بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ
لم تأتِ الرياح بما تشتهي سفن الاستفتاء المزمع اجراؤه في كردستان العراق في 25 / ايلول المقبل، فالدول المجاورة كإيران وتركيا وسوريا من التي يستوطنها الاكراد أبدت تخوفها من قيام دولة كردية على تخومها خشية تفجير الاوضاع لوجود مشاكل قومية مزمنة بين حكوماتها وبين الكرد فيها، وعالميا: فبريطانيا وفرنسا فضلا عن حلف الاطلسي ابدوا تحفظاتهم خوفا على وحدة العراق، امّا الولايات المتحدة فترى ان الانفصال سيؤثر على مجريات "الحرب" على الارهاب مستقبلا، فيما اعلنت الأمم المتحدة أنها لن تشارك في مراقبة الاستفتاء دون طلب رسمي من الحكومة العراقية، وبغداد ترى ان مصلحة الكرد هي البقاء ضمن العراق ووجوب الاستناد إلى الدستور باعتباره المرجعية القانونية والسياسية في تحديد العلاقة الدستورية بين الطرفين.
ومحليا فإن القادة الكرد لم يكسبوا الرهان على حلفائهم التاريخيين (الشيعة) فالتحالف الوطني (الشيعي) رفض الاستفتاء رفضا قاطعا، وهذه اللاءات الكثيرة التي تواجهها حكومة كردستان استندت على معطيات كثيرة يفرضها واقع حال العراق والمنطقة بعيدا عن الاحلام الرومانسية التي كانت امتدادا للنزعة الثورية التي عفا عنها الزمن والقائمة على ليّ الأذرع. ويرى فقهاء القانون الدستوري ان اقليم كردستان لم يتشكّل وفق المادة [(119) التي تنص على:يحق لكل محافظةٍ او اكثر، تكوين اقليمٍ بناءً على طلبٍ بالاستفتاء عليه.. ] وانمّا تشكل بسبب الظروف التي مرّ بها العراق منذ عام 1991 واستطاع أن ينتزع لنفسه حكما ذاتيا تحوّل إلى وضع فيدرالي مقنن حسب دستور عام 2005، فعليه كان اقليم كردستان واقع حال حين كتابة الدستور، ولهذا تم تخصيص باب خاص له ينظّم شؤونه الدستورية [ المواد من (113 اولاً:ـ يقر هذا الدستور، عند نفاذه، اقليم كردستان وسلطاته القائمة، اقليماً اتحادياً) الى المادة (117)].
ولطالما قفزت الى الواجهة نظرية الانفصال وحق تقرير "المصير" كلما تازمت الامور بين الطرفين وذلك منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولحد الان وباختلاف الانظمة التي تقود المركز وكانت علاقة الاقليم بالمركز متذبذبة وتقوم على استغلال الخاصرة الرخوة للدولة العراقية لتأسيس سايكس بيكو عراقية على غرار سايكس بيكو التي وقّعت على انقاض الدولة العثمانية (الرجل المريض) فتم اقتسام ارث هذه الامبراطورية بما يتلاءم ومصالح الدول العظمى التي وقّعت هذه الاتفاقية.
ان دغدغة المشاعر القومية لدى الشارع الكردي وتحريك دواعي "المظلومية" و"المحرومية" لاتصنع دولة قومية ناجحة، ناهيك عن التعكّز على فكرة حق تقرير "المصير" ولأسباب سياسية قد لاتكون لها علاقة بالحق القومي الطبيعي للشعب الكردي بقدر تعلّقها بمصالح حزبية ضيقة، فلابد من اخذ عدة امور بالحسبان: منها موافقة المركز فضلا عن انسجام فكرة الانفصال الناتج عن الاستفتاء مع المعطيات الجيوسياسية الاقليمية والدولية فضلا عن مصلحة الشعب الكردي الحقيقية، فجيبولوتيكيا سيكون الاقليم عبارة عن دولة قومية "مختنقة" بريا وليس لها اي منفذ بحري، ومعزولة اقليميا ومحاطة بدول لها تحفظاتها المسبقة ضد الاستفتاء، واقتصاديا: فالأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب الاقليم ستعيق فكرة انشاء الدولة المرتقبة، ناهيك عن وجود الكثير من الملفات الاقتصادية المشتركة بين الاقليم والمركز اضافة الى المديونيات الكبيرة التي ينوء بها اقتصاد كردستان خاصة للحكومة المركزية منها، وقانونيا:الاستفتاء يشوبه خرق قانوني لأنه يجب أن يصدر عن برلمان كردستان من أجل تطبيقه، وهذا غير متحقّق وذلك بسبب تغييب البرلمان وأنّ رئاسة الإقليم منتهية ولايتها منذ أكثر من سنة اضافة الى مشكلة المناطق المتنازع عليها ومن بينها كركوك وديالى باعتبارهما تقطنهما قوميات أخرى كالتركمان والعرب وهي ترفض الانضمام إلى الإقليم كما ترفض انفصال الإقليم عن العراق.
واجمالا ان الاستفتاء المفضي الى الانفصال، يعدّ مغامرة كبيرة وغير محسوبة العواقب على جميع الصعد، ومطلبا قوميا غير واقعي لأنه لايستند على اسس ومعايير دولتية واضحة المعالم تفضي الى قيام دولة قومية ذات اقتصاد فعال واسس سياسية وحكوماتية راسخة، وفي ظل الاصطراعات الحزبية الكردية المستديمة فضلا عن اللاءات التي ترشح عن الشارع الكردي نفسه يضاف الى كل ماتقدم عدم ملاءمة الظرف الحالي لإجراء الاستفتاء سواء محليا او اقليميا وحتى كرديا ولن يكون في مصلحة الشعب الكردي للأسباب المتقدمة آنفا.
كاتب عراقي