يُقال في مجال القضاء (إذا كان وقت المحكمة ثمين؛ فإن حق الدفاع مقدّس)، تعتبر مهنة المحاماة مهنة حرة مستقلة ومقدسة في العراق والعالم ككل، وهي مكفولة بموجب قانون المحاماة المنصوص عليه في دستور جمهورية العراق، ويعد المحامي الجناح الثاني للعدالة في الوصول إلى الحقيقة من أجل إعطاء كل ذي حق حقه، والمحامي السامي بعمله يتعاون مع القاضي ويكون خير سند له؛ من أجل الوصول إلى الحقيقة واتخاذ القرار الصائب.
وتعد مهنة المحاماة جائزة شرعاً ما دامت تمارس في إطار القوانين وترعى الحقوق ولا تؤدي الى انتهاكها وقلب الحق إلى باطل، إلا أنها تبقى موضع تساؤل الكثيرين عن كيفية تعامل المحامي مع القوانين الوضعية المتفق عليها في الدستور بإطار يحافظ على الشرعية، خاصة وإن هنالك بعض الحالات التي يترفع عنها المحامون فيسلك البعض منهم الطريق الصحيح ويسعى إلى إظهار وجه العدالة فيما تسيطر الأهواء النفسية على البعض الآخر فتتحوّل هذه المهنة إلى مجرد تجارة مربحة حتى على حساب العدالة والحقيقة.
[img]pictures/2010/05_10/more1274620060_1.jpg[/img][br]
ولإلقاء الضوء على هذا الموضوع كان لـ (موقع نون ) هذه الوقفة مع المختصين بالمجال القانوني والديني، وكانت وقفتنا الأولى مع الدكتور (ضياء الجابري) مسؤول قسم القانون العام بكلية القانون في جامعة كربلاء الذي تحدّث لنا قائلاً: \"إن القانون هو محاولة من البشر لتنظيم الحياة، وتعد مهنة المحاماة من المهن التي تمارس وفقاً لضوابط وتعليمات شرعت من قبل السلطات التشريعية في العراق وجاءت وفقاً لقانون المحاماة الذي نظم كيفية ممارسة هذه المهنة، وهي من الجانب القانوني مهنة مباحة وفق الضوابط المرسومة\".
ويتابع، \"إن ترفّع المحامي عن أي قضية يأتي بناءً على طلب صاحبها للتمثيل عنه أمام المحاكم أو المؤسسات، وهو في هذه الحالة لا يعرف كافة التفاصيل عما جرت من أحداث متلازمة مع القضية وإنما يأخذها من أصحاب القضايا بحيث ينصرف للبحث في الوقائع وتكون وظيفته في حينها تطبيق القانون بشكل صحيح، ويحاول أن يجد الأدلة لبراءة موكله من التهمة المسندة إليه وبعد التدقيق ونظر القاضي في الأمر يكون القرار الأخير للمحكمة\".
ويضيف، \"إن القانون المطبّق في العراق هو قانون وضعيّ ويجب تطبيقه، إلا أنه يجب على المحامي أن يكون على دراية كاملة بالتشريعات القانونية ويحاول أن يتعامل معها في ترفعه عن القضايا بطريقة تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية\".
وحول نظرة الدين والشريعة الإسلامية لمهنة المحاماة يوضّح الشيخ (عماد الأسدي) إن \"نظر علماء الدين والشريعة الإسلامية في هذه المهنة أنها مهنة يجوز ممارستها في حدِّ ذاتها، وهذا القيد الذي يذكره الفقهاء مثل السيد الخوئي (قدس) وسماحة السيد علي السيستاني (دام ظله) يفهم منه إن هذه المهنة يحرم ممارستها فيما لو طرأت عليها عناوين أخرى أو فيما استلزم من ممارستها أمور غير شرعية، والمحامي يمارس هذه المهنة بغض النظر عن البعد الديني والبعد الإسلامي الذي يؤكد على إن ممارسة المهنة يجب أن لا تتضمن عمل محرّم ولا تؤدي إحقاق باطل أو إبطال حق من أجل كسب المال عن طريق الحيل غير الشرعية، والمال الذي يؤخذ من هذه القضايا يعد مالا سحتاً وحرام\".
ويتابع، \"بعض المحامين يتوكلون عن قضايا ليست من صلاحياتهم مثل التفريق بين المرأة وزوجها، والذي يجب أن يتم من قبل الزوج نفسه أو من قبل وكيله أو بأمر الحاكم الشرعي، وهذه المفردات التي نعتمد عليها في تصحيح عملية الطلاق، إلا إننا نشاهد إن بعض المحامين لا يأخذون بالشرع ويقومون بعملية التفريق دون علم الزوج أو وكيله ومن غير وجود الشاهدين العادلين باستخدام القوانين الوضعية والحيل التي تتعارض مع الأحكام الشرعية، وبالتالي نحتاج إلى تصحيح هذه القوانين\".
[img]pictures/2010/05_10/more1274620060_2.jpg[/img][br]
ويضيف الأسدي، \"خلال تعايشنا مع الواقع الحالي في العراق وفي كربلاء المقدسة نشاهد إن البعض من المحامين لا يلتزمون بأحكام الشريعة الإسلامية في ترفعهم عن القضايا وهم يفتخرون عن كسبهم لهذه القضية أو تلك بغضّ النظر عن البعد الشرعي لهذه العملية، وبذلك تصبح هذه المهنة المقدسة تجارة مربحة وليست تؤدي وظيفتها السامية وهي إظهار الحقيقة، وبالتالي نحن نوصي أخواننا المحامين أن يؤقلموا بين نظر الشريعة وبين النظرات الوضعية لهكذا ممارسات، وعليهم بذلك الرجوع للرسائل العملية لمراجع التقليد العظام الذين بينوا حدود هذه الممارسات\".
وفي حديثنا مع عدد من المحامين في محافظة كربلاء المقدسة لمعرفة رؤيتهم لهذه المهنة وكيف يتعاملون مع القضايا التي يترفعون عنها وتوفيقهم بين القانون والشرع، يرى المحامي (طارق الخفاجي) أن التوفيق بين القانون والأحكام الشرعية في ممارسة هذه المهنة أمر صعب أمام المحامي وأمام القاضي أيضاً باعتبار أولاً إن هذه القوانين العراقية وضعية وعلى الجميع تطبيقها، خاصة في القانون المدني وبقية النزاعات التي تخضع مباشرةً للقانون وليس للأحكام الشرعية، إلا إن هنالك بعض الحالات التي ترك فيها المشرع بعض التشريعات الرجوع إلى الأحكام الشرعية في إصدار الحكم ومنها المادة الأولى والثامنة في قانون الأحوال المدنية بشرط أن تكون هذه الأحكام قريبة من القوانين الوضعية\".
ويضيف الخفاجي، \"إن دور المحامي يتمثل بمساعدة القضاة في الوصول إلى الحقيقة، وابتداءً فإن المحامي لا يعرف من موكله مجرم أو بريء وعن طريق الأدلة المتوفرة يعرف موقف موكله فإذا كان بريئاً فيسعى جاهداً إلى مساعدته في إظهار حقه وإن كان مجرماً فلا يلتمس من المحكمة إلا التخفيف عن الحكم والتي تسمى في مهنتنا بالظروف المخففة\".
[img]pictures/2010/05_10/more1274620060_3.jpg[/img][br]
وعن تساؤلنا حول علاقة المحامي ببعض الحالات البعيدة عن المهنة الرئيسية مثل نقل الملكية وغيرها؛ فيجيب المحامي (فائز الحلي) عن هذه العلاقة قائلاً: \"إن مهنة المحاماة مهنة مستقلة ويستطيع كل شخص قد حصل على الشهادة الأكاديمية وتخويل نقابة المحامين من ممارستها، ويستطيع المحامي خلال عمله أما الترفع عن الموكلين في القضايا المختلفة، وكذلك ممارسة عمل التعقيب والتي تترب بإنجاز المعاملات الخاصة بنقل الملكية وما شابهها خاصة وإن أغلب الناس ينتقصون للخبرة والمعرفة في إنجاز المعاملات والتي يستطيع المحامي من الضلوع بها لخبرته وتواصله مع دوائر الدولة المختلفة، ومقابل هذه الممارسة يتقاضى المحامي مبالغ تسمى بأتعاب المحاماة التي تساعده على سدّ قوت عائلته خاصة وإن مهنة المحاماة مهمّشة وليس للمحامي أي ضمان في الحياة\".
ولمعرفة دور نقابة المحامين في تسهيل مهمة المحامي وأداء هذه العملية بصورة دقيقة ونزيهة، فضلاً عن موقفها من تقصيره وعدم التعامل مع موكليه بالمهنية المتطلبة؛ يقول المحامي (جمهور الكركوشي) مسؤول الإعلام والعلاقات العامة بنقابة المحامين في تصريحه لـ (لموقع نون )، \"إن دور النقابة يتمثل بالإشراف على عمل المحامين الذي يمارسون هذه المهنة بناءً على تخويل من النقابة تمنحه لهم، ولنا مراقبة مستمرة على عملهم والقضايا التي يترافعون عنها والجميع يخضعون للمساءلة القانونية\".
ويضيف، \"أن كل محامي ونظرته وإحساسه بالمسؤولية إزاء ترفعه عن القضايا خاصة الحساسة وكلما كان ضميره حي يكون موقفه مشرفاً ويحاول أن ينصر البريء ويكون على خط مستقيم بما يوازي المبادئ والمثل التي أقسم عليها وأن يؤدي عمله بكل نزاهة وصدق وشرف وأن لا يجامل المتهم\".
ويتابع، \"إذا كان هنالك تقصير من قبل المحامي باتجاه الموكّل فبإمكان الثاني أن يتقدم بشكوى تحريرية لنقابة المحامين للنظر في حالة التقصير وتحسم هذا الأمر قواعد السلوك المهني لأن هنالك واجبات اتجاه القضاة وهنالك واجبات اتجاه الموكل واتجاه النقابة، إضافة إلى إن النقابة تفرض على المحامي المقصر عقوبات مقررة في قانون المحاماة النافذ لكي تسير الأمور بالوجه الصحيح\".
تحقيق: علي الجبوري
موقع نون خاص
أقرأ ايضاً
- صنع بعضها واشترى الاخرى من الخارج: موكب حسيني ديكوراته تمزج بين التراث القديم والمدنية
- سفيرة العراق لدى الرياض تتحدث عن استثمارات سعودية داخل العراق واتصالات بين البلدين تتعلق بأحداث غزة
- في العراق .. المظاهر المسلحة في العرف الشرعي و القانوني