- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ميقاتُ الخيط الأبيض والخيط الأسود
بقلم:د.طلال فائق الكمالي
لا شك في أن وراء كل حكم من أحكام الشارع المقدس مصالح ومقاصد، وليس بالضرورة أن يعي العبد واقع وحقيقة ما وراء كل حكم شرعي، ونستطيع أن ندعي أن هناك بعضاً من الأبعاد العرفانية أو الأفكار الميتافزيقية أو العلل الربانية التي بالإمكان أن يحرزها العبد أو يجاور احرازها إذا ما اجتهد في معرفة حقيقة الأحكام وفهمها من جهة، وتذوقه حلاوة طاعة الله جلَّ وعلا وهو يغور متأملاً في بعد عِز تعبده من جهة أخرى. ومن تلك الأسرار والمعاني التي ينبغي على المؤمن أن يتأمل بها هي (ميقاته) مع الله تعالى في شهر رمضان الكريم وذلك بامتثاله لفرض الصيام، ونخص بالذكر ميقاته وقت الفجر لحظة الشروع الحقيقي بالإمساك، والنظر في وجه التباين بين أسرار ومدلول أحكام ما قبل لحظة الإمساك وما بعدها التي عبّر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ). فلو أمعنا النظر في الخيطين الأول أبيض والأخر أسود في أفق السماء وقت الفجر الذي يكون فيه قريباً من النور والظلام، لاكتشفنا صعوبة الفصل باختيار هذا من ذاك، في وقت قد يقع اللبس بينهما لعدم وضوح الرؤيا التي تكون هي الفيصل بين عالمين مختلفين كل الاختلاف في الشكل والمضمون والحكم.
هنا سندرك صعوبة الموقف الذي ينتاب المؤمن لحظة وقوفه عند أحد طرفي نقيض، مما يقتضي أن يكون دقيقاً متأنياً محتاطاً للحظة الصفر تلك التي تعد ميقاتاً للقاء الله تعالى في معسكر طاعته، فضلاً عن استخلاصه لأهمية الوقت وتثمينه مرة، ودقة وخطورة اختياره مرة أخرى، علاوة على ضرورة احتياطه لموارد ذات اللبس أيضاً، ولزوم معرفة ضوابط كل مفردة عن الأخرى.
في قبال ذلك يلزم على العبد أيضاً أنْ يحلّق جاداً عازماً ترجمة (الإمساك) إلى سلوك ذات يقين يستحضر فيها صور رحمانية تألفها نفسه وتطيب بها، فضلاً عن ضرورة التواصي بالحق والصبر لنيل مرتبة الميقات معه تعالى والحفاظ عليها، إلى غير مما يُدرك أو لا يُدرك، ليكون جميع ما تقدم دافعاً ووازعاً للعروج إلى ضيافته سبحانه وتعالى ونيل رضاه في شهره المبارك الذي يُعبد فيه طريق النجاة، وتضج فيه البركات، وتُستمطر فيه الرحمات.