- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لا ثقافة بلا دين ولا دين بلا ثقافة
حجم النص
حسن كاظم الفتال كان أحدهم يعمل في مؤسسة معينة بوظيفة ما. ويبدو أنه كان يتقاضى أجرا يعينه على أن يلبي بعض متطلبات حياته. ذات يوم طلب منه أحد أصدقائه أن يسعى بالتوسط له لأن يعمل في المؤسسة نفسها بأي وظيفة وبأي مرتب لعله يبعد به عنه شظف العيش والمعاناة فراح العامل في تلك المؤسسة يقدم لصاحبه قائمة طويلة من الإعتذارات مبينا بأنه ليس بوسعه أن يقدم له أية مساعدة أو تسهيل ما يمكنه من العمل في المؤسسة. لكنه هو لم يلفح بإقناعه . وحين أحس بأنه عجز عن إقناع صاحبه بهذه الاعتذارات قرر أن يفصح عن نيته ويعلن عن حرصه عليه وبعد نقاش وجدال وسجال قرر أن يكون لصاحبه ناصحا يقدم له نصيحة ووعظا مجانيا قائلا: صاحبي العزيز: أخشى أن لا تجيد تطبيق آلية العمل في مؤسسة يطلق عليها أهلُها أسم (دينية). ويزعمون أنها مؤسسة: دينية. إعلامية أو صحفية. أو ثقافية أو فكرية أو أدبية أو فنية. أو توعوية. وأنت تحسبها هي (بس بالإسم) تأمل بأنك ستواجه ما لا تتوقعه من قبل. يتحتم عليك أن تستعد أتم الاستعداد لأن تستوعب كل ما لا يخطر على بال أحد مما ستواجهه . وبما أنك مازلت في ريعان تفكيرك وصفاء نيتك ونقاء تخيلاتك. أخشى أن لا يسعك أن تستوعب السياقات العشوائية.فتسول لك نفسك أن تدعو للبحث أو لإيجاد استراتيجية عمل. وهذا ما لا يروق للبعض.أو أن يحزنك إنعدام التقييم في المؤسسة وتلمس أنه مغيب تماما. أو يذهب بحلمك الشيطان فيوهمك بأن لا وجود لا للقيم ولا للقيمة فيها ولا للخبرة ولا للعلمية ولا للثقافة ولا للعمر ولا للقِدَم ولا للموهبة ولا للمهارة ولا للإبداع والطاقة المتوهجة ولا للإخلاص بالعمل ولا للحرص البتة. وأن المعايير والإعتبارات والمقاييس هي الأخرى مغيبة.أو تسعى للبحث عن فاحص أو حكم منصف (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ) فتحسب أن لا فيصل بين الغث والسمين والجيد والرديء.إنما المفاضلة للمستجيب بطاعة عمياء أو من هو اقرب للمزاج وللأصغر عمرا والأقل خبرة وموهبة ومهارة والأكثر صلة بمالك المؤسسة والأقوى تزلفا له. والمؤسسة ترى أن ما تتبعه هو السياق الصحيح لكنك تفسره بأنه إقصاء وتهميش وإلغاء أدوار الآخرين وغير ذلك مما يتصوره بعض الذين يزعمون بأنهم أحق من سواهم لتمتعهم بالمؤهلات الحقيقية. أو إن راح يطرق سمعك بين الفينة والأخرى ما يظهر من ترديد مصطلحات: الحيادية والاستقلالية والتجرد من الميولات والإتجاهات فلا تظن بأنه مجرد ضجيج يصلح للإستهلاك المحلي. أو تظن بأنها ما هي إلا عناوين وهمية لا وجود لها إنما هي نتيجة (أضغاث أحلام). أما بريق الشعارات المرفوعة المخطوطة على يافطات جميلة مزركشة ومعلقة على الواجهات تمعن بها جيدا لا تقارنها بسواها مما لا يرضي الناس فهي ليست: (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً) أو أنها وجدت للإغراء. عند ذاك تنفر عنها ولا تقربها حتى حين يعتصرك الظمأ. وتنوي أن تسعى سعيك لأن تأوي (إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ) لتسلم بدينك ولا تشرف على الهلاك. فلو حصل وداهمك كل ذلك لا سمح الله هل لك أن تصبر ولا يريبك ذلك؟ . ولا ترتعد ولا تتخاذل ؟. أم على الفور تصرح بأنك تحيا وسط بيئة (إسلام آخر زمن) ؟ فارتعد صاحبه وارتد إلى الخلف وهو يقول: دعني أسلك السبيل وحدي دون أن أستوحش الطريق لقلة سالكيه. وحتى أتزود بثقافة وتعلم يقوي إيماني ويعينني على تحمل كل ذلك لو حصل لا سمح الله : فإن لا دين بلا ثقافة ولا ثقافة بلا دين