حجم النص
بقلم:علي فاهم لم تكن واقعة كربلاء حدثاُ عابراً في صفحات تاريخ هذه الامة، بل كانت خط الشروع لأنبثاق روح المقاومة ضد الظلم والجور أبتداءاً من حركة التوابين ومتسلسلة بأنفجارات متتالية لثورات وأنتفاضات كان فتيلها المؤمنون بهذه المباديء الحسينية الثائرة وتستقر اليوم بطوفان الحشد الشعبي وحركات المقاومة التي غيرت معادلات وخربت خطط الاستكبار العالمي في تفتيت المنطقة وأفشل مشروع الشرق الاوسط الجديد بفوضويته الخلاقة، فمن أين أتت هذه الروح عند رجال وشباب ليدحروا مد الارهاب الاسود المدعوم من قبل دول عظمى والذي أسقط دولاً وحكومات وأنظمة ليتهاوى عند بساطيل الحسينيين، أنها روح المقاومة التي لاتقبل الاندثار منذ خلقت وعجنت من طين كربلاء على يد ثلة من رجال فضلوا الموت بعز على الحياة بذل، فنمت هذه الروح أفقياً لتشمل كل بقاع الارض وعمودياً لتمتد في وعي الامة، فكانت كربلاء هي الخطر والتهديد أمام جور الطغاة فحاولوا بكل ما أستطاعوا أن يقتلوا هذه الروح ويغتالوها بشتى السبل ولكنهم أكتشفوا أن روح كربلاء تشتعل اوارها كلما حاولوا أخمادها بالقوة فهي تكتسب قوتها وتزداد كلما زاد الظلم في معادلة طردية، فلم تنجح محاولات الامويين ومن بعدهم العباسيين ومن تبعهم في تصفية أتباع هذه المدرسة في السجون والحفر والتعذيب والقتل الجماعي وتتبعهم تحت كل حجر ومذر وما الحرب على العراق وسوريا والبحرين واليمن اليوم الا صفحات من هذه الحرب وما ضرب قاعة العزاء في صنعاء واستشهاد اكثر من 700 شهيد وجريح الا نموذج واقعي عن بشاعة العدو وقسوته وقبله مجازر سبايكر والمفخخات والذبح الذي طال اتباع هذه المدرسة الا حلقات في مسلسل القضاء على هذه الروح ولكنها كانت تفشل دائماً بل أتسعت وتوسعت ونمت وأثمرت فماتت تلك الدول وتماهت وستموت كل قوة مهما كانت منتفخة ومتورمة وبقت روح كربلاء تورق في كل جيل، ولكنهم عندما يأسوا من الاغتيال لأجساد من يحمل هذه الروح حاولوا طمس معالم هذه المدرسة وتحريفها عن أهدافها الحقيقية التي خرج من أجلها صانعها، من خلال تحويلها الى مجرد طقوس فارغة من المحتوى الواعي عندما انتبهوا أن كربلاء هي الدافع لروح المقاومة ومصدر الشحنات والطاقة الكامنة فأن لم يستطيعوا قتلها فاشلوها على الاقل أتذكر أن البعثيين في سبعينات القرن الماضي كانوا يزجون ازلامهم في ركضة طويريج التي كانت تجوب كربلاء وهتافات المعزين تصرخ بهتافات واعية ليحرفوا الهتافات الواعية الى هتافات سطحية لا علاقة لها بمسيرة الوعي الحسيني كهتاف (ياعباس جيب الماي لسكينة) وغيرها، وكما كل رسالات السماء وحركات الارض تعرضت النهضة الحسينية الى التحريف من قبل المتاجرين والمرائين والجهلة وخاصة بعض الخطباء والروزخونية الذين تسابقوا في التركيز على المصيبة والمأساة دون التأسي بالحسين (ع) وجعل البكاء وكميته هو المعيار لنجاح الخطيب من فشله دونما التطرق للمضمون والمحتوى العلمي مما أعطى زخماً كبيراً للعاطفة على حساب العلم والقيم والمباديء الحسينية السامية فكانت النتيجة الاستغراق بالمظاهر والطقوس وتحولت عاشوراء الى كرنفالات من الاحتفال الموسمي ينتهي بتفريغ الطاقة الكامنة والشحنات المقاومة على الذات لا على الظالمين فكان أشد ما أصاب النهضة الحسينية من انحراف وخاصة أنه أُلبس من قبل المنتفعين بثوب القدسية المانعة للاقتراب منه ونقده، ورغم هذا التحريف تبقى روح كربلاء كالعنقاء تخرج من تحت الرماد لتشعل الافاق ثورة ضد الظلم أينما كان.