعاطلين عن العمل وهي تظاهرات مشروعة تحت كفالة الدستور مع تأييد المرجعية العليا في النجف الاشرف لها شرطية عدم انحراف بوصلتها الى مسارات اخرى كالأعمال غير المنضبطة التي قام بها بعض المندسين إلا ان الكثير من القنوات الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي اعطت صورة مغايرة عن الواقع الذي صورته كأنه حرب اهلية طاحنة وان العراق مقبل على شفا فوضى عارمة لاتبقي ولاتذر وانها حرب ضروس بين الاحزاب تحت هامش الانتخاب و الشروع في تشكيل الحكومة المرتقبة، فأوصلت رسالة مشوشة ومشوهة الى المجتمع الدولي بعد ان ساهمت في حدوث ارباك شديد في الشارع العراقي بإشاعة اخبار ملفقة عن احداث لم تكن بالصورة التي وقعت او انها لم تقع اصلا، مستغلة الهامش الكثير في حرية التعبير التي اعطاها الدستور في المادة / 38 فيجب التثقيف بالالتزام بجوهر النص الدستوري وعدم تأويله وفق المزاج او الشروع بتعديل هذه المادة لتتلاءم مع المصلحة الوطنية العليا.
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- وللبزاز مغزله في نسج حرير القوافي البارقات
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته