حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ تنقل وسائل الإعلام بين الحين والآخر دعوات ومطالبَ تتمحور في دعوة المسؤول الفلاني او العلاني الى قبة البرلمان لغرض استجوابه وذلك بناء على (ملفات) تتعلق بهذا المسؤول او ذاك تستدعي الاستجواب الذي قد يُفضي الى الإقالة وغالبا ما تكون تلك الدعوات مغلفة بإمارات التشفي والكيد المسبق والانتقام السياسي، وتنتهي الإقالات ـ ان حصلت ـ بلغة التهديد والوعيد والتلويح بالطعن ورد الصاع صاعين بان الاستجواب كان مسيّسا وان الحزب او الكتلة هما المستهدفان من هذه المعمعة . الاستجواب حق قانوني ودستوري اقرّه الدستور العراقي من اجل تقويم وتصويب العملية السياسية بل هو من صميم عمل البرلمان والمتمثل في آليات المراقبة والمحاسبة والتشريع ولكن بشرط أن تكون تلك الآليات ضمن حدود الدستور وتصب في المصلحة العليا للبلد بعيدا عن استغلال الدستور لأغراض شخصية او الظهور المبرمج في وسائل الإعلام والثرثرة والضوضاء الإعلامية أو يكون الاستجواب عبارة عن دعاية انتخابية مجانية أو لتلميع صورة السياسي المستجوب (بالكسر) أو إظهاره بمظهر "الحريص" على بلده وشعبه لذا فقد قنّن الدستور العراقي الدائم ذلك الحق الدستوري: في [المادة 61 / سابعا: ج ـ لعضو مجلس النواب، وبموافقة خمسةٍ وعشرين عضواً، توجيه استجوابٍ الى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تقديمه.] وبخصوص ما يترتب عن الاستجواب فقد قنّن الدستور ذلك ايضا ولم يترك المسالة تسير فوق الأهواء السياسية او المزاجوية في المادة نفسها [ المادة 61 / ثامناً:ـأـ لمجلس النواب سحب الثقة من احد الوزراء، بالأغلبية المطلقة، ويُعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناءً على رغبته، أو طلبٍ موقع من خمسين عضواً، اثر مناقشة استجوابٍ موجهٍ إليه، ولا يصدر المجلس قراره في الطلب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تأريخ تقديمه.] فان كانت توجد "وثائق" ومستندات يلوّح بها الشخص المستجوِب (بالفتح) فيجب عليه أن يقدّمها في أوقاتها المناسبة فالكشف المبكر لها قد يجنِّب البلد مخاطر قد تتعلق بالأمن القومي او الاقتصادي او البيئي وغير ذلك، ولكي لايعد تأخير الكشف عن تلك الوثائق تسترا عليها او تشاركا مع أطراف أخرى قد تكون دليل تورط المستجوَب (بالفتح) بقضايا خطيرة، كما يجب أن تكون عملية الاستجواب والياتها بمهنية عالية ورصانة وبعيدا عن الاستعراضية الممسرحة او التهريجية الرخيصة والتي تكون في حالة تسريبها مادة دسمة للأقاويل والفضائح والتشهير والتسقيط او تكون مادة دسمة للإعلام الأصفر ومواقع التواصل الاجتماعي المنفلتة. ولهذا فقد عقد النظام الداخلي للبرلمان فصلا خاصا عن الاستجواب أوضح فيه آليات الاستجواب من المادة (50 ـ 60) [الفصل العاشر: السؤال والمساءلة والاستجواب: المادة (50) لكل عضو أن يوجه إلى أعضاء مجلس الرئاسة أو رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو رؤساء الهيئات المستقلة ورؤساء الدوائر غير المرتبطة بوزارة أو غيرهم من أعضاء الحكومة أسئلة خطية مع إعلام هيأة الرئاسة في شأن من الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، وذلك للاستفهام عن أمر لا يعلمه العضو، أو للتحقق من حصول واقعة وصل علمها إليه، أو للوقوف على ما تعتزمه الحكومة في أمر من الأمور.] وهكذا في بقية فقرات هذا الفصل بتوضيح تلك الآليات مالايترك هامشا للفوضى والإرباك . البعض يعدّ الاستجوابات حقا دستوريا كفله الدستور العراقي الدائم وحالة صحية لتفعيل الدور الرقابي للبرلمان الذي هو من صميم عمله، فيما يعدّها البعض إعاقة وإرباكا للعملية السياسية وإشغالا غير مبرر للرأي العام وتشويشا لرجل الشارع وللسلطات، لاسيما وان بعض الاستجوابات قد تأتي في أوقات غير مناسبة لها وتحتمل التأجيل كاستجواب الوزراء المسؤولين عن الملفات الأمنية والمالية. إن سبب عدم النضج في آليات الاستجواب وحيثياتها يكمن في 1. إن الأنساق الديمقراطية مازالت مبكرة وفتية لدى الكثير من الفرقاء السياسيين ومازالت تجربة العمل البرلماني غير كافية لإرساء قواعد عمل برلماني ناضج بما فيه الكفاية 2.عدم وجود حكومة ظل واشتراك جميع الفرقاء السياسيين بالحكومة ما أدى الى عدم وجود معارضة حقيقية أو رقابة دستورية لمتابعة عمل وأداء السلطات الحكومية فجميع الدول التي تعتمد النظام البرلماني تشكل الأحزاب غير المشتركة في الحكومة فريقا للمعارضة (حكومة ظل) فيما تبقى الأحزاب أو الكتل المشاركة تمثل الأغلبية الفاعلة في الحكومة، وعلى مدى أكثر من ثلاثة عشر عاماً خلت التجربة السياسية في العراق من أي نشاط حقيقي داخل قبة البرلمان يمكن توصيفه بالمعارضة الفاعلة البعيدة عن المهاترات السياسية والحزبوية . فعلى جميع الفرقاء السياسيين تجنّب "ثقافة" التسقيط والاستهداف السياسي والمكوناتي وسياسة "تصفية الحسابات بين الكتل البرلمانية وتجنب المهاترات ذات الدوافع السياسية الواضحة فضلا عن تحشيد وتجييش الشارع لذلك، فضلا عن الخلط بين النزاعات والخلافات الشخصية والاتهامات بالفساد ونقل هذه الخلافات (وبعضها شخصي) الى داخل قبة البرلمان ومحاولة الزج بالمصالح الحزبية في أتون ملفات الفساد والتشهير بالمستجوَبين (بالفتح) والى درجة أن نتائج الاستجوابات قد فتحت شهية الكثير من النواب فبدأوا يطالبون باستجوابات (بالجملة) لاسيما في الآونة الأخيرة، ومن كتل سياسية اخرى مناوئة وفي عملية هي اقرب الى المصارعة الحرة منها الى العمل البرلماني الرقابي المنضبط ، ويبقى رجل الشارع البسيط يتساءل متى تنتهي هذه اللعبة ؟ وهل ان الشارع العراقي المتخم بالهموم مستعد لمثل هذه الجعحعات التي قد تخلو من الطحين!!!!!! كاتب عراقي