بقلم:عباس الصباغ
حرية التعبير المكفولة في الدستور العراقي، هي احدى السياقات الديمقراطية التي تتمتع بها الشعوب المتحضرة والمتقدمة ديمقراطيا وفي مضمار حقوق الانسان ومنها حق التعبير عن الرأي وعدم مصادرة او تهميش الرأي الآخر المقابل مهما كان، وضمن مناخ التشارك الفعّال في مضمار المواطنة الحقة وانصهارا في آليات العقد الاجتماعي الذي تتبلور في متونه اواصر الوطنية التي تنتج لنا المجتمع السياسي المؤهل للحكم الرشيد والنزيه وتخلق ايضا مجتمعا اهليا متطورا وواعيا، وفي هذا السياق يلعب الاعلام بجميع وسائله المتاحة الدور الاكبر في ممارسة هذا الحق الدستوري والمشروع شريطة ان لا يخرج هذا الحق عن مساراته المهنية والاخلاقية المرسومة له، ولغرض تقنين آليات حرية التعبير فإن الدستور العراقي الدائم قد اشار بوضوح في المادة (38): [ تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: اولاً:ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر] ولكن هذه المواد عائمة دون تفسير دستوري لها فبقي حق التعبير عائما ايضا. لذا نجد في بعض الوسائل الاعلامية العراقية انها أساءت استخدام هذا الحق المفتوح في حرية التعبير التي اتاحها الدستور وكفلها قانونيا مستغلة جو الانفتاح الديمقراطي المنفلت في ظل عشوائية استخدام القانون او عدم استخدامه بالمرة، وبقصدية غير مهنية تارة، وبتسييس القضايا والملفات لاجندات مغرضة تارة اخرى ومن غير رادع قانوني، ما جعل بعض هذه الوسائل تمتاز عن نظيراتها بفوضى النشر الذي لا يمتُّ الى حرية التعبير بأية صلة، وانما هو سوء حق الاستخدام الدستوري للقوانين التي شُرعت لهذا الغرض، فنجد الكثير من المواضيع التي تنشر او تبث تفقد الموضوعية والمهنية التي يجب ان يتحلى بها الاعلامي او الصحفي، وهي مليئة بالشوائب الفكرية والكيديات السياسية والمناكفات الحزبوية والاستغلال البشع لحرية التعبير مع من يختلف في الرأي او التوجه الايديولوجي وفي بعض الاحيان تصل ذروة تلك العشوائية والتخبط الى درجة التعرض للرموز الوطنية والدينية والسياسية ناهيك عن السرقات الادبية والسطو الثقافي الفاضح في الافكار وفي المواضيع والاقتباس للكثير من المواضيع ذات المستوى الجيد دون رقيب او حسيب، ما يستوجب تعديل المادة (38) الخاصة بحرية التعبير لغرض تنظيم وتقنين تلك الحرية كما هو معمول في دول العالم المتقدمة التي خطّت مشوارا لأباس فيه في هذا المضمار، ولتكون اساءة استخدام حرية التعبير جريمة يعاقب عليها القانون او جنحة تستحق العقاب وفق مواد قانونية ثابتة وواضحة من دون تحميل أوجه قانونية محتملة، او تؤوّل حسب المزاجات السياسية / الحزبية كونها تمس الحق العام في الفضاء الوطني وتتقاطع مع الآليات الديمقراطية وتعد انتهاكا صارخا لأبسط قواعد حقوق الانسان ومنها حرية التعبير التي اقرها ميثاق الامم المتحدة في المادة/ 19: (لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير)، ولكن ضمن ضوابط ومعايير اخلاقية ومهنية بعيدا عن الفوضى الاعلامية الخلاقة التي اجتاحت العراق منذ التغيير النيساني ولحد الان.
كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- فوضى التصريحات والابتزاز السياسي
- نحن أو الفوضى !!