حجم النص
بقلم:الدكتور طلال فائق الكمالي بغض النظر عن مدى واقعية شخصية "بابا نويل" أو "سانتا كلوز" التي اُختلف في نسبتها إلى القديس نيكولاس وهو أسقف "ميرا" الذي يُنقل عنه أنه عاش في القرن الخامس الميلادي، ويُنقل عنه أيضاً أنه كان يقوم أثناء الليل بتوزيع الهدايا على الفقراء والمحتاجين، على حين عَدَََّ بعض أن هذه الشخصية وهمية واسطورية تماماً، مما دفع السلطة الكنيسية إلى محاربة الفكرة وعدم نسبها إلى المسيحية، ومحاربة اقترانها بمولد المسيح عليه السلام واستنكارها لإلحاق جذور هذه الشخصية "وشجرة عيد الميلاد" التي ترمز إلى "شجرة الحياة" بالجذور الدينية والثقافية للكنيسة؛ لا لأنها تحمل مضامين مخالفة لأفكار الكنيسة؛ بل لما تحمل من اساطير وقصص خيالية، بيد أنَّ الشعوب الغربية تقبّلت الفكرة بكل بساطة، بل طورت مفرداتها من دولة الى أخرى، حتى باتت تقترن مع كل ذكرى لميلاد معين. لم يتوقف أمر هذه الثقافة عند الدول الغربية فحسب، بل تعدّتها للدول الإسلامية والعربية لتكون ضمن ثقافتها، لنطمئن حينها أن العولمة قد جرفت مساحة واسعة من ثقافتنا، مما دفع بأجندة الغزو الفكري أن تغرس بذورها فيها... وسرعان ما أثمرت لتُقطفْ وتُسوقْ في دكاكين تجارنا الذين لبوا مسرعين من دون النظر إلى عمق ما يستوردون. نعم... هكذا هي الحال، لكن المؤسف أننا لم نكتفي بتقبل ما سوق إلينا من فكر بل؛ اجتهدنا لنبدع في ترويجه وتصريف مضامينه فضلاً عن تسويقه اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. نخلص مما تقدم ما يأتي: 1- أننا أسرى لأزمة مُركبة تكمن في أُمة باتت سوقاً رائجاً لبضاعة الآخر من دون النظر إلى عمق المضامين وآثرها. 2- ضعف نُخبنا ومؤسساتنا في تسويق ما لديها من قيم ومفاهيم عالية المضامين وعالمية السعة لضعف أدواتها وقلة حيلتها. فالخشية كل الخشية أن نكون مستعبدين لتراكمات معرفية غير مدروسة تبدأ بمسائل صغروية ولا تنتهي إلا عند أُمات القضايا، مسوغين لحركة بوصلة المباحات أن تتجه أين ما تشاء من دون ضابط أو قيد، لتصل بنا على أعتاب أقصى الأفكار اليمينية أو أقصى اليسارية بعيداً كل البعد عن وسطية مفاهيمنا ومنطلقاتنا الفكرية. فبدلاً من أن نغرس شجرةً في أرضنا الجرداء أو نسقي شجرة تحطب عودها عطشاً نذهب لنُحي شجرة عيد الميلاد في كل زقاق، وبدلاً أن نستذكر تاريخ رجالات السماء وهم يتفقدون الفقراء في الليل والنهار حقاً لا اسطورةً نجد بعض آخر ينصب لبابا نويل تمثالاً في ميدان التحرير ليصنع منه بطلاً. تعالوا نحي ذكرى رجالات السماء فينا لنحيا بهم، نحذو حذوهم، فنكسو عرياناً أو نروي ظمئاناً أو نرفع حجر عن بطن جائعة لرغيف خبز أو نشد على يد شاب باع كل ما لديه من الدنيا ليشتري عزاً وكرامةً أو نكفكف دموع ثكلى تصرخ ألماً لفقدها وليدها الذي أبى إلا أن يكحل عيني أمه بنجيع إِحِمَرَ خجلاً لأنه جاد بنفس واحدة أو أن نغرس الأمل في نفس طفل ولد على دوي شاحنات مفخخة فافترش شظاياها والتحف بدخان بارودها... تعالوا ليكون منّا رجالاً حقاً لا اسطورة كبابا مويل.
أقرأ ايضاً
- عن البابا مرة اخرى
- الغدير باباً لتوحيد كلمة المسلمين وجمع شملهم
- ماذا تلا قارئ العراق في زيارة البابا ؟