حجم النص
بقلم // مهدي الدهش لازلت أتذكّر تلك الأيام حيث كُنت في سن السادسة أو السابعة من العمر، وتلك الحكايات والقصص المثيرة التي كانت تُتلى على مسامعي مِن قِبل والدي قُبيل النوم، وأنا وسط حالة من الذهول والاندهاش العالي. ولازلتُ أذكر تلك القصص وهي ترتسمُ في مُخيلتي وإن غابت عن ذاكرتي بعض تفاصيلها الصغيرة. ففي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان أدب الطفل يُعد جزء مهم في بناء العقلية والمُخيلة الجيدة عند الأطفال ولأعمار مختلفة، حيث النِتاج متنوّع مابين القصص المطبُعة والمجلات مثل مجلة (المزمار و مجلتي) والبرامج التلفزيونية (كبرنامج وليد حبوش هيا نلعب) ومسرح الطفل وسينما الطفل وغيرها، بل وحتى الأفلام الكارتونية التي كانت تُعرض على شاشة التلفاز، وكانت هناك مؤسسات تُعنى بتطوير أدب الأطفال، لشعور المجتمع بأهمية هذه الفئة العُمرية، حيث ستتولى قيادة الدولة و المجتمع في قابل الأيام. واليوم ما هو حال هذا الفن الممتع والمؤثر في الوقت معا ؟ حيث نلحظ غياب الأسلوب السردي الهادف لقصص الأطفال على حساب تنامي التيار التكنولوجي " أي الصورة الملوّنة مع الحركة " والذي أضاع متعت الاستمتاع والتصوّر عند الأطفال وبالتالي ضعفت القدرة التَخيُلية والإبداعية لديهم، حيث أخذت التصورات تُدار مِن قِبل أناس آخرين يقع على عاتقهم التفكير و التخيّل ونسج التصورات بدل المُتلقي نفسه. وإذا كان من حق الأطفال على المجتمع أن يوفر لهم لوازم البناء الجسدي والرعاية الصحية والغذائية وبأشكالها المختلفة، فإن الكُتّاب والمُثقَفين والمربين يقع عليهم واجب تحقيق البناء الفكري والإنماء المعرفي للأطفال وكذلك التوجيه الثقافي مع إشباع الحاجات النفسية والروحية لديهم وذلك من خلال وضع الكتب والقصص والحكايات المناسبة لأعمارهم والمتلائمة مع درجة استيعابهم العقلي ضمن المرحلة العمرية التي هم ضمنها. ومن أجل تكوين مجتمع من القُراء والمتابعين مُتفتح الذهنية وواسع الثقافة والإطلاع، علينا أن نبدأ بالأطفال كون عقولهم غضّه وشخصياتهم مرنه وحساسيتهم للتأثر بالغه. وهنا كان لزاما على الكُتّاب تَوخي الحذر في انتقاء الأفكار الواجب توظيفها ضمن كتاباتهم وطبيعة اللغة من حيث السلاسة والسلامة والسهولة في تناولها لمادة فكرية مُحددة، حيث يُمثّل ذلك النتاج للأدباء في معظم الأحيان، ما يتوقون إلى تحقيقه أولئك الأطفال في حياتهم ومن ثم يعمدون إلى محاكاته وتقليد أنماطه سلوكيا. وقد تنطوي هذه الأساليب في التأليف على بواطن محرّضة أحيانا للعُنف والقسوة والعدوانية في بعض جوانبها، وهنا يكمن الحذر، فعلى الكاتب أن لا يقع في هكذا مطب يصعب تداركه فيما بعد. حيث لا يخفى أن مثل هذه الكتابات ذات الطابع السلبي وغير المناسبة للأطفال شكلاً ومضموناً تؤثر بشكل مباشر في نفسهم وتدفعهم للجنوح وهم في مُقتبل العمر وبداية مشوار الحياة الطويل، فعلينا عند التأليف القصصي للطفولة توخي الحذر في هذه النقطة بالذات و الابتعاد عنها بشكل مُطلق، والسعي لوضع الأفكار بإطار مناسب ذو طابع حواري تواصلي بين الكاتب وهذه الفئة العمرية الحساسة و المهمة في الوقت نفسه، من أجل تنمية ما نريد نشره من قيم وممارسات إيجابية واتجاهات عقلانية مُحبة للإنسانية والحياة بعيدا عن التَطرّف والانحياز الضيّق.
أقرأ ايضاً
- أين اختفوا ؟
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة