- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كنه معرفة الإمام الحسين صلوات الله عليه سر إلهي الجزء الثالث
حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال وحدة الغايات وشموليتها والحسين صلوات الله عليه ربيب الرسالة الذي تربى وترعرع في أحضان النبوة ونشأ في بيت الوحي وأرضعه النبي الأكرم كل مكارمه وصفاته وسجاياه حين مد أصبعه الشريف بفمه ليرضع منه قبل رضاعه اللبن. ذلك ما حقق له صلوات الله عليه الأمتداد الحقيقي والطبيعي الأبرز والأقوى والأوحد لرسالة السماء المحمدية. والمستجيب الأول لنداء جده صلى الله عليه وآله في تحقيق الإصلاح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ـ الأنفال / 24 وكان المتمم للرسالة والغايات والأهداف. فألحق شعار جده الأكرم صلى الله عليه وآله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) بشعاره. (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي) وامتزجت الروحان روح السبط وجده صلى الله عليهما. وحين رحل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى بدأت تظهر بوادر الاضطراب في سلوكيات بعض الحكام وممارساتهم وآل البعض على نفسه أن يقدح زند الظلم ليشعل الأخضر اليابس حفاظا على كيانه ومكانته وسلامة موقعه. وبدأت تتسع رقعة الظلم حتى كادت تبلغ مديات مرعبة وأوشكت أن تعصف بكل مبادئ الرسالة المحمدية وبلغ السيل الزبى. فحق على الإمام الحسين عليه السلام الإمام المعصوم صاحب الولاية التكوينية والتشريعية حق عليه أن يؤدي دوره ويمارس تكليفه التشريعي والتكويني. فما كان منه إلا أن يحمل صوت المظلومين والمضطهدين ويرفع شعار (هيهات منا الذلة) الذي جسده عمليا غاية التجسيد والتطبيق وبشكل لا نظير له. وانتفض انتفاضته العظيمة بوجه الظلم والطغيان ونهض بنهضته المباركة العظيمة الخالدة. ووضع في مقدمة أهداف نهضته المباركة مهمة تجسيد مضامين ومفاهيم رسالة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وترسيخها في الأذهان والضمائر وقد برع بذلك غاية البراعة رغم أنه دفع الثمن غاليا ولما حاول البعض أن يعصف بمضامين نهضته المباركة فما كان نصيبهم إلا حصاد البؤس والفشل الذريع. لأنهم أرادوا أن يعصف بالمنهج الإلهي إذ أن رسالة الإمام الحسين صلوات الله عليه ونهضته امتداد لرسالة السماء. وآل الله سبحانه وتعالى إلا أن يخلد الإمام الحسين صلوات الله عليه ورسالته العظيمة. فنهض ووثب وثبة الليث الغاضب الثائر للحق ليحظى بعاقبة الشهداء والصديقين ويحتل موقعه إلى جنب جده المصطفى صلى الله عليه وآله في جنة الخلد. (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) ـ الحج / 41 من المسلمات أن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر أي تقوِّم الروحَ والنفسَ الإنسانية وتحجب مؤديها عن الموبقات. والزكاة التي تحقق مبدأ التكافل الإجتماعي وتعدم الفقر وتقضي على الجوع والأمر بالمعروف الذي يوجه المجتمع ويحسن سلوكياته وينزهه ويبعد عنه كل الآفات والأمراض ويجعله سليما معافى. تحقيق كل ذلك يحتاج لمحرك أو مرتكز يرتكز عليه لذا فإن الإمام الحسين صلوات الله عليه تكلف بكل ذلك وجسده تجسيدا فعالا حقيقيا. فهل من مقيم للصلاة كما أقامها الإمام الحسين عليه السلام بالمفهوم والجوهر والمعنى الظاهر والباطن ؟ لذا يخاطبه حفيده صلوات الله عليه بالزيارة ليجري عليه منطوق الآية الكريمة بالتمام والكمال وبأتم وجه بالتطبيق العملي: أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله حتى أتاك اليقين. والأكثر وضوحا لهذا المقصد مضمون جواب الإمام السجاد صلوات الله عليه حين يسئل عمن هو المنتصر في معركة الطف. فيجيب: أنصتوا إلى المآذن فإن رفع الأذان وسمعتم صوت (اشهد أن محمدا رسول الله) لازال مرتفعا فإنه هو المنتصر. فالحسين صلوات الله عليه بنهضته المباركة حمل آلام أمته المحمدية العظيمة وحقق آمالها جاء صلوات الله عليه إلى الطف يصطحب المضطهدين يصطحب الذين يحسبهم البعض عبيدا وأرقاء لكنه يساويهم بأبنائه وإخوانه وبنفسه لذا فهو كان وظل ضمير كل المضطهدين.. سار صلوات الله عليه يحمل فكرا عقائديا إيمانيا متحررا قويا يتوق له كل الأحرار المظلومين.. لذا ظل هذا الفكر ناميا في النفوس والضمائر وكل ما امتد الزمن زاد هذا الفكر امتدادا هذا ما جعله أن يحظى بخلد عظيم ويخلد نهضته وظل صوته مدويا عاليا يترنح في آفاق الحق يدور كل رحاب الحرية يصل إلى أعنان السماء لتنشرح بسماعه صدور كل الأحرار التواقين للحرية والكرامة والعيش الرغيد. وهذا ما أدى إلى أن يتجذر الفكر الحسيني العظيم في النفوس ويترسخ في الأذهان ويحيا في الضمائر. ولا يتسنى لأي فكر مهما كان مصدره أو صياغته أن يقارع فكر الحسين عليه السلام لأنه لا نظير له لذا فقد باءت كل المحاولات التي أبداها الحكام وغيرهم منذ عهد الأمويين وذيولهم والعباسيين وأذنابهم حتى آخر حكم وحاولوا لإسكات صوت الحسين صلوات الله عليه إنما باءت كل محاولاتهم بالفشل ولفهم الفناء وأفنيت محاولاتهم وظل الإمام الحسين صلوات الله عليه حيا وسيبقى إلى يوم الدين. كل ذلك خلد الحسين صلوات الله عليه وبَيَّنَ مكانته ومنزلته عند الله. فالإمام الحسين صلوات الله عليه صيحة أطلقها السماء تمثل صرخة المضطهدين وصوت المظلومين والمعذبين ومثل هذا الصوت لا يمكن أن يخمد أو يكتمه تعاقب الأزمان