- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قيم الحق في النهضة الحسينية / الجزء الثامن
بقلم: عبود مزهر الكرخي
شَبَث بن رِبعِي
شَبَث بن رِبعِي بن حصين التميمي اليربوعي، وكان يكنى بأبي عبد القدّوس، يعود نسبه إلى بني يربوع من قبيلة بني حَنْظَله(1). التحق عدد من بني حنظلة في حرب الجمل بجيش عائشة لقتال علي ابن أبي طالب عليه السلام بتحريض من طلحة والزبير، إلا أنّ بني يربوع جميعهم لزموا طاعة علي(2). وفي النهروان التحق كذلك بعضُ بني حنظلة منهم شبث بن ربعي بالخوارج(3). وبدل أن يبايع عليا عليه السلام بايع ضبّاً وقال عنه الأمام علي(ع): { هما متساويان }(4).
الخروج على أمير المؤمنين:
خروجه على أمير المؤمنين (عليه السلام) بحروراء مع الخوارج. وكان أمير القتال يوم الخوارج. بيعته مع جرير بن عبد الله والأشعث وعمرو بن حريث وغيرهم الضب فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): { ليبعثنكم الله يوم القيامة مع إمامكم الضب الذي بايعتم. كأني أنظر إليكم يوم القيامة مع إمامكم الضب وهو يسوقكم إلى النار....الخ }(5).
ومن فظائع هذا المجرم وهو مع الخوارج عند تنكره لبيعة أمير المؤمنين(ع) أنه ولقد دخل الخوارج المدائن، تقول الرواية: (فلما سمع مصعب بقدومهم ركب في الناس وجعل يلوم عمر بن عبيد الله بتركه هؤلاء يجتازون ببلاده، وقد ركب عمر بن عبيد الله في آثارهم، فبلغ الخوارج أن مصعباً أمامهم، وعمر بن عبيد الله وراءهم، فعدلوا إلى المدائن فجعلوا يقتلون النساء والولدان، ويبقرون بطون الحبالى، ويفعلون أفعالاً لم يفعلها غيرهم)أخيرا. بل فعلها غيرهم.. فإن داعش لم تأت من فراغ.!!(6)
كان شبث ممّن أدرك أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم اتبع سَجاح اليربوعيّة المُدَّعية للنبوة بعد وفاة النبي، فكان المؤذِّن لها، ثم عاد إلى الإسلام بإسلامها(7). كما أنّه كان من مخالفي عثمان، وبعد مقتل الأخير كتب شبث إلى معاوية يتهمه بالمشاركة في قتل عثمان. مات حوالي سنة 70 للهجرة(8). مات في الكوفة عن ثمانين سنة. أطلَقت عليه بعض المصادر نسبة الرياحي(9).
في خلافة علي عليه السلام
أُعطِي شبث بن ربعي لواء قبيلتي عمرو وحنظلة في الكوفة حين عَقد عليّ عليه السلام ألوية قبائل البصرة والكوفة (ما يزيد على 26 لواءاً) في حرب صفين وأعطاها لرؤسائها(10).وكان في الأربعة الذين أرسلهم علي عليه السلام إلى معاوية قبل الحرب ليُفاوضوه(11) وأرسله علي (عليه السلام)مع آخرَين ليهدم بيت حنظلة بن الربيع الخارجيّ حين هرب إلى معاوية(12). التحق بالخوارج بعد التحكيم(13). إلا أنّه رجع عن التحكيم بعد احتجاج ابن عباس مع الخوارج فكان على ميسرة جيش علي في النهروان(14).
في خلافة معاوية
كان شبث إلى جنب ابن الأشعث وشمر بن ذي الجوشن ممّن شهِدوا على حجر بن عدي بالكفر وخلْع الطاعة ومفارقة الجماعة ولعْن الخليفة و...، حين اجتمع فِي سجن زياد بن ابيه (أمير الكوفة والبصرة في عهد معاوية) من الشيعة أربعة عشر رجلًا وأمر (زياد) وجوه أهل المصر أن يكتبوا شهادتهم عليهم(15).
وقد ورد اسم شبث بن ربعي (هو أو معقل بن قيس) على رأس الخيل الذي أرسله المغيرة بن شعبة عامل معاوية على الكوفة ليقتل فروة بن نوفل الخارجي الذي كان قد امتنع من قتال علي عليه السلام في النهروان وهمّ بقتال معاوية بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام(16).
في واقعة عاشوراء
كان شبث ممن راسل الإمام الحسين عليه السلام وسأله القدوم إلى الكوفة(17). إلا أنّه كان ممن قام بتفريق الناس من حول مسلم بن عقيل مبعوث الحسين إليها حين سأل بن زياد أشراف أهل الكوفة أن يُخوّفوا القوم من إجابته ومناصرته(18). خاطبه الحسين يوم عاشوراء حين نادى بجيش عمر بن سعد وقال: يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أَبجَر ويا قيس ابن الأشعث ويا زيد بن الحارث ألم تكتُبوا إِليَّ في القدوم عليكم؟ فأنكروا ذلك وقال لهم الحسين: بلَى فعلتم(19).
لم يرغب شبث أن يحضر الحرب يوم عاشوراء وتمارض حين سأله ابن زياد أن يلتحق بجيش ابن سعد لكي لا يواجه الحسين عليه السلام، فقال له ابن زياد: أتتمارض؟ إن كنت في طاعتنا فاخرج إلى قتال عدونا. فخرج شبث لمّا سمع ذلك(20).
وفي يوم عاشوراء جعل عمر بن سعد، شبثَ بن ربعي على الرجّالة (المُشاة)(21)وكان عندما بَلغ شمر فُسطاط الحُسين ونادى: عَلَيَّ بالنار حتى أُحَرِّقَ هذا البيت على أهله، جاءه شبث ونهاه عن ذلك(22). وكان قد نهى أصحابه عن الفرح بمصرع مسلم بن عوسجة الأسدي أول أصحاب الحُسَين ووبّخهم على ذلك(23).
بعد عاشوراء
قالوا جدد مسجده بالكوفة فرحاً بقتل الحسين عليه السلام وقد نهى أمير المؤمنين علي عليه السلام بالكوفة عن الصلاة في خمسة مساجد جددت أربعة منها، فيها مسجد شبث بن ربعي.(24)
وفي قيام المختار ناهض شبث من قِبَل عبدالله بن مطيع، المختارَ فقاتل نُعَيم بن هُبَيرة وهو أحد أميرَي جيش المختار فهزمه وقتله وجاء فأحاط بالمختار وحاصره حتى جاء ابن الأشتر فطرده عنه(25). وكان شبث قد أشار على ابن مُطيع أن يَجمع الأمراء لِما رأى من استفحال أمر المختار فاجتمع أشراف الناس ممَّن كان في جيش قتَلَة الحُسَين وغيرهم على رأسهم شمر بن ذي الجوشن و محمد بن أشعث بن قيس في دار شبث وأجمعوا أمرهم على الخروج على المختار وقتاله وبن الأشتر قد قصد جيش الشام(26).
وكان شبث قد غيّر موقفه حين بلغه رجوع ابن الأشتر فأرسل ابنه عبد المؤمن إلى المختار قائلاً: «إنما نحن عشيرتك، وكف يمينك، لا والله لا نقاتلك، فثق بذلك منا» قالوا: وكان رأيه قتاله، ولكنه كاده(27)إلا أن المختار لم يعتن بقوله وأرسل إليه ابن الأشتر.
وصار المختار يلاحق قتلة الحسين عليه السلام بعد إحباط مؤامرة الكوفيين. ففرّ شبث بن ربعي وشمر بن ذيالجوشن وعدد ممن حضر واقعة كربلاء إلى البصرة. فأرسل المختار فقبضوا على شمر وقتلوه، ولكن شبث هرب إلى البصرة وحرّض فيه مصعب بن الزبير على قتال المختار(28). ثمّ شارك في قتل المختار(29).ومات حوالي سنة 70 للهجرة(30).
سنان بن أنس النخعي
سنان بن أنس النخعي هو أحد المشاركين الأساسيين في مقتل وشهادة الإمام الحسين (ع). جاء برفقة ابن سعد إلى كربلاء، وفي يوم عاشوراء شارك شمر في فصل الإمام الحسين عليه السلام عن الخيام، وحمل على الإمام عليه السلام ورماه بسهم وكذلك طعنه برمحه فأوقعه على الأرض.
روى ابن طاووس أن سنان طعن الإمام عليه السلام برمحه في ترقوته، ثمّ انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره، ثمّ رماه بسهم فوقع في نحره، فسقط الإمام الحسين (ع) من على فرسه إلى الأرض.
وعند قيام المختار بثورته أمر بإحضار سنان ففرّ إلى البصرة فهدم المختار داره، وعندما توجّه سنان نحو القادسيّة قبض عليه في منتصف الطريق فقطع يديه ورجليه ثمّ رماه في قدر يغلي بالزيت حتّى هلك.
أكثر الروايات تشير إلى أنّه هو الذي احتزّ رأس الحسين (ع)؛ ومن هذه الأقوال
" ابن عنبة في كتابه عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب. ذكره الشيخ المفيد في كتابه الاعتقادات باعتبار أنه قاتل الحسين (ع). قال المسعودي : "وطعنه سنان بن أنس النخعي لعنه الله ثم نزل واحتز رأسه". وقال الطبري: "وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع ثم قال خولي بن يزيد الأصبحي احتز رأسه فأراد أن يفعل فضعف فأُرعد فقال له سنان بن أنس فت الله عضديك وأبان يديك فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه ثم دفع إلى خولي بن يزيد".
ونسب الفعل إليه ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، فقال "إنه احتز رأسه ودفعه إلى خولي.
ذكره الشيخ عبد الله البحراني في كتابه العوالم فقال: "وأقبل عدو الله سنان بن أنس الإيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على رأس الحسين (ع)، فقال بعضهم لبعض: ما تنظرون ؟ أريحوا الرجل، فنزل سنان بن أنس الايادي لعنه الله وأخذ بلحية الحسين (ع)، وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول: والله إني لأحتز رأسك وأنا أعلم أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وخير الناس أما وأبا. وهذا الخبر هو الذي نقله الشيخ الصدوق في كتابه الأمالي عن الإمام الباقر (ع) ينسب فيه الفعل إلى سنان بن أنس".
محمد بن الأشعث
وفي البداية فلنقلي على أبو هذا المجرم والذي لا يقل عن أبنه في الأجرام والنذالة والأجرام والخيانة فتقول الروايات " كان الأشعث بن قيس رأس المنافقين في زمن أمير المؤمنين(عليه السلام)ونتيجة حقده الدفين على الإمام عليّ(عليه السلام) فقد لعب الأشعث دوراً كبيراً في تمرير مؤامرة «التحكيم» والدفاع عنها والّتي كانت السبب الأساسي لنشوء الخوارج وبالتالي لنشوب معركة النهروان، ولذا نجد ان ابن أبي الحديد يقول في حقّ الأشعث:
«كلّ فتنة أو فساد كان في خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام) وكلّ اضطراب فأصله الأشعث».
ولقد قام الأشعث ببناء منارة على منزله في الكوفة يرد منها على أذان أمير المؤمنين(عليه السلام) وقت الصلاة، حيث كان يردّ على صوت الإمام أثناء الأذان، فيقول: «يا رجل، أنت أكبر كذّاب وساحر!!».(31)
قال الإمام الصادق(عليه السلام): { اشترك الأشعث في دم عليّ(عليه السلام)، وابنته جعدة سمّت الحسن(عليه السلام)، ومحمّد ابنه شرك في دم الحسين(عليه السلام) }.(32)
وفي رواية نأخذ منها المهم ".... لهذا قال الاشعث: « يا أمير المؤمنين: هذه عليك لا لك » يعني: هذه الكلمة ضررها عليك لا نفع لك، و حيث أن الأشعث كان جالسا بالقرب من المنبر خفض عليه السلام اليه بصره، أي طأطأه و قال: « ما يدريك ما علي مما لي » أي أين تدري أنت المصالح الشخصية للإمام ؟ و كيف يجوز لك أن تعترض على إمام زمانك ؟، ثم لعنه و قال: عليك لعنة اللّه و لعنة اللاعنين » لم يلعنه أمير المؤمنين لأجل اعتراضه عليه بتلك الكلمة، بل كان مستحقّا للعن لنفاقه و كفى بكلام الامام شاهدا على نفاقه، و إن اللّه تعالى قد لعن المنافقين حيث قال جل ذكره {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}(33).
و هذه صفة المنافقين، و الاشعث أحدهم، و كان هذا اللعين بايع ضبّا مع جماعة: منهم عمرو بن حريث، و شبث بن ربعي، خارج الكوفة و سموه الضب أمير المؤمنين و ذلك أنه رأى في جبانة الكوفة ضبا يعدو، فنادى: يا ابا الحسن هلمّ يدك نبايعك بالخلافة.
فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إنهما يحشران و إمامهما الضب(34).
وقد وصفه (عليه السلام) وصفاً رائعاً ودقيقاً فقال: { أمّا هذا الأعور ـ يعني الأشعث ـ فإنّ الله لم يرفع شرفاً إلاّ حسده، ولا أظهر فضلاً إلاّ عابه، وهو يمنّي نفسه ويخدعها، يخاف ويرجو فهو بينهما لا يثق بواحد منهما، وقد منّ الله عليه بأن جعله جباناً، ولو كان شجاعاً لقتله الحقّ}(35).
و هذا المنافق الاشعث اراد الدخول على أمير المؤمنين عليه السلام فرده قنبر، فأدمى الاشعث أنف قنبر، فخرج علي عليه السلام و هو يقول:{ ما لي و لك يا أشعث ؟، عليك لعنة اللّه و لعنة اللاّعنين. حائك ابن حائك(36). منافق ابن كافر. واللّه لقد أسرك الكفر مرّة و الإسلام أخرى(37). فما فداك من واحدة منهما مالك و لا حسبك و إنّ امرءا دلّ على قومه السّيف، و ساق إليهم الحتف، لحريّ أن يمقته الأقرب، و لا يأمنه الأبعد. و مات هذا اللعين بعد مقتل الامام عليه السلام بأربعين ليلة }(38).
ولقد حول الأشعث أن يقدم هدية إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) أثناء خلافته للتقرّب إليه وبالتالي محاولة حصوله على مكاسب دنيوية منه. لقد قام الأشعث بتهيئة الحلوى وذهب بها مساءً إلى منزل عليّ(عليه السلام).
يقول الإمام عليّ(عليه السلام) عن هذه الواقعة:
{ وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَة فِي وِعَائِهَا، وَمَعْجُونَة شَنِئْتُهَا، كَأَ نَّمَا عُجِنَتْ بِريقِ حَيَّة أَوْ قَيْئِهَا، فَقُلْتُ: أَصِلَةٌ، أَمْ زَكَاةٌ، أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ!
فقال الأشعث: لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ، وَلكِنَّهَا هَدِيَّةٌ!
فَقال(عليه السلام):{هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ! أَعَنْ دِينِ اللهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي؟ أَمُخْتَبِطٌ أَمْ ذُو جِنَّة، أَمْ تَهْجُرُ؟ وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُهُ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لاَهْوَنُ مِنْ وَرَقَة فِي فَمِ جَرَادَة تَقْضَمُهَا، مَا لِعَلِيّ وَلِنَعِيم يَفْنَى، وَلَذَّة لاَ تَبْقَى! نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ، وَقُبْحِ الزَّلَلِ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ}.
لقد ظنّ الأشعث أ نّه يستميل الإمام(عليه السلام) بالمهاداة لغرض دنيوي كان في نفسه، وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) يفطن لذلك ويعلمه ولذلك ردّ هدية الأشعث ولولا ذلك لقبلها لأنّ.
النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الهدية وقد قبل عليّ(عليه السلام)هدايا جماعة من أصحابه(39).
هذا من ناحية الأب والآن نأتي إلى أبنه ولذي ليقل عن أبوه نحمل طباع الغدر واللؤم والخيانة.
غدر محمد بن الأشعث بمسلم بن عقيل عليه السلام
ومن قرأ مثلثات أبي بكر عند موته يجد ندمه على عدم قتله الأشعث يوم أتي به أسيراً. فقد قال: «وأمّا الثلاث الّتي تركتهن فوددت أنّي كنت فعلتهنّ فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه ولم أستحيه، فإنّه تخيّل إليَّ أنّه لا يرى شرّاً إلاّ أعان عليه»(40).
فمثل هكذا إنسان حسود وحقود وتافه تكون له الكلمة النافذة، إنّها لإحدى الكبر!
محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، أمه أم فروة بنت أبي قحافة، وشقيقة أبو بكر، انضم إلى ابن زياد بعد وصوله إلى الكوفة، وعمل على الإيقاع بمسلم بن عقيل، وعندما عرف بمكانه، قاد الحملة للقبض عليه، ومنحه الأمان إن هو استسلم، وبعد أن تمكن منه، نكث عهده وغدر به.
يقول الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه العباس بن علي: (حينما تسلّم ابن زياد المرسوم في ولايته على الكوفة توجّه إليها فوراً، وحينما أشرف على الكوفة غيّر ملابسه، ولبس ثياباً يمانية وعمامة سوداء ليوهم على الكوفيين أنّه الإمام الحسين، ولما انتهى إلى قصر الإمارة، وجد الباب مغلقاً فطرقه فأشرف عليه النعمان، وقد توهّم أنه الإمام الحسين -عليه السلام- فانبرى يخاطبه بلطف، فصاح به ابن مرجانة: افتح لا فتحت فقد طال ليلك. وبادر الطاغية نحو القصر فاستولى على المال والسلاح، وأحاط به عملاء الأمويين أمثال عمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، ومحمد بن الأشعث، وغيرهم من وجوه الكوفة، فجعلوا يحدثونه عن الثورة، ويعرفونه بأعضائها البارزين، ويضعون معه المخططات الرهيبة للقضاء عليها)(41).
وندب ابن مرجانة لحرب مسلم بن عقيل، محمد بن الأشعث، وعمرو بن حريث المخزومي، وعمرو بن عبيدالله بن العباس السلمي في جماعة من قيس، وضمّ إليهم ثلاثمائة رجل من فرسان الكوفة، وأقبلت تلك الوحوش الكاسرة التي لا عهد لها بالشرف والمروءة إلى حرب مسلم الذي أراد أن يحررهم من الذلّ والعبودية، وينقذهم من ظلم الأمويين وجورهم، حتّى أتوا دار طوعه، فسمع مسلم حوافر الخيل فخرج وبيده سيفه، فقاتل القوم قتالاً شديدًا، وكان أيّدًا، ربما أخذ الرجل ورمى به على السطح، فجعلوا يوقدون أطنان القصب ويرمونها عليه ويرضخونه بالحجارة من السطوح، وهو لا يزال يضرب فيهم بسيفه، فاضطرهم البؤس واليأس من الظفر الى الاستمداد، فأنفذ ابن الأشعث الى ابن مرجانة يستمدّه الرجال فبعث إليه: إنا أرسلناك إلى رجل واحد لتأتينا به فثلم في أصحابك هذه الثلمة، فكيف لو أرسلناك إلى غيره؟ (42)، فأرسل إليه ابن الأشعث: أيها الأمير أتظن أنك أرسلتني الى بقّال من بقّالي الكوفة، أو جرمقان من جرامقة الحيرة؟! وإنما وجّهتني إلى سيف من أسياف محمد بن عبدالله، فأمدّه بخمسمائة فارس(43).
وحيث أعوزتهم الحيل والتدابير الحربية لإلقاء القبض عليه، أو التوصل إلى قتله، أو تحرّي منجاة من سيفه الرهيف، قابلوه بالأمان عساه يكف عن القتال فيتسنى لهم بعض ما يرومونه، فقال له ابن الأشعث: أنت آمن، إلا عبيد الله بن العباس السلمي فعنه تنحى وقال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل(44). أما ابن عقيل -عليه السلام-، فلم تفته خيانتهم ونقضهم العهود، وأنهم لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، فلم يعبأ بأمانهم، فقال: (لا والله لا أؤسر وبي طاقة، لا يكون ذلك أبدًا)، وحمل على ابن الأشعث فهرب منه، ثم تكاثروا عليه وقد اشتد به العطش، فطعنه رجل من خلفه، فسقط إلى الأرض وأُسر(45).
وفي نص سبط ابن الجوزي: أن ابن الأشعث سلب مسلم بن عقيل درعه وسيفه، فقال بعض الشعراء يؤنّبه على فعلته هذه وتركه نصرة هاني(46):
وتركت عمك لم تقاتل دونه ***فشلاًّ ولـولا أنت كان منيعًا
وقتلت وافد آل حزب محمد ***وسلبت أسيافًـا له ودروعًا
شارك محمد بن الأشعث وقيس بن الأشعث في جيش يزيد بن معاوية، لقتال الإمام الحسين –عليه السلام-، وكان محمد بن الأشعث في ألف فارس ومن أشد الناس حرصاً على قتل الإمام الحسين، وهو ممن دعا عليه الحسين يوم عاشوراء.
و روي أنّ الحسين (عليه السّلام) دعا: { اللّهم إنّا أهل بيت نبيّك , و ذرّيته و قرابته، فاقصم مَن ظلمنا و غصبنا حقّنا، إنّك سميع قريب }. فقال محمّد بن الأشعث: و أيُّ قرابة بينك و بين محمد ؟ فقرأ الحسين (عليه السّلام): { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَ نُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَ آلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(47). ثمّ قال (عليه السّلام): { اللّهم أرني فيه في هذا اليوم ذلاً عاجلاً }. فبرز ابن الأشعث إلى الحاجة، فلسعته عقرب على ذكره , فسقط و هو يستغيث و يتقلّب على حدثه(48) فمات بادي العورة. فألى جهنم وبئس المصير.
ويبدو أن الخيانة واللعب على الحبال والتقلب في المواقف موجودة عبر التاريخ وهو يعيد نفسه اليوم وهو سليل تلك المواقف الخائنة لأولئك الأشرار من جيش الكفر والباطل ليزيد وما يحصل في واقعنا من مواقف ولعب على الحبال لمن يدعون هم سياسيين او رجال حكم هو سليل متوارث من تلك الأجداد الشريرة ويبدو ان النطف الحرام تتقلب وتنتقل من جيل الى آخر ولحد وقتنا الحاضر.
ولأترك القارئ يحكم في ماهية وصفة جيش يزيد وعمر أبن سعد وبقية المجرمين في أنه جيش قائم على الباطل والكفر والأجرام لينحدر منه سلالة متوارثة ومجرمة في وقتنا الحاضر من مجرمي والقاعدة وداعش والنصرة ومن لف لفهم من التنظيمات الإرهابية والتي تعيث في الأرض والعباد القتل والفساد والعنف وبصورة وحشية لامثيل لها والحواضن التي تأويهم وتدافع عنهم حالهم حال أجدادهم الذين ذكرناهم وهم شر خلف لشر سلف.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 12، ص 163.
2 ـ المنقري، وقعة صفين، ص 205.
3 ـ ابن اثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 326. ابن الكلبي، جمهرة النسب، ص 217-225- 226.
4 ـ تنقيح للمامقاني 80:2.
5 ـ جاء في مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 5 –
6 ـ مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي. شبث بن ربعى: (داعش لم تأت من فراغ).!! مقال الى أحمد صبحى منصور. http://www.ssrcaw.org
7 ـ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 12، ص 163؛ ابنكثير، البداية والنهاية، ج 5، ص 51.
8 ـ ابن حجر، الإصابة، ج 3، ص 303.
9 ـ ابناثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 284؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 6، ص 373.
10 ـ المنقري، وقعة صفين، ص198-195. ابناثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص287.
11 ـ المنقري، وقعة صفين، ص187. ابناثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص285-289. البلاذري، أنساب الأشراف، ج2، ص302. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص5.
12 ـ المنقري، وقعة صفين، ص97.
13 ـ ابناثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص326.
14 ـ الدينوري، الأخبار الطوال، ص210. البلاذري، أنساب الأشراف، ج2، ص362. خليفة، تاريخ خليفة، ص115. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص85.
15 ـ أنساب الأشراف، ج4، ص254. الطبري، التاريخ، ج5، ص269.
16 ـ البلاذري، أنساب الأشراف، ج5، ص163 -166.
17 ـ ابن اثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص20-31. البلاذري، أنساب الأشراف، ج3، ص158. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص353.
18 ـ الدينوري، الأخبار الطوال، ص239.
19 ـ ابن اثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص62. أبوالفرج الأصفهاني، مقاتلالطالبيين، ص99. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص425.
20 ـ الدينوري، الأخبار الطوال، ص254. البلاذري، أنساب الأشراف، ج3، ص178.
21 ـ البلاذري، أنساب الأشراف، ج3، ص187. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص422. ابناثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص60.
22 ـ ـ ابناثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص69. البلاذري، أنساب الأشراف، ج3، ص194. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص439.
23 ـ البلاذري، أنساب الأشراف، ج3، ص193. ابن اثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص67.
24 ـ الخوئي، معجم رجال الحديث، ج9، ص12. الكليني، الكافي، ج3، ص490.
25 ـ ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص267.
26 ـ الطبري، التاريخ، ج6، ص44. ابنكثير، البداية والنهاية، ج8، ص267-270.
27 ـ الطبري، تاريخ الطبري، ج6، ص47.
28 ـ ابناثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص267. الدينوري، الأخبار الطوال، ص301. البلاذري، أنسابالأشراف، ج6، ص427.
29 ـ الكامل في التاريخ، ج4، ص271.
30 ـ ابنحجر، الإصابة، ج3، ص303.
31 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/179، وأُنظر كذلك الخطبة 19 من خطب نهج البلاغة.
32 ـ سفينة البحار: 1/702.
33 ـ [البقرة: 159].
34 ـ شرح نهج البلاغة للحائري. خطبة 19. ص 56.
35 ـ أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 4/545 في الحكم المنثورة برقم 478.
36 ـ حائك ابن حائك: حائك الكذب على اللّه و رسوله.
37 ـ أسرك الكفر مرة و الاسلام اخرى: أسرته في الجاهلية بنو الحارث بن كعب لما أغار عليهم ففدي بثلاث آلاف بعير، و لم يفتد أحد قبله بمثلها، و ارتد بعد وفاة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه و آله و سلم، و حارب المسلمين، ثم انهزم متحصنا منهم، فحاصروه أياما ثم نزل إليهم على أن يؤمنوه و عشرة من قومه، و فتح لهم باب الحصن، فقتل المسلمون من فيه و أخذوه أسيرا و العشرة الذين طلب لهم الامان الى أبي بكر، فاطلقه و زوجه اخته أم فروة بنت أبي قحافة، و كان قومه يسمونه بعد هذا ب (عرف النار) و هو اسم للغادر عندهم.
38 ـ شرح نهج البلاغة للحائري. خطبة 19. ص 58.
39 ـ بَابُ المخُتْارِ مِنْ خُطب مولانا أَمِيرِ المْؤُمِنين عليه السلام ضبط النص موافق لنسخة نهج البلاغة تحقيق الدكتور صبحي الصالح. [224]ومن كلام له عليه السلام يتبرأ من الظلم ص 52.
40 ـ راجع تاريخ الطبري 4/52 ط الحسينية، ومروج الذهب 1/408 تح ـ محمّد محي الدين، والإمامة والسياسة لابن قتيبة 1/19 ط سنة 328، والعقد الفريد 3/68.
41 ـ الشهيد مسلم بن عقيل - السيد عبدالرزاق الموسوي المقرّم.ـ الشيخ عبدالله البحراني / 166.
42- شرح نهج البلاغة – أبي الحديد المعتزلي.
43- المقداد بن الأسود الكندي، أول فارس في الإسلام.
44- موسوعة عبدالله بن عباس – الجزء الرابع – السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرساني.
45- العباس بن علي عليهما السلام – باقر شريف القرشي.
46- بحوث في الملل والنحل – الجزء الخامس – الشيخ جعفر السبحاني.
47 ـ [ آل عمران: 33، 34 ]
48 ـ معجم رجال الحديث ـ السّيد الخوئي 16 / 120، و روى هذه الرواية العلاّمة المجلسي (أعلى الله مقامه) في بحار الأنوار 54/ 302. صحيفة الحسين (عليه السّلام) ـ جمع الشيخ جواد القيّومي / 126، قد تقدّمت رواية الخوارزمي في دعاء الإمام الحسين (عليه السّلام) على ابن الأشعث. العوالم الإمام الحسين (عليه السلام)
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول