حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ لم يكن في الحسبان فيما إذا كان السقوط الدراماتيكي المريب للموصل يفضي إلى تحرير دراماتيكي أيضا وبعد أكثر من سنتين من الاحتلال وبعد سلسلة حروب تحرير ملحمية، استقر مطاف التحرير في الموصل ـ التي شهدت الانتكاسة الأولى على يد داعش ـ وذلك بعد استكمال جهوزية القوات الأمنية وإطلاق فتوى الجهاد الكفائي تلك الفتوى التي ساندت قواتنا الأمنية وكانت خير ظهير لها وصححت القرار الخاطئ الذي اتخذه بول بريمر بحل الجيش والمؤسسات الأمنية العراقية ماولد فراغا امنيا كبيرا ساهم في تخلخل الوضع الأمني ونشوء المليشيات التي عاثت في الأرض فسادا إضافة الى الثغرات الأمنية الكبيرة التي جعلت من الإرهاب مستشريا بسهولة على أديم الوطن ناهيك عن الاحتلال الداعشي الغاشم لأكثر من ثلث العراق وفي فترة وجيزة ويبدو أن أخطاء الولايات المتحدة في العراق جعلت منه دولة فاشلة وعميقة ليسهل اختراقها عند "الحاجة " سواء من قبل أمريكا أو من غيرها لمآرب في أجندات العم سام تدور معظمها في فلك الفوضى الخلاقة التي أنتجت فيما بعد وتحت هامش الاحتلال الداعشي للعراق تورما سرطانيا شوفينيا ـ طائفيا تمثل بإحياء العقدة التاريخية المستديمة للجارة تركيا التي سبق وان استعمرت العراق لأكثر من أربعة قرون عجاف واعتبرت الموصل امتدادا جيوستراتيجيا لها ومازالت تطالب برجعة الموصل إليها كجزء من ميراث الدولة العثمانية وهى لاتفكر برجوعها إلى تركيا وتحقيق الحلم الإمبراطوري القديم فقط بل باحتلالها عسكريا وبالقوة برجوع جزء مبتور من أراضيها من الناحية السياسية وحسب مايرد في المخيلة الشوفينية للساسة الأتراك، ومن الناحية الاقتصادية فالموصل مدينة غنية بمواردها الطبيعية . نفذ هذا التورم السرطاني من خلال الخاصرة الرخوة للعراق والتي جاءت كنتيجة عرضية لتلك الفوضى ولبلد متخم بحزمة من المشاكل والأزمات والاستعصاءات أتى الاحتلال الاردوغاني لبعض مناطق الموصل مكملا لها فلتركيا معسكر بشرق الموصل في بلدة بعشيقة، تستخدمه منذ أيام صدام حسين لملاحقة مسلَّحي «حزب العمال الكردستاني pkk ». زادت تركيا من وجودها في المعسكر حيث بلغ 350 جندياً مزوَّدين بالسلاح الثقيل، ومسالة pkk كانت في الماضي القريب حجة لتمد فيها تركيا اذرعها لضرب التواجد الكردي الذي يناوئها ومنذ عام 1984 والتي ترى في هذا التواجد تهديدا مباشرا لأمنها القومي، ولكن هذه الحجة تطورت الى محاولة استرجاع الأحلام السلطانية التركية القديمة عبر بوابة الموصل الإستراتيجية فقد رأت تركيا أن العراق بأجمعه عبارة عن خاصرة رخوة وراحت تتحجج بان جميع دول الجوار العراقي الإقليميين موجودون في العراق ولكل دولة مآرب سيا/ طائفية او سيا/ اقتصادية خاصة بها فيما بلغت الغطرسة بالحكومة التركية أنها تريد للعراق أن يكون حديقة خلفية لها «لا يحق لأحد الاعتراض على وجودنا في العراق طالما ان العراق مقسم». وبهذا فان على تركيا أن تنتهز الفرصة لإعادة الروح الى أطماعها "التاريخية" التي غيبتها معاهدة (سيفر) والتي استمرت مطالبة تركيا بالموصل حتى بعد إلغاء هذه المعاهدة والتوقيع على معاهدة (لوزان) بين بريطانيا وتركيا عام 1923 ومع هذا بقيت حجة تركيا نفسها لا تتغيّر عادةً الموصل ولاية "عثمانية تابعة للدولة "االعلية" حتى بعد تغير الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط بناء على نتائج الحرب العالمية الأولى. ووجهت عصبة الأمم ضربة موجعة للرجل المريض أجهزت ولو مؤقتا على أطماعه في الموصل إذ قررت وبشكل قاطع عائدية الموصل الى العراق وتثبيت الحدود بين الدولتين وفق خط بروكسل حسب قرار مجلس العصبة عام 1924ثم صَدَرَ قرار مجلس عصبة الأمم بالإجماع في 16 كانون الأول 1925 بترسيم الحدود العراقية-التركية مع جعل خط بروكسل خطاً فاصلاً بين الدولتين وبقيت الموصل مدينة عراقية باعتراف المجتمع الدولي كافة . وذالك بعد أن تقاسمت دول التحالف تركة الرجل المريض في معاهدة سايكس بيكو 1916 واقتلعت الموصل من براثن تركيا وبعد أن أسقطت خلافة آل عثمان التي لم يكن لها أي خيار سوى إرجاع الموصل الى حضن العراق بحسب املاءات المنتصرين الكبار في الحرب العالمية الأولى على الرجل المريض الخاسر في تلك الحرب ولكن السيد اردوغان يريد أن يتجاوز جميع تلك الحقائق التي يعترف بها المجتمع الدولي كمسلّمة ثابتة باعتبار الموصل جزءا من التراب الوطني العراقي وهي حقيقة لاغبار عليها ولايوجد أي طرف إقليمي يشك فيها ماعدا الجانب التركي الطامع في أراضي الجيران (العراق وسوريا) بل راح اردوغان يكذّب تلك الوثائق والحقائق ويضربها عرض الحائط ويدعي كذبا وزورا أن تخوم هذين البلدين هما امتداد جغرا/ ديموغرافي تركي ولتركيا الحق في أن تكون في أي جزء منهما وهو مافعلته في الموصل مستغلة أزمة الاحتلال الداعشي للموصل والظروف الصعبة التي يمر العراق وتجاهلت بسبق الإصرار والتعمد جميع النداءات العراقية والدولية وفي الواقع لم يكن الاحتلال الاردوغاني لتراب العراق هو أول استفزاز خطير بل هنالك ملفات خطيرة أخرى لاتقل خطورة عن الاحتلال العسكري المباشر، ففي ملف المياه تواصل تركيا بناء سد "أليسو" في هضبة الأناضول مع منظومة عملاقة من 24 سدا على منابع نهري دجلة والفرات دون أن تكترث لدعوات المنظمات والجهات الدولية التي تحذر من كارثة بيئية في حوضي النهرين عند إتمام العمل بهذه المنظومة المرعبة، حيث تهدد دجلة بالجفاف وتجعله معتمدا على المنابع المحلية التي تقام عليها السدود، والأمر ينسحب على نهر الفرات أيضا. وملف آخر يتمثل باجترار ماضي (الخلافة) العثمانية وصراعها الطائفي الطويل والمرير مع الدولة الصفوية وعلى أسس طائفية وإسقاط ذلك الماضي الغابر على الحاضر المزدحم بالحرائق الطائفية لشرق أوسط مشتعل ومحاولة مناوأة إيران وإنشاء محور سني وتصدر العالم الإسلامي وهي محاولات عقيمة لن تكون لصالح احد وتشكل جميعها جزءا من منظومة الأوهام الاردوغانية المتوارثة من الرجل المريض . كاتب عراقي