سالم مشكور
في بلد كالعراق، خارج من عقود من التدمير الذاتي والخارجي، لا يمكن النهوض الا من خلال التعليم. لا يعني هذا مجرد بناء مدارس وجامعات، بل يتطلب وجود هيئة عليا من الخبراء تضع خطة لتطوير التعليم بما يتناسب والتطور الحاصل في أساليبه وكذلك حاجة البلاد من مخرجاته، وقبل ذلك تحديد فلسفة للتعليم يجري على أساسها وضع الخطط والبرامج. لا يمكن تطوير التعليم بوجود وزارة يتحكم بها مزاج الوزير وأيديولوجية حزبه ومصالحه المادية. هل لدينا خطة للتعليم، وقبلها، هل نعرف ما هي فلسفة التعليم الذي نريده؟. أجزم إننا لا نملك ذلك، بل أن أغلب القائمين على التعليم لم يسمع عن ذلك شيئا.
جمعني، وعدد من الأصدقاء من مختلف الاختصاصات، لقاء قيّم مع الدكتور عبد علي سفيح وهو خبير عراقي عمل مستشاراً في وزارة التعليم الفرنسية. اللقاء نظمه مركز فكري أسسه النائب المثقف الدكتور عقيل عبد الحسين. كان حواراً حول واقع ومتطلبات التعليم في العراق بعد عرض من الضيف لواقع التعليم الفرنسي والفلسفة التي يقوم عليها. مما ذكره أن التعليم في فرنسا انتقل من نظرية هوبز القائلة بان الانسان هو ذئب ويحتاج الى سطوة لتطويعه، وما تبع ذلك من طرائق تدريس تقوم على الشدة، الى نظرية التبادل التي تجعل الطالب هو المركز، وعندما يفشل الطالب يعيد المدرس النظر باسلوبه معه وإذا كان الفشل عاما يعاد النظر بطرائق التعليم ومضامينه. عندنا بقي التعليم، الذي كان يعدّ رفيع المستوى في العراق، يعمل بنظرية هوبز وبتعريف يقول انه «من يعلَم يعلّمُ من لا يعلم».
في فرنسا يبقى قطاع التعليم صاحب الميزانية الأكبر بين باقي القطاعات، لا تتأثر بأي سياسة تقشف أو تقليص انفاق، منطلقين من مبدأ أن التعليم هو أساس قيام الدولة. التعليم عندهم هدفه بناء المواطن الصالح، فقسموا المهمة الى مراحل التعليم، فالابتدائي وقبله للبناء المعرفي بطرق حديثة، والثانوي للبناء الثقافي وصياغة الهوية الوطنية فيما يتولى التعليم الجامعي عملية البناء الحضري واكتساب القيم والسلوك العالمية من خلال تنظيم زيارات طلابية الى دول أخرى. يؤكد الدكتور عبد علي على أن التعليم في فرنسا يقوم على الاهتمام بالعلوم الانسانية كأساس لبناء الدولة، الفلسفة تأتي على رأس هذه العلوم بل هي تدخل في كل العلوم. عندنا يجري النظر بدونية الى الفلسفة والعلوم الانسانية ككل رغم أنها تخرّج من يقودون البلاد. لا مجال للمقارنة بين التعليم في العراق وفرنسا، لكننا لا يجب أن نستمر في غفلتنا عن محورية التعليم في بناء الدولة، والدولة هنا بمعناها الاوسع الذي يجمع الشعب والسلطة والاقليم والسيادة.