التقاعد مرحلة لا بد أن يمر بها كل موظف في أية دولة كانت، وتكون هذه المرحلة هي الختام الحتمي لتلك الجهود والخبرات التي قدمها ذلك الموظف لبلده وشعبه.
وقد التفتت الكثير من دول العالم إلى هذه المرحلة وأجرت الدراسات والبحوث العلمية الخاصة بمتطلبات واحتياجات الشخص المتقاعد من اهتمام ورعاية وذلك من باب التكريم له على ما قدمه في سني حياته المهنية الحافلة بالمشاق المختلفة من جانب، ومن جانب آخر لكي لا تتحول هذه الفئة المهمة من المجتمع إلى عبء ثقيل على عوائلهم أولا وعلى المجتمع ككل من ناحية أخرى.
[img]pictures/2010/02_10/more1266918836_1.jpg[/img][br]
وفي بلدنا الحبيب لا زالت هنالك أسئلة كثيرة تطرح حول شريحة المتقاعدين الذين أفنوا زهرة شبابهم وبذلوا ذروة طاقاتهم وقدراتهم في مختلف ميادين العمل، ومنها في الدوائر الحكومية أو المؤسسات الإنتاجية، وكان لجهودهم المبذولة وخبراتهم المهنية دور كبير في بناء البلد وتسييره في عجلة التقدم والازدهار، فهل حظي هؤلاء – وهم في خريف العمر- بالتفاتة من قبل المسؤولين لمراعاة حقوقهم المادية، ومن قبل المجتمع بمراعاة حقوقهم المعنوية، ليواصلوا حياتهم الطبيعية، ويبقى لتواجدهم بين شرائح المجتمع أثر فاعل ومفيد.
من هنا انطلق موقع نون ليتقصى أحوال هذه الطبقة في المرحلة الراهنة من حياة العراق الجديد، ولمعرفة آراء وأفكار عدد من المواطنين والخبراء حول الطريقة الفُضلى للتعامل مع قضية التقاعد كفكرة واستحقاق وحتى كمعضلة كما يصفها الكثيرون الآن – مع الأسف-..
المتقاعدون والعمل الجديد
الحاج (حامد عودة - 65 عاماً) وهو مدرّس متقاعد حالياً، كان أول من التقاه موقعنا وهو في موقع عمله الجديد، حيث لم يتوانَ عن مزاولة العمل رغم كبر سنّه، وقام بالخطوة التي يخطوها اليوم معظم أصحاب البيوت الكبيرة تقريباً، حيث استفاد من الواجهة الأمامية لداره ليحول الجدار إلى محل تجاري يبيع فيه المواد الغذائية، و بالرغم من أنه رجل كبير في السن ولكنّه يعدّ العمل (ضرورة ملحّة للاستمرار في الحياة)، وعندنا في العراق، يقضي قانون التقاعد على المواطن التخلّي عن العمل في دوائر الدولة عند بلوغه سن الثالثة والستين، حتى وإن كان من ذوي الكفاءة والخبرة العلمية.
[img]pictures/2010/02_10/more1266918836_2.jpg[/img][br]
ويضيف الحاج حامد، \"أرى أن عملية التقاعد نهاية غير منصفة للموظفين، فمثلاً هنالك الكثير من المعلمين أو المدرسين تراهم في حالة نشيطة وكفاءة عالية تؤهلهم لممارسة العملية التعليمة بالرغم من أنه في السبعين من عمره ولكن قانون التقاعد يجبره على التقاعد في سن الثالث والستين وبذلك نكون قد خسرنا ثروة علمية كانت لترفد المجتمع بعطائها وخبراتها لو لم تقصَ عن العمل\".
خبرات المتقاعدين
وحول أهمية دور المتقاعدين في نقل الخبرات والتجارب السابقة للجيل الجديد، ونوع المعوقات والمشكلات التي تواجهها هذه الشريحة؛ يواصل الحاج حامد حديثه، بان \"مرحلة التقاعد تترك فراغاً كبيراً لدى الفرد يضطر فيها إلى مزاولة عمل معين يحفزه على البقاء والتواصل مع الحياة وأنا على استعداد لتقديم خبراتي التدريسية للمدرسين الجدد\"، ويشير، \"إن مشكلة التقاعد ليس المال وحده وإنما هنالك من يحتاج إلى الرعاية الصحية أو السفر والترفيه، فضلاً عن احتمال حصول الأزمات النفسية للمتقاعد نتيجة تركه للعمل والجلوس في البيت على عكس ما كان عليه في مرحلة الشباب واندفاعه الأول.
(خضير عباس ـ 68 عاماً) موظف متقاعد وليس لديه عمل يتواصل به مع أفراد المجتمع في الفترة الحالية وإنما يبقى طوال اليوم جالساً في البيت مما يتسبب له بالملل والإحباط والحديث المستمر عن المشاكل والأزمات، ويقول، \"لا يمكن أن تصبح مرحلة التقاعد طريقا مسدودا في وجوهنا؛ فبعد الكفاح الطويل مع الحياة يصبح الإنسان المتقاعد عاجزاًَ على تأدية وظيفة معينة تُبعد عنه التهميش الذي يتلقاه من أفراد المجتمع وحتى من أسرته\".
ويضيف، \"بالرغم من إني أعيش على راتب التقاعد إلا إنه ليس المشكلة الوحيدة التي تواجهني وإنما إيجاد فرصة عمل تدفعني إلى التواصل مع المجتمع هي ما أبحث عنه حالياً\".
نقابة للمتقاعدين
بينما تتساءل الحاجة (فريضة محمد ـ 71 عاماً) موظفة سابقة في عقارات الدولة عن: عدم وجود نقابة ترعى حقوق المتقاعدين وتحلّ مشكلاتهم، فعلى سبيل المثال هنالك الكثير من النقابات اليوم مثل نقابة المعلمين ونقابة الفلاحين فلماذا لا تصبح لدينا نقابة المتقاعدين وهذا حقّ مشروع ما دامت الجهات المسؤولة بعيدة عنا.
وتابعت حديثها قائلة: هنالك مشكلة أخرى تتعرض لها شريحة المتقاعدين وهي ابتعاد الموظفين الجدد عن استشارتنا باعتبارنا أصحاب خبرات ولنا تجارب طويلة مع الحياة والعمل، فهم وللأسف يتعارضون مع فكرة (ابدأ من حيث انتهى الآخرون) وبذلك يصطدمون بصعوبات العمل ويكون الأذى على حساب البلد ومصالحه العليا من حيث قيادة مشاريعه بإدارات فتية تفتقر إلى الخبرة والمهنية في العمل.
بالمقابل يبيّن (جليل حسن -50 عاماً)، مهندس زراعي متقاعد \"بأن مرحلة التقاعد مهمة للفرد من جوانب عديدة منها أنه وصل إلى عمر يكون بصحة غير جيدة أو متقلبة فضلاً عن فسح المجال للجيل الجديد ليحلّوا محله مع إمكانية تقديم خبراته وتجاربه لهم ضمن المؤسسة التي يعمل بها أو تخصيص منظمات تسهل من عملية تواصل الكبار وذوي التجارب القديمة مع العاملين الجدد.
ويقول المهندس جليل، نتيجة للظروف التي طرأت علينا في زمن النظام السابق اضطررت إلى التقاعد من عملي والتوجه إلى عمل حرّ يدر عليّ مالا أكثر يكفيني للعيش مع أبنائي برفاهية، ورغم ذلك فأنا أتمنى أن أعود لعملي السابق لما له من مميزات نفسية واجتماعية فليس المال وحده الذي نجنيه من عملنا وإنما التواصل ورفد المجتمع بالطاقات والخبرات هو الأهم بالنسبة لي خاصة ونحن في بحاجة إلى بناء بلدنا والارتقاء به\".
[img]pictures/2010/02_10/more1266918836_3.jpg[/img][br]
الراتب التقاعدي
وعن التساؤل الذي طرحناه على بعض المتقاعدين حول اختيارهم العيش على راتب التقاعد بصورة كاملة أو تفضيلهم للعيش بين الأبناء والأحفاد، يجيب (محمد خميس - 57 عاماً) وهو عسكري متقاعد ويعمل فلاحاً في الوقت الحالي، \"أفضّل في هذه المرحلة من العمر العيش على راتب التقاعد مع ما أجنيه من عملي في الزراعة من دون الاعتماد على أولادي في هذا الجانب، وأعتقد أن راتب التقاعد مهم لنا للعيش مرفهين مع عوائلنا بصورة مستمرة، والحقيقة فقد عشت حياةً صعبة بعد تقاعدي في زمن النظام السابق حيث المرتب القليل الذي لا يكفي لسدّ المعيشة، أما الآن فهناك تحركات مثمرة للمسؤولين من باب زيادة الرواتب مع ما يتناسب والحاجات المعيشية.
طلب التفاتة
وعلى صعيد حاجة شريحة المتقاعدين إلى التفاتة الدولة والمجتمع لهم وضرورة الاعتناء بهم من قبيل إقامة احتفالات التكريم وتقديم الشهادات التقديرية لهم أو من خلال تشكيل نقابة للمتقاعدين تهتم بأمورهم وتبين دورهم وأهميتهم في الحياة؛ يؤكد المحامي (حامد عباس)، على ضرورة تعويض المتقاعدين وتقديم الرعاية لهم مقابل ما قدموه خلال سنين عملهم من الطاقات والجهود التي أسهمت في بناء البلد، وعملية الاحتفاء بهم وتكريمهم أمر مهم لإعطائهم الأمل في الحياة، وقال، لذا لابد من توفير سبل الرفاهية والراحة لهم أما من خلال زيادة راتب التقاعد وتوفير مكان يمارسون فيه هواياتهم، أو تشكيل نقابة تهتم بمشكلات المتقاعدين وتكون حلقة وصل بين المسؤولين وشرائح المجتمع الأخرى أسوة ببقية شرائح المجتمع مثل المعلمين أو المهندسين أو الصيادلة وغيرهم.
ان بعض المتقاعدين راحوا يعترضون على القانون الذي ادى الى اخراجهم الى دائرة الحياة التقاعدية خاصة بسبب الفارق الكبير في الرواتب التي يتقاضونها مقارنة بأقرانهم الذي لازالوا يمارسون العمل، فراحوا يطالبون بارجاعهم الى العمل من أجل تحسين اوضاعهم المعاشية متناسين تلك الشريحة الكبيرة من الشباب الذين انهوا دراستهم ولكنهم لا زالوا يعيشون حياة البطالة نتيجة عدم وجود فرص عمل في الدوائر الحكومية بسبب ازدحام تلك الدوائر بكبار السن ومستحقي التقاعد.
هذه بعض الصور التي يعيشها المتقاعدون في العراق، والتي شكلت لديهم مطالبات بضرورة العناية بهم واستثمار قدراتهم في مجالاتهم المهنية التي كانوا يزاولونها مع مراعاة ظروفهم الحياتية الجديدة، وهي مطالبات قد تصطدم بالمطالبات الكثيرة الداعية إلى القضاء على البطالة المستشرية بين الشباب وخاصة ذوي الشهادات والكفاءات العلمية، الأمر الذي يضع على عاتق الدولة أكثر من مسؤولية تتمثل في ضرورة السعي لإيجاد الحلول المناسبة لجميع المشكلات وعلى الميسر والمستطاع.
تحقيق: علي الجبوري
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- شاهد عيان: جيش الكيان الاسرا..ئيلي قصف الانسان والحيوان والشجر والحجر