بقلم:نـــــــــــزار حيدر
منذُ لحظة الاعلان عن فوز الرَّئيس ترامب بالمكتبِ البيضاوي والمؤَسَّسة الدِّينيَّة السُّنِّيَّة مشغولةٌ بالبحثِ عن أَفضل السُّبل للقضاءِ على ظاهرةِ ما أَسميتُها أَنا قبل عدَّة سنوات بفوضى الفتوى! فبينما أَصدرت الرِّياضُ لائحةَ إِعتقالٍ شمِلت لحدِّ الآن المئات من فُقهاء التَّكفير والارهاب والتطرُّف كانوا إِلى الأَمس القريب يحضَونَ برعايةِ وحمايةِ البلاط الملكي! أَصدرت القاهرة لائحةً أُخرى مُشابهة ولكن على العكس مِنها تماماً شمِلت أَسماء الفُقهاء والدُّعاة الذين يحقُّ لهم الافتاء!.
أَمَّا المؤَسَّسة الدِّينيَّة الشيعيَّة فلم تلتفت الى ذَلِكَ أَبداً باعتبارِها غَير معنيَّة بالأَمر لا مِن قريبٍ ولا من بعيدٍ! لأَنَّ مثلَ هذهِ القضيَّة بالنِّسبةِ لها كالسَّالبة بانتفاءِ الموضوع حسب القاعدة المنطقيَّة المعروفة!.
طبعاً، وقبل كلِّ شَيْءٍ، يلزم لفت الانتباه إِلى أَنَّ تزامن إِنشغالها بالموضوع مع لحظة الاعلان المُشار اليهِ في صدرِ المقال هو دليلٌ صارخٌ على أَنَّ كلَّ الذي بجري الآن هو ليس أَكثر من ردِّ فعلٍ وإِنحناء أَمام العاصِفة بسبب الرُّعب والخوف الذي أَثارتهُ تصريحات ترامب منذُ فترة حملتهِ الانتخابيَّة ولحدِّ الآن! خاصَّةً في نظام [آل سَعود] الارهابي الفاسد! ولم تكُن بمحضِ الارادة الذَّاتيَّة والحاجة الحقيقيَّة الملحَّة للاصلاحِ والتَّجديد! ما يعني أَنَّنا سنشهد عودة إِلى المُربَّع الأَوَّل فيما يخصُّ الخطاب الدِّيني المُتطرِّف بعد [٤] أَو [٨] سنوات كحدٍّ أَقصى هي مدَّة الدَّورتَين الرِّئاسيَّتَين في البيت الأَبيض!.
من جانبٍ آخر فانَّ المؤَسَّسة الدِّينيَّة السُّنِّيَّة إِنتقلت بذلك من حُضنِ السُّلطة السِّياسية المحليَّة إِلى حُضنِ السُّلطة السِّياسية الدَّوليَّة [الأَميركيَّة] تحديداً! وهذا شيءٌ خطيرٌ ومُخجِلٌ في آنٍ واحدٍ! فقد تَكُونُ الفتوى الدِّينيَّة بعد أَيام تحت طلب مجلس الأَمن الدَّولي مثلاً أَو حلف النِّيتو أَو الكونغرس الأَميركي أَو مجلس العُموم البريطاني أَو الجمعيَّة الوطنيَّة الفرنسيَّة!.
وما زادَ الفضيحة إِتِّساعاً عندما قال وزير الخارجيَّة الأَميركي في جلسة الاستماع التي حضرها في الكونغرس لتقديم التَّبريرات المُقنعة التي تقف وراء زيارة الرَّئيس ترامب إِلى الرِّياض في الوقت الذي يَتَّهِمها قانون [جاستا] صراحةً بالوقوفِ مباشرةً خلفَ هجمات أَيلول الارهابيَّة عام ٢٠٠١ وأَنَّ الكونغرس مقتنعٌ تماماً بأَنَّ العقيدة الوهابيَّة الفاسدة المحميَّة ببلاطِ [آل سَعود] هي المُلهم الحقيقي والمُباشر لكلِّ الجماعات الارهابيَّة حول العالَم بمختلفِ مسمَّياتِها! أَجاب بالقولِ؛ لقد أَسَّسنا لهم مركزاً خاصاً يعنى بتغيير المناهج الدراسيَّة الدِّينيَّة لإنتاجِ دعاةٌ معتدلونَ! وَنَحْنُ نُراقبهُم!.
أَيَّةُ مسخرةٍ هذهِ؟! وأَيَّةُ فضيحةٍ هذهِ؟!.
١/ إِنَّ مشكلة المؤَسَّسة الدِّينيَّة السُّنِّيَّة في رسميَّتها ولذلك فانَّها تحت الطَّلب دائماً تلبِّي حاجة الحاكِم مهما كانَ ظالماً والسُّلطة مهما كانت غاشِمة والسِّياسة مهما كانت فاسِدة! على العكسِ من المؤَسَّسة الدِّينيَّة الشِّيعيَّة التي ظلَّت على مرِّ التَّاريخ بعيدةً عن الحاكِم والسُّلطة والسِّياسة! ومُحافِظةً على إِستقلالِها! ولهذا السَّبب ظلَّت تدفعُ ثمناً غالياً جدّاً من دماءِ نحورِ فقهائِها وعلمائِها ومراجعِها وأَبنائِها! هو ثمن الاستقلال والحريَّة والاستقامة وحماية التأثير الايجابي الحاسِم!.
٢/ ولأَنَّ المؤَسَّسة الدِّينيَّة السُّنِّيَّة كذلك! فهي مشروع فتنة دائماً وأَبداً! وإِنَّ فتاواها مشاريع قتل وذبح وإِثارة الفِتَن في الأُمَّة! فهي التي شرعنت قتلَ الحُسينِ السِّبط (ع)! وفي العراق تسبَّبت فتاوى فُقهاء التَّكفير المحميِّين بسلطةِ نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربيَّة وكذلك في قطر، باراقة دماء عشرات الآلاف من الضَّحايا الأَبرياء وتدمير البلد! أَمَّا في البحرين فانَّ فتوى واحدة أَصدرها [فَقِيه موزة] تسبَّبت بذبحِ شعبٍ كاملٍ آمنٍ ومسالِمٍ! وفي سوريا ولبنان ومصر وليبيا واليَمن والباكستان والصُّومال والعشرات من دُول العالَم العربي والإسلامي فضلاً عن الغربي كانت لهذه الفَتاوى الدَّور المباشر في أَن تجري الدِّماء أَنهاراً تمتدُّ على طولِ البلادِ وعَرضها! وتُنتهك الأَعراض والمُقدَّسات وتُسبى الحُرَم وتُدمَّر البُلدان!.
أَمّا المؤَسَّسة الدِّينيَّة الشيعيَّة فالفتوى منها مشروعُ حِمايةٍ للأُمَّة وحفظ الأَوطان! ومشروع دفع الضَّرر والخطر وإِيقاف سفك الدَّم الحرام! ووأد الفِتَنِ! فتلك فتوى الجهاد الكِفائي التي أَصدرها المرجع الأَعلى قبل ثلاثِ سنواتٍ! والتي حمت الأَرضَ والعِرض! وقبلها الفتوى التي وصف فيها المرجعُ الأَعلى السُّنَّة بأَنفسِنا والتي لولاها لدخلَ الْعِراقُ بأُتونِ حربٍ أَهليَّةٍ طائفيَّةٍ لها أَوَّلُ وليس لها آخِر! وأَخيراً بيان المرجع الأَعلى بشأنِ مشروع الانفصال الذي أَنقذ العراق والمَنطقة من مخاطرَ جمَّةٍ وحالَ بينها وبين الدُّخول في نفقٍ مُظلمٍ ليس في نِهايتهِ أَيَّ بصيصَ نورٍ!.
٣/ ولأَنَّ المؤَسَّسة الدِّينيَّة السُّنِّيَّة كذلك فانَّ أَتفه [مُعمَّم] يُمكنُ أَن يُثير أَعظم فتنةٍ! وإِنَّ أَنصاف المُتعلِّمين وأَنصاف العُلماء والفُقهاء يمكن أَن يكونَ حديثهُم سبباً لإراقةِ الكثيرِ من الدِّماء الحرام! فما بالكَ بالفُقهاء والعُلماء والمُتعلِّمين[الحَقيقيِّين]!.
أَمَّا في المؤَسَّسة الدِّينيَّة الشيعيَّة فلأَنَّها تحترم إِستقلاليَّها وحريَّتها وتحترم رسالتها فانَّ التَّافهين من أَنصاف المُعمَّمين والمُتعلِّمين والعُلماء فانَّ قيمة فتاواهم {لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا}.
٤/ وأَقولُ بصراحةٍ، فانَّ إِصلاح الخطاب الدِّيني السُّنِّي لا يتحقَّق إِلا بأَمرَينِ آثنَينِ؛
أَلأَوَّل؛ باستقلاليَّة المؤَسَّسة الدِّينيَّة لتتحقَّق فيها حريَّة التَّفكير والبحث والرَّأي والاجتهاد! لتكونَ بالتَّالي قادرةٌ على التَّجديد والتَّحديث والتَّطوير والتطوُّر.
أَلثَّاني؛ بإعادةِ النَّظر في التَّاريخ والتُّراث السُّنِّي الذي كتبتهُ السُّلطات الحاكِمة على مرِّ التَّاريخ! وكذلك بالرَّمزيَّة التي صنعتها هذه السُّلطات لتُقدِّسها الأُمَّة جيلاً بعد جيلٍ جهلاً وتضليلاً!.
وللإنصافِ أَقولُ؛ فانَّ المُتطرِّفين الذين أَنتجهم المُؤَسَّسة الدِّينيَّة السُّنِّيَّة لم يخترِعوا شيئاً جديداً! وإِنَّما هم يُثيرُوا فسادَ دفائنَ التُّراثِ من بطونِ الكُتبِ! فلماذا نلومَهُم ونحمِّلهُم المسؤُوليَّة ولا نلومُ التُّراثَ الفاسدَ؟!.
أقرأ ايضاً
- بَيْنَ سُلطَتَينِ؛ الدَّولة والعِصابَةِ! .. [القِسْمُ الأَوَّل]
- بَيْنَ الْحَجِّ وَالأَرْبَعينِ
- بَيْنَ الاصْلاحِِ وَالفَوضى