حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ ليس بالجديد أن تُكرر موازنة عام 2017 المرتقب عن ذات النسق في الموازنات السابقة لها باعتماد (الكليشة) نفسها باستثناء عملية ملء الحقول والبيانات ولاشيء جديدا حول الإيرادات الداخلة في الدخل القومي العراقي والمغذية للموازنة كإيرادات قومية عدا السعر التخميني (وليس الحقيقي) لسعر برميل النفط والذي جاء متربعا على رأسها وبنسبة شبه كلية مع انحسار أو ضمور الموارد الأخرى والتي من المفترض ـ ومنذ عقود ـ أن تدخل مع النفط كعوامل مساعدة للتخفيف عن احتكار القطاع النفطي وهيمنته على الاقتصاد العراقي المثقل بالريعية الأحادية والمعرض الى الهزات الارتدادية لتقلبات السوق العالمية مايعرِّض الاقتصاد العراق الى أزمات محرجة وغير متوقعة وتضع الحكومة في حرج (سنوي) دوري في تامين الحدود الدنيا والمعقولة لبنود الموازنة السنوية لاسيما مايتعلق منها بالجانب التشغيلي وتامين لقمة العيش لملايين الموظفين وأصحاب الرعاية الاجتماعية والمتقاعدين في ظل الترهل المخيف الذي أصاب الدولة العراقية في السنين المؤخرة، ومن الممكن أن نطلق عليها وبعد عقود من تأسيس الدولة العراقية،الموازنة النفطية ومؤخرا الموازنة التشغيلية او موازنة الرواتب وتامين لقمة العيش وإطعام الأفواه الفاغرة دون التفكير في أي شيء آخر يخص التنمية المستدامة او التامين الصحي او الامن القومي وغيرها ، وبعد عقد ونيف من التغيير وكل تلك العقود لم يفكر مهندسو الاقتصاد العراقي بوضع خارطة طريق لاقتصاد متعدد الجوانب يؤمِّن الحدود الدنيا لموازنات "مريحة" وخالية من لغة التقشف و"المناقلات " لأبواب الصرف غير "الضرورية". وفي حالة تامين الميزانية التشغيلية من الموازنة ـ وهذا أمر مستبعد مع وجود عجز كبير مزمن ـ فانه سيكون على حساب الميزانية الاستثمارية التي ظلت بدون تغطية مالية كافية وللسنة الرابعة على التوالي في ظل التذبذب المستمر هبوطا لأسعار النفط في السوق العالمية ويضاف الى كل ذلك تامين مستلزمات الحرب ضد داعش وما يتعلق بها من توفير الحد الأدنى للعيش الكريم للنازحين (أكثر من 3,2 مليون نازح يعيشون ظروفا مأساوية وغير إنسانية للغاية) وإعادة إعمار المناطق المحررة وتغطية الالتزامات العراقية تجاه المجتمع الدولي....الخ. الذي يختلف في موازنة هذا العام انه وبحسب معطيات الوضع الميداني للحرب على داعش أن كفة الحرب ضد هذا الكيان القروسطي والهمجي المتوحش بدأت تميل الى جانب العراق ومؤشرات الحسم باتت تلوح في الأفق لاسيما بعد سلسلة معارك النصر التي خاضها العراقيون في العديد من المواقع والحواضن الداعشية والتي حققوا فيها نصرا كاسحا ومؤزرا ومازالوا يخوضون المعركة الحاسمة في الموصل التي سيكون النصر فيها المسمار الأخير في نعش هذا التنظيم . إن استحقاقات عام التحرير المالية هي أكثر من استحقاقات الأعوام التي سبقته ـ وليس العكس كما يشاع ـ فان هذا العام يستلزم إعادة إعمار المناطق التي نكبت بداعش والتي تم تطهيرها نهائيا من رجس داعش كما يستلزم إعادة توطين سكانها الذين نزحوا منها الى مناطق آمنة أخرى ويستدعي تهيئة هؤلاء سايكلوجيا واجتماعيا عبر برامج معدة لذلك ودمجهم مرة أخرى بالحاضنة الوطنية وإعادة ترميم العقد الاجتماعي العراقي بما يعزز اللُحمة الوطنية ورعاية اسر الشهداء والجرحى وتامين حقوقهم وهذه الأمور وغيرها هي أكثر مما ينوء به كاهل الموازنة ذات الطابع "التشغيلي" الشحيح . وبلغة الحقائق فان الحرب ضد داعش (حوالي 10 ملايين دولار يوميا) قد تضع أوزارها ـ لذا فهي تستدعي وقفة دولية جادة إذا ما استمرت أسعار النفط في التدهور فان الاستحقاقات العراقية كثيرة وكبيرة وقد تكون اكبر من استحقاقات الحرب وقد تستدعي مرحلة مابعد دعش تكاليف مالية أكثر ولكن ليس عن طريق القروض العاجلة منها او الآجلة او الهبات التي تُعطى للشعوب المنكوبة أو الاستعانة بصندوق النقد الدولي وهو إجراء احترازي يسعى إليه العراق لسد العجز الكبير الذي يحصل في الموازنة( تبلغ نسبة العجز في الموازنة نحو 21% من صال 95 ترليون دينار) وخاصة في حالة أن عوائد النفط لاتفي حتى بتامين هامش كافٍ للجانب التشيغلي فيكون العجز كبيرا في جانبي الموازنة كليهما مع بقاء الواقع الخدماتي دون غطاء مادي كافٍ ومن الخطأ أن تلتجئ الحكومة الى الخارج من اجل تامين الرواتبٍ فقط ودون الاعتماد على موارد اخرى . فعام التحرير يحتاج الى موازنة غير تقليدية ومختلفة عن سابقاتها والى لغة أرقام مباينة عن ضغط الإنفاق الحكومي وعن ملء البيانات المتعلقة بسعر البرميل / يوم او السعة التصديرية للنفط والسعر الافتراضي للبرميل أو البيانات المتعلقة بالجانب التشغيلي (الغالب) منها أو الجانب الاستثماري (المغلوب على أمره) وللإيضاح: (النفقات الاستثمارية في الموازنة تبلغ 25 تريلون دينار، في حين تبلغ النفقات التشغيلية 75 تريليون دينار) وبعيدا ايضا عن سياسة التقشف و"المناقلات" بين أبواب الصرف.. انه عام النهوض ولملمة الجراح التي يتركها داعش في الجسد العراقي نأمل أن يكون هذا العام منطلقا حقيقيا لمراجعة واقع الاقتصاد العراقي وتخفيف حدة الريعية عنه والتحرر التدريجي من سطوة الريع النفطي وذلك بالاتجاه نحو تنشيط القطاعات المساندة الأخرى كالصناعة والزراعة والتعدين، وتفعيل القوانين اللازمة لذلك كقوانين الاستثمار والجاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية فضلا عن رؤوس الأموال المحلية،وتنشيط قطاع السياحة لاسيما الدينية منها مع توفير البنى التحتية اللازمة والبيئة الآمنة له، فكما يخطط السياسيون لرسم خارطة طريق لعراق امن لمابعد لتحرير يجب على أرباب الاقتصاد إن يضعوا خارطة طريق آمنة لاقتصاد عراقي امن ومتعدد الجوانب لما بعد التحرير أيضا بل وللمستقبل...فهل نرى ذلك؟؟. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- النشر الصحفي لقضايا الرأي العام
- جرائم الإضرار بالطرق العامة