حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال السفير: لغة من سفَرَ لعل أبرز اختزال للتوصيف أو تعريف آثار السفر وفوائده وأبعاده وتداعياته ومعطياته جاء بما يلي: تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تَفرُّج هـــــــــــمِّ واكتسابُ معيشــــــة وعلــم وآداب وصحبــة ماجــــد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: (سافروا تصحو وترزقوا) وقال صلى الله عليه وآله: (السفر قطعة من العذاب، وإذا قضى أحدكم سفره فليسرع الإياب إلى أهله) ونحن نعتقد أنه على المسافر أن يكون سفيرا لبلده من خلال الانطباع الجيد الذي يعكسه عن نفسه وعن بلده ودينه. وفي السفر تدون الذكريات في الماضي كم كان بعضنا عند قيامه برحلة معينة من بلد إلى آخر يكون شديد الحرص على حمل كاميرا للتصوير الفوتغرافي لالتقاط الصور للأماكن الجميلة أو المواقف الممتعة ثم حفظها في أرشيف ليتأملها بين فترة وأخرى ويمعن النظر ليقدح في ذهنه زند الذكرى فتتوقد بالجمال. كان ذلك قبل ظهور أجهزة (الموبايل) المتنوعة والمتطورة. التي داهمتنا لتكون بديلا عن كل كاميرات الفيديو والفوتوغراف المحمولة سابقا. وراحت ذاكرات هذه الأجهزة (الرام) تزدحم بآلاف الصور والمقاطع الفيديوية. لكن مهما ازدادت سعة ذاكرات هذه الأجهزة فإنها لا تبلغ مدى مساحة ذاكرة الإنسان التي تحتفظ في جزء بسيط منها بملايين الصور من تلك التي يصعب حذفها. صور يتعذر حذفها في آخر سفرة سياحية دينية جميلة ممتعة إلى جمهورية إيران الإسلامية لزيارة المراقد المقدسة واجهتنا الكثير من المواقف الجميلة وكونت لدينا ملاحظات كثيرة. من الطبيعي مثلما يتواجد الخير في كل مكان وزمان كذلك لا يخلو أي مكان من تواجد ما هو رديء وهذان النقيضان يحلان في كل مكان. نادرا ما تجد مسافرا يعود وذاكرته تخلو من الصور المتنوعة أومن تجسيد المواقف المتباينة والاحتفاظ بها جميعا. ورب موقف معين يعكس لك صورة أو تصورا عن بلد بكامله أو مجتمعه برمته. وهذا ما يدعو الكثير من الناس لأن يتحاشى أو يتجنب أي تصرف غير لائق أو غير مقبول مع الغرباء كي لا يبدي انطباعا أو صورة غير مرضية عنه وعن بلده ومجتمعه. في رحلتنا الممتعة التي شملت مدنا كثيرة وعديدة عشنا مواقف جميلة وتعرفنا على أناس أجمل يتسمون بالطيبة ويتحلون بالخلق الحسن وحسن المعاشرة. وفي الوقت نفسه واجهنا مواقف تناقض ذلك. وهكذا كما يحصل في كل مكان وزمان وقد مررنا بمحطات كثيرة وسجلنا مشاهداتنا.تلك المشاهدات التي كونت لدينا تصورا معينا وولدت ملاحظات محددة. وكانت بعض المحطات تستحق الوقوف فيها أو عندها كما تستحق التدوين في الذاكرة أو بالتصوير. ومسألة تدوين هذه المشاهدات وذكر ما حدث فيها من مواقف يتطلب وقتا طويلا وشرحا أطول . خصوصا حين تقضي أياما معدودة. أول التقاطة وتجنبا للإطالة وحتمية التوقف الطويل نتجاوز الكثير من المحطات ونتوقف عند ثلاث منها فقط وندون ثلاثة مواقف. المحطة الأولى: ما أن ترجلنا من الطائرة في مطار طهران استقبلنا أحد ضباط الجوازات المسؤول عن ختم تأشيرة الخروج. هذا الموظف الذي يحمل رتبة عسكرية معينة كادت صيغة استقباله أن تحفزنا أو تجبرنا على العودة على الفور إلى مطار النجف الأشرف الذي لمسنا فيه معاملة حسنة وانطلقنا منه للتوجه إلى طهران..كدنا أن نعود لولا تجاهلنا للأمر والرضا بما اقتضى . كان هذا الموظف أشبه بمن يضمر لنا شيئا في نفسه،غاضبا متشنجا مستقبلا لنا بأسلوب فج دون أن نعرف السبب لذلك. وبما أننا غرباء نتحاشى سطوة الحاكم المتسلط ونعلم أن بعض الموظفين يتخذ من نفسه حاكما وآمرا وناهيا و..و..و.. إلخ. لذا كان علينا أن نسكت ونتجرع. إلا أنني لم أكتف بذلك فقد توجهت إلى أحد زملاء ذلك الضابط وهو يحمل رتبة أعلى من هذا الموظف ولعله كان مسؤولا عنه وظيفيا فبعد أو وجدته يتجول ويتفقد وأشبه بمن يراقب المواقف وشاهد الموقف بأم عينه. سلمت عليه فأجاب بهز رأسه ـ كما هي عادة الكثيرين ـ وسألته: هل زرت العراق وبالذات مدينة كربلاء المقدسة ؟ فأجاب نعم! سألته كيف وجدتم التعامل والخدمة فيها للزائرين والوافدين ؟ أجاب: جيدة جدا! فقلت له: إذن لِمَ هذا التعامل والتصرف ونحن أيضا زوار وقد وضعنا للتو أقدامنا على أرضكم كضيوف وزوار ؟ فتبسم ابتسامة عريضة خجلة وانصرف ولم ينبس ببنت شفة. حين ذاك أدركت بأني انتزعت منه اعترافا بالخطأ ومن ثم اعترافا بنموذجية الخدمة التي تقدمها كربلاء المقدسة وأهلها لكل وافد إليها. أرجو أن لا أكون مملا في بعض التفاصيل قال رسول الله صلى الله عليه وآله من عرف لغة قوم أمن مكرهم المحطة الثانية:عند تجوالنا في مدننا المقدسة الشريفة اعتدنا أن نلاحظ معظم الإرشادات أو العلامات الدالة أو الإعلانات التي تعتلي ناصيات الشوارع الرئيسية والطرق والممرات أو تستقر على واجهات المحلات من تلك التي ترشد الزائرين الكرام تكتب باللغة الفارسية إلى جانب اللغة العربية الأم وذلك بسبب تواجد الزائرين الإيرانيين الكرام. ورغم أن مدن جمهورية إيران الإسلامية تزدحم بل تضج بالزائرين العراقيين والعرب من كل مكان إلا أننا كنا نود أن نجد بعض الإرشادات أو الإعلانات مكتوبة باللغة العربية إلى جانب اللغة الفارسية لتسهل علينا أمورا كثيرة في التعامل أو في التجوال. هذا ما كنا نحتاج إليه لكننا افتقدناه. المحطة الثالثة: تعرض أحد أطفالنا إلى وعكة صحية مفاجئة وبما أننا على مقربة من الصحن الرضوي الشريف فقد توجهنا بالسؤال إلى أحد الإخوة المنتسبين عن المستوصف أو المفرزة الطبية في الصحن المقدس فأرشدنا إليه مشكورا وقد سمي (دار الشفاء) وتوجهنا إلى هناك. وأثناء التوجه راحت تتراءى لنا صورة المفرزة الطبية في الصحن الحسيني الشريف وما تقدمه من خدمات مجانية للزائرين الكرام وخدمة يشهد بها ولها القاصي والداني فضلا عن مجمع سفير الحسين عليه السلام الذي يقدم الخدمات الطبية . ولكن وصولنا لهذه الدار ودفع المبلغ لقطع التذاكر للدخول إلى الطبيب (الباص) ومن ثم الدخول إلى الطبيب الذي كان عليه أن يراعي الكثير من الجوانب وفي مقدمتها الجانب النفسي لكن الصورة خيَّبت الظن في أن نفلح بما كنا نتمنى وأوشت لنا أن: (ما كل ما يتمنى المرء يدركه) ومرورا بشراء الدواء من صيدلية الدار نفسه وانتهاء بالعودة مرة أخرى لدفع أجرة (زرق الأبر) رحلة قصيرة وانتظار طويل كلفنا الكثير وأوشى بأن مراجعتنا لطبيب أخصائي كانت أقل كلفةً وأسهل بكثير من هذه المراجعة مما دعا أن تتلاشى في أذهاننا فكرة التشابه بين صورة ذلك المستوصف الذي زرناه والمبلغ الذي دفعناه وبين صورة المفرزة الطبية في الصحن الحسيني الشريف ومجمع السفير وما يقدمانِه من خدمات مجانية على مرور الأيام والليالي لكل وافد إلى المدينة المقدسة دون استثناء ودون تمييز أو مفاضلة بين فرد وآخر عندها اعتصرني شوقي إلى لقاء مدينتي وفرض عليَّ اعتزازي أن أحزم حقائبي وأحمل على عاتقي قبل حقائب السفر أقصى حرارة الشوق والتوق للعودة إلى مدينتي ذات الصورة الناصعة البياض التي تميزت واشتهر أهلها والساكنون فيها وحتى المنتمون إليها روحيا تميزوا واشتهروا بتقديم أفضل الخدمات لكل من يفد إليها وبمختلف أنواع الخدمة وأنماطها وبالمجان دون أي مقابل بخدمة كل وافد إليها وإلى الإمام الحسين عليه لسلام وهذا ما يشهد به كل قاصٍ ودان. وهو ما يمنحهم الحق في أن يفخروا غاية الفخر ويجعلوا ذلك مصداقا لهتافهم الأبدي... لبيك يا حسين
أقرأ ايضاً
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي