حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ الكلام حول جريمة داعش الذي تبناها في باريس والتي راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح اكبر من التحليلات السياسية والتنظيرات الأمنية واخطر من كونها حدثا إخباريا يخضع لمزاج ناقل الخبر او متلقيه فهذه الجريمة ترقى في ضخامة حدثها الإستراتيجي المزلزل الى مستوى أحداث 11 / سبتمبر التي وقعت في قلب نيويورك سنة 2011 فكان من المنطقي ان تتخذ الولايات المتحدة ردود أفعال انتقامية ضد الإرهاب وتشن حربا لا هوادة فيها ضده بعدما مُرغت كرامتها في الوحل ومن المنطقي ايضا ان يكون ما بعد 11 / سبتمبر مغايرا لما قبله وكان الحدث المروع فاصلة غير مرنة لعصرين وتاريخين وايضا لحالتين منفصلتين ومن هذا المنطلق ينبغي اعتبار أحداث (الجمعة الدامية 13 /11 الماضية) في باريس حدثا يفصل بين تاريخين وحالتين ليس لفرنسا وحدها بل وللمجموعة الأوربية وحلف الناتو الذي وافق على إعطاء دعمه العسكري لفرنسا وبحسب طلبها بموجب معاهدة لشبونة (انه في حالة الاعتداء المسلح على أي دولة عضو بالاتحاد الأوروبي فإن الدول الأخرى عليها الالتزام بالمساعدة والدعم بكل السُبل الممكنة لديها.) وكان وزير الدفاع الفرنسي لو دريان قد أكد أنه قدم في بروكسل طلبا رسميا لتقديم المساعدة العسكرية لبلاده “استنادا لتلك المعاهدة ولاستعادة هيبة فرنسا كدولة عظمى والعضو الدائم في مجلس الأمن والعضو الفعال في الناتو. أحداث باريس التي سبقها بيوم واحد أحداث برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت والتي راح ضحيتها العشرات تشي بان تمدد وتغول الإخطبوط الداعشي الذي عاد بمقدوره ان يضرب دولتين (واكثر) في وقت متقارب وعلى ضفتي المتوسط اي في قارتين فالعملية النوعية التي ضربت برج البراجنة والتي تعد معقل حزب الله لم تكن هي الاولى فقد سبقتها عمليات نوعية اخرى كانت كلها رسائل انتقامية وجهها داعش لحزب الله كرد على دوره في الحرب الأهلية السورية ومقارعته للتنظيمات التكفيرية التي عاثت في سوريا تخريبا وفسادا ، وفي باريس فالعملية النوعية التي قام بها داعش ولم يكتفِ بذلك بل وبتكرار عملياته النوعية الإرهابية ليس في فرنسا فحسب وانما تهديد دول اخرى كالسويد فهذه العملية ليست حدثا إرهابيا عابرا بل تحتاج الى جهد استراتيجي اممي عابر للمصالح والأيدلوجيات ويضاهي ذلك الجهد الذي وقف بوجه النازية التي اعتبرها العالم انذاك عدوا وخطرا مشتركا للسلم الدولي فتعاونت الكثير من القوى الدولية ضده متناسية توجهاتها الأيدلوجية وتوسعاتها الحيوية لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وغريمها الاتحاد السوفييتي وادى هذا الجهد الاممي الى الإطاحة بالنازية وتغيير الكثير من معالم الخارطة الجيو ستراتيجية للعالم الذي استراح من خطر النازية التي كلفت العالم اكثر من ستين مليون ضحية ولا يحتاج الأمر الى تفكير في معرفة الخطر الداعشي كتنظيم إرهابي يعتبر العالم باسره مجالا حيويا لإجرامه بعد ان تمركز في العراق والشام من خلال "دولته" المزعومة التي ينطلق منها كمرتكز يستقطب الإرهابيين من كافة دول العالم لاسيما الذين هم من أصول شمال افريقية (وهم الذين يشكلون النسبة العظمى للجالية الإسلامية في فرنسا التي تضم اكبر الجاليات المسلمة في أوربا، والنسبة الكبرى من الخلايا النائمة والمتطرفة والمتأثرة بالفكر السلفي الظلامي المتوحش) او من اصول شيشانية او قوقازية التي تشكل العمود الفقري للارهاب الذي يهدد الامن القومي الروسي. داعش الممتد خطره على اهم المفاصل الجيبولوتيكية في العالم اصبح ينتقي اهدافه بسهولة ويحددها مكانيا وزمانيا وينفذ ضرباته باحتراف عال يكشف عن مستوى الدعم اللوجستي والمخابراتي والمادي فضلا عن الخبرات التي تقدمها الدول الراعية والحاضنة والممولة له لذا يتحتم على المجتمع الدولي اضافة الى الجهد الاممي المشترك في مقارعة داعش ان يوحد جهوده لتجفيف ليس فقط المنابع التي تمول الإرهاب ماديا ولوجستيا بل وفكريا وعقائديا بتجفيف منابع الفتاوى ووسائل الاعلام التي تحرض على الكراهية والتكفير وتسوغ قتل الاخر المختلف وانتهاك حرماته ونهب ممتلكاته وهو ما حصل في العراق وسوريا، وعلى المجتمع الدولي ايضا ان يترك المحاباة والمجاملات الرخيصة ووضع اليد على منابع التمويل الذي ساعد داعش على ان يتحول الى وحش "اسطوري " خارق ومرعب. المرونة التكتيكية والتمكن الإستراتيجي جعل داعش يستهدف دولتين في الوقت نفسه ولهدفين مختلفين وان بديا متشابهين يجمعهما مناوأة داعش والانتقام، ضرب داعش دولة صغيرة كلبنان لضرب حزب الله (الروافض) وفي الوقت عينه ضرب دولة عظمى كفرنسا التي اتخذت قرارها المسؤول في مقارعة داعش وهي عضو في التحالف الدولي لضرب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ومؤخرا في سوريا. فجاءت الضربات الإرهابية انتقاما لموقف فرنسا هذا ولإعطاء درس موجع لبقية دول التحالف الذي تقوده امريكا. وبحسب البيان الاخير لداعش الذي توعَّد فيه فرنسا (وهو رسالة الى دول اخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة) بعقاب قاس كرد فعل على العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف ضد داعش على مواقع التنظيم في العراق وسوريا ويجب اخذ البيان على محمل الجد كونه ينبئ ان القادم سيكون اكثر دموية ليس في فرنسا فحسب، ولهذا فان الرئيس الفرنسي هولاند اختزل المشهد الفرنسي الدامي بقوله: (فرنسا تواجه حربا حقيقية يجب ان تُواجه بحرب مقابلة، لا تخوضها فرنسا وحدها، بل البشرية جمعاء) وللعلم ان فرنسا هي من اوائل الدول التي انضمت بعد 2014 الى الولايات المتحدة في مجال مقارعة الارهاب ولها دور فاعل في هذا المجال. اقول: العالم كله يدفع باهظا ثمن التراخي واللامبالاة والتباطؤ والأجندات المريبة للدول العظمى تجاه التمدد الداعشي الذي فاق خطره خطر النازية والذي اصبح العالم كله مجالا حيويا مفتوحا ليمارس نشاطاته الإجرامية كما دفعت فرنسا ثمن خطيئتها وتخبطها في سوريا كونها تشبثت بمشروع إسقاط الاسد ودعمت مايسمى بالمعارضة التي ثبت انها مجرد تنظيمات إرهابية مازالت تغذي الخلايا النائمة بالإرهابيين (وقبلها في مدريد ولندن وأنقرة والحبل على الجرار) فرنسا كررت خطأ الولايات المتحدة التاريخي في أفغانستان بصناعة وحش القاعدة وتحت غطاء محاربة السوفييت "الكفار" وبالتواطؤ مع الوهابية السعودية والمخابرات الباكستانية التي تشكل قبائل البشتون السلفية المتشددة عماد عناصرها ، وتحت غطاء إسقاط ديكتاتورية بشار الاسد مولت فرنسا التنظيمات الإرهابية التي ارتد إرهابها على قلب باريس وهو ماحصل في باريس. وانا شخصيا لا اميل الى توصيف داعش بالعصابات الهائجة العابرة للحدود او هم مجرد "هواة" حسب رأي الرئيس اوباما، او مجاميع مسعورة لاتقاوم شهيتها المفتوحة للقتل والتدمير وانما هو تنظيم حقيقي محترف وله أجندات بعيدة المدى وممول تمويلا واسعا وبسخاء من دول ذات اقتصادات ضخمة وله ماكنة اعلامية وفتوائية هائلة يستطيع ان يغسل أدمغة الكثير من الشباب ويكسبهم الى صفوفه ويعوض بهم خسائره وله ايضا ماكنة عسكرية مخابراتية مفتوحة على الاخر. ان عولمة الحرب على الإرهاب هي الرد الحقيقي والمعادل الموضوعي لعولمة الارهاب نفسه. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (11)
- الإرهاب...لادين له...عبر التاريخ / 11
- الإسلام دين السماحة..والنبي محمد مبعوث الرحمة والإنسانية / 11