حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ كان متوقعا منذ أن أحيل ملف البرلمان إلى المحكمة الاتحادية للبت في أزمته التي اندلعت على خلفية مسالة التصويت على كابينة "التكنوقراط"، متوقعا بان تبت الاتحادية برجوع البرلمان إلى وضعه الأول أي (إلى ماقبل 14 نيسان الماضي) بإلغاء جلستي يومي 14 نيسان التي أقيل فيها رئيس مجلس النواب سليم الجبوري من قبل جبهة " الإصلاح"، و26 نيسان التي صُوت فيها على التعديل الوزاري، بعد تقديم الخبراء تقريرهم في موعده المحدد والإجابة عن جميع النقاط المطروحة من قبل المحكمة، فالمحكمة الاتحادية بهذا الإجراء أثبتت استقلالية القضاء العراقي عن الضغوطات السياسية والاحترابات الكتلوية ومهنيته العالية، وقدرت حساسية الظرف الذي يمر العراق فيه وأهمية توفير الحد الأدنى من "الانسجام" المطلوب لأهم سلطة سيادية في البلد (البرلمان) وهي بذلك قطعت الطريق على المزيد من الفوضى والتشاحن، لاسيما وان البرلمان لم يكن موفقا في أحسن حالاته في تشريع أو إقرار القوانين التي تصب في خدمة الشعب بسبب المناكفات السياسية والمضاربات والمزايدات الحزبوية والكتلوية، فكيف وهو يعاني من تشرذم وانقسام واضحين بعد أن انشطر إلى معسكرين متناقضين متكايدين كل معسكر يدلي بدلوه ويقدم "الأدلة" النقلية والعقلية على صحة توجهه ومعقولية رأيه وكل معسكر له امتدادات سياسية وكتلوية وإعلامية وشوارعية وربما مليشياوية ايضا وهذا يعني أن الرأي العام العراقي قد انشطر بدوره إلى قسمين أو جهتين متناقضتين اختارت أحداهما توصيف (جبهة) وهي جبهة "الإصلاح" البرلمانية ـ المعتصمون سابقا ـ وهو توصيف استعاري يدل على إن المنضوين في هذه الجبهة هم (الصقور) المستعدون للقتال والتضحية من اجل طروحاتهم التي اختزلوها بمطالبَ طالما تمنى الشارع العراقي تحقيقها واعتبرت أساس الداء العضال الذي أصاب العملية السياسية وتجلت تلك المطالب ـ إن صدقت نوايا مطلقيها ـ بالعبور فوق المحاصصة العرق ـ طائفية والقفز فوق الاملاءات الفوقية من رؤساء الكتل (حيتان السياسة) وتوخي تأسيس عملية سياسية جديدة على أسس وطنية فضلا عن محاربة الفساد. لست بصدد مشروعية هذا الانشطار أو توقيته الذي لم يكن مناسبا بالمرة ف(جبهة)الإصلاح التي اعتصمت لحين تحقيق مطالبها "المشروعة" استندت على جملة مطالبَ "إصلاحية" وكان يُفترض أن تطرح منذ بداية تأسيس العملية السياسية التي بدئت بمشروع تحاصصي عرق ـ طائفي سُمي في وقتها بمجلس الحكم الذي (كان يضم 25 عضوًا وينتخب رئيسًا لهم من بين الـ 25 عضوا لمدة شهر حسب الترتيب الأبجدي وبموجب التمثيل الديمغرافي والطائفي والاثني لتركيبة المجلس) وهو مشروع راقَ لأكثر المتصدين للعمل السياسي إن لم يكن لكلهم آنذاك وهم يتحملون أوزار خطايا التأسيس والانحراف ومايزال الكثيرون ينسجون على نفس المنوال، وليس بالجديد القول إن العملية السياسية التي تأسست وفق النموذج اللبناني (المبني على أساس المحاصصة العرق ـ طائفية حيث توزع المناصب السياسية بحسب الطوائف والأحزاب التي تدّعي تمثيلها بدلاً من تأسيس دولة مدنية ديمقراطية تساوي بين مواطنيها وهو ماحصل في العراق بالضبط) فقد أرسيت حسب منهج الديمقراطية التوافقية وتحت غطاء استيعاب التناقضات التي يكتظ بها المشهد السوسيو/ السياسي العراقي وهو ما أتاح لجميع الفرقاء السياسيين أن يشاركوا في غنيمة السلطة التي تحولت الى بقرة حلوب، والاستحواذ على اكبر قدر ممكن من "الكعكة " الريعية فضلا عن تمركز واستمكان هؤلاء هم واحزابهم وذيولهم وامتداداتهم وبدون توخي مقاييس الكفاءة والوطنية وعلى حساب الجمهور الذي بقي أكثره يعيش تحت خط الفقر وتحت هامش معيشي وخدماتي وامني مزرٍ، الأمر الذي أوصل الفاسدين وسراق المال العام الى جميع مفاصل الدولة العراقية وفي اكبر ظاهرة للفساد المالي والإداري في تاريخ العراق الحديث وفي منسوب مالي منهوب بلغ مئات المليارات من الدولارات حرمت العراقيين من تحقيق عيش كريم وانجاز تنمية مستدامة تتناسب والمردودات المالية "الانفجارية" الضخمة والتي لم يجنِ منها العراقيون سوى السراب والفقر المدقع وخيبة الأمل. ومن ركام الفوضى التي انتابت البرلمان من منتصف نيسان الماضي وتداعيات الاقتحامات التي قام بها متظاهرون غاضبون لموقع البرلمان وأعمال التخريب المتعمد لأروقته ناهيك عن الاعتداء على أعضائه ومن كتل اخرى لاتمثل هؤلاء المتظاهرين. أقول: قد بدا يلوح في الأفق بعض الأمل بان هنالك تأسيسا ما لبوادر تشكيل كتلة معارضة في البرلمان تؤدي الدور الرقابي كجبهة معارضة حقيقية وليس شعاراتية تهريجية ولأول مرة والذي غاب عنه لأكثر من 13 سنة وهو من صلب وظيفة البرلمان (رقابة + تشريع) بعيدا عن التهريج وضمن الأطر القانونية والدستورية وعدم تعطيل الحياة السياسية وإحداث فراغ سياسي بحجة "الإصلاح"، وهذه الكتلة تكون عابرة للمحاصصة / العرق ـ طائفية، وقافزة فوق الاملاءات السياسية خاصة من حيتان السياسة وديناصورات الفساد لتقويم الأخطاء في العملية السياسية ومنع الفساد والتفرد باتخاذ القرارات ". فهل ستكون هذه "الصحوة" خارطة طريق لملامح عملية سياسية جديدة تخرج عن الشرنقة اللبنانية.نقول (لعل) و(عسى). كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟