حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ قد يُصدم البعض من هذا العنوان الغريب أو قد يسخر من شخص "بطران " ينظّر لوجود وزارة للسعادة في واقع كئيب ومأزوم أو يفترض وجود وزير "للسعادة" ضمن الكابينة الحكومية التي مازالت تتشكّل ضمن برنامج التوافق التحاصصي ـ التشاركي الذي دأب عليه جميع الفرقاء السياسيين ـ دون استثناء ـ منذ تأسيس العملية السياسية غداة سقوط الديكتاتورية ولبلد لم يشهد استقرارا سياسيا أو مجتمعيا أو امنيا وحتى اقتصاديا منذ التأسيس الدولتي الفاشل الأول لدولته الحديثة عام 1921 مرورا ببقية التاسيسات الدولتية الفاشلة التي أعقبته ، ولحد الان. وقد يسال سائل من أين تتأتّى السعادة ياترى ؟ وفي خضّم معمعات هذه التاسيسات الدولتية الفاشلة والتي جعلت من سايكلوجية الفرد العراقي تحِّن دائما الى الماضي تقهقرا وتصفه بالجميل حتى وان كان قبيحا وبشعا وصولا إلى العهد العثماني المتخلّف وتتهرّب من الواقع الصادم الذي لم يكن في يوم من الأيام بأحسنَ حالا من الماضي الغابر إطلاقا فلم يكن هنالك أي زمن جميل سوى الذي يقبع في مخيّلة السرديات الرومانسية والمخملية الحالمة بدليل موروثنا الغنائي والفلكلوري الموشّح بالحزن والكآبة وتذكّر الأطلال المندرسة لماضين ارتحلوا في حقب زمنية اندثرت تم توصيفها مجازا بالماضي (الجميل) فالسعادة في العراق هي مجرد مصفوفة لغوية تجترّها الألسن وتلوكها المخيّلات لا اكثر من ذلك أما في الواقع فالذي يتكلم عن السعادة فهو إما مغرّد خارج السرب او (وبطران) من الطراز الاول . فلم تمرّ على العراق في العقود المنصرمة فترات للرخاء أو للاستقرار وراحة البال التقط فيها العراقيون أنفاسهم وتنفسوا الصعداء كبقية البشر،وانتبهوا إلى بناء وطنهم ومستقبل أجيالهم اللاحقة من خلال بناء حاضرهم كبقية الشعوب التي كانت حظوظها أوفر ـ فيما يبدوـ في فرص التقدم والرخاء والتنمية المستدامة من الشعب العراقي وخاصة شعوب دول الجوار التي قفزت في تحقيق سعادتها على أكتاف الامتياز الجيبولوتيكي العراقي مستغلة غياب او تغييب العراق عن لعب دوره الطبيعي والذي لم يتسنّ له أن يلعبه لعقود طوال ، فهذا الشعب عانى كثيرا وطويلا بل وأكثر من جميع شعوب المنطقة و دول العالم الثالث من سلسلة الانقلابات الدموية والأيدلوجيات المستوردة المصاحبة لها وتداعيات وإسقاطات الأحداث الدولية والإقليمية وتأثيرها السلبي على الشأن العراقي. وقياسا لوزن وحجم الفساد ومساوئ العملية السياسية وخطاياها وأخطائها القاتلة ، والتكالب على المال العام وسرقته وتوظيفه سياسيا وحزبويا فبالتأكيد ستصبح وزارة السعادة المفترضة من الوزارات الهامشية غير المرغوب فيها وغير "السيادية" ولن تفكّر بكعكتها وخيراتها أي جهة حزبية أو كتلة سياسية فجميع الفرقاء السياسيين ترنو أبصارهم وتتّجه أطماعهم صوب الوزارات أو المؤسسات الدسمة أو "السيادية" التي تدرّ كالبقرة الحلوب عليهم وعلى أحزابهم وكتلهم واذرعها الإعلامية والمدنية والعسكرية والأجهزة المرتبطة بها وتبحث عمّا يُشبع جشعها وقضمها من عوائد الريع النفطي من خلال الكومنتشينات والصفقات التي تدار وراء الكواليس وعوائد العمولات التي لم تنقطع منذ التغيير والتي استنزفت موازنات 13 عاما بقضّها وقضيضها ووُصفت بعضها بالانفجارية والتي لم ير منها الشارع العراقي سوى المزيد من البؤس والحرمان وشظف العيش وازدياد معدلات البطالة والفقر والعشوائيات وتردّي الواقع المعيشي والخدماتي ونكوص الواقع الأمني الى درجة دون الصفر وهذا هو المجمل المرعب الذي تبدو عليه صورة المشهد العراقي. فالسعادة المفترض تحقيقها وتحققها عراقيا تتأتى بحدودها الدنيا متى ما تتحول الدولة العراقية الحالية من دولة قائمة على التحاصص والتشارك والتوافق العرق / طائفي ، الى دولة مؤسسات ودولة قانون تراعى فيها آليات العقد الاجتماعي وتُقدّم مصلحة الدولة على مصلحة الحزب، ومصلحة الشعب على مصلحة المكوّن والمصلحة العليا للوطن على مصلحة (الانا) ومتى ما تشيع ثقافة التعايش المجتمعي وفق مبدأ المواطنية الصالحة بعيدا عن العشائرية والمناطقية والقومانية المتكلسة ، ووفق التداول السلمي للسلطة وعدم فرض القرار من جانب واحد (إعادة منتجة الديكتاتورية بسيناريو دموي آخر) او طرح المشاريع السياسية وفرضها عل الآخرين بالقوة وثقافة تقبّل الآخر الشريك في المواطنة والتكيّف معه بالتنازل عن الانويات الضيقة والنرجسيات الفئوية المريضة والمسكونة بحب التسلّط واستعباد أو تهميش الآخرين. وتتحقق السعادة متى ما تختفي وتتلاشى الطائفية المقيتة من قاموس التعاطي السيوسولوجي / السياسي اليومي سواء على مستوى رجل الشارع أم على مستوى سياسيين ام نخب ام توجّهات سياسية منفردة. هنالك يمكن الحديث عن دولة سعيدة وشعب سعيد تضمّ كابينته الوزارية (التكنوقراطية) وزيرا للسعادة وضمن المعايير الدولتية والحكوماتية المعتمدة عالميا وصولا الى الحكم الرشيد الذي صار حلما عراقيا مستديما، ويقال إن في العراق وبعد عقود من الظلامات والتصحّر وسني الرماد والقهر قد شهد الإعلان عن حقيبة وزارية للسعادة لشعب يستحقّ أن تكون كابينته الوزارية كلها حقائب للسعادة فالمواطن العراقي يستحقّ أكثر من هذا. كاتب عراقي