بقلم:سالم مشكور
يلفت نظر المتابعين للموقف التركي حيال كردستان العراق، الصمت شبه المطبق لأنقرة منذ الاستفتاء الذي أصر عليه بارزاني في سبتمبر الماضي. قبل ذلك شهد الموقف التركي تصعيداً كبيراً وصل ذروته بخطابات حماسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصل فيها الى عدّ وصف رئيس الاقليم المنتهية ولايته بالخائن. قد يكون أردوغان اكتفى بالمعالجة العراقية الدستورية للأمر وتحرك بغداد باتجاه فرض القانون بطريقة لا تدع مجالا لاعتراض أي من القوى الدولية المؤثرة في المنطقة، وربما كان الموقف التركي هو انتظار ما ستؤول اليه جهود الحكومة الاتحادية وقواتها وعلى أساس النتيجة يكون الموقف التركي.
منذ 2003 وحتى اليوم شهد الموقف التركي تغييرات عديدة تندرج كلها في خانة البراغماتية وترجيح المصالح الاقتصادية، بعدما راهنت حكومة حزب العدالة والتنمية التركية على معالجة المشكلة الأمنية بكسب الاكراد وإيقاف العمل العسكري لحزب العمال الكردستاني التركي. بالفعل فقد توصلوا الى اتفاق مع هذا الحزب العام 2013 مع وصول الهيمنة التركية الاقتصادية والأمنية على أربيل الى مراحل متقدمة، عندما تم انشاء خط أنابيب لنقل النفط والغاز المستخرج والمباع خلافا للدستور من إقليم كردستان الى ميناء جيهان مباشرة واهمال خط كركوك – جيهان. في المقابل كان سكوت بغداد عما يجري من تجاوزات في الاقليم، وعدم التجاوب مع طلبات أنقرة لتفعيل عشرات مذكرات التفاهم الموقعة بين الجانبين والتي تتمحور حول الاقتصاد وخصوصا الطاقة، حافزاً لعدم مبالاة تركيا للسيادة العراقية والسماح لنفط آبار كركوك المسروق من قبل أربيل بالمرور عبر
هذا الانبوب.يقول الدبلوماسي الاميركي السابق بيتر غالبريث، وهو أحد مستشاري بارزاني الذين دفعوه الى الإصرار على اجراء الاستفتاء، في كتابه “نهاية العراق” الصادر بطبعته الانكليزية عام 2006، “ إن تركيا التي طالما عارضت قيام إقليم فدرالي كردي في العراق،فضلا عن دولة مستقلة، بدأت تغّير من موقفها منذ بداية العام 2006 فلم تعد تعتبر كردستان مصدر تهديد كما في الماضي، “ويدرك الكثير منهم أن الامر بات حتمياً، ولقد وضعت تركيا نفسها في موضع يتيح لها أكبر قدر من النفوذ على كردستان المستقلة حين تظهر للوجود”.وقد استمرت مراهنة أنقرة على هذا النفوذ والربط الاقتصادي والأمني لإقليم كردستان بتركيا، وهو ما اعترف به مسؤول في الملف العراقي في الخارجية التركية في لقاء على هامش ندوة في أنقرة رداً على سؤالي بهذا الخصوص. كان ذلك بعيد دخول داعش الى الموصل بأيام، وهو ما تم بتسهيل ودعم واضحين من تركيا.
لم يقتصر الدور التركي على تقبّل تحرك الاقليم نحو الاستقلال آنذاك بل ان أنقرة ساعدت في تهيئة مقومات الاستقلال للاقليم ومنها السكوت على احتلال البيشمركة لكركوك ومد أنابيب نفط مباشرة. الظروف والمعادلات تغيرت في ما بعد، فالضغط الداخلي(المعارضة السياسية وعودة نشاط حزب العمال الكردستاني العسكري وقواعده في الأراضي العراقية)، والخارجي(ايران وتراجع العلاقة مع واشنطن بسبب دعمها أكراد سوريا القريبين من حزب العمال)، مع مغريات من بغداد بفرض هيمنتها وضمان مصالح أنقرة بعلاقة مباشرة بين عاصمتين،كل هذا دفع اردوغان الى تغيير موقفه من أربيل لكنه موقف يبدو متسماً بالتردد بانتظار نتيجة إجراءات بغداد وما يمكنها تقديمه لانقرة تعويضاً عما يخسره.فلم ينفذ الجانب التركي شيئاً مما وعد به ومازال نفط الاقليم يتدفق عبر الانبوب الواصل اليه مباشرة دون تحكّم من بغداد ودون غلق أي منفذ حدودي مع الاقليم.