- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قراءة في كتاب علم اللغة العام لفردينان دي سوسر
حجم النص
د. سليم الجصاني ترجمة د. يوؤيل يوسف عزيز كتاب علم اللغة العام هو محاضرات عالم اللغة السويسري فردينان دي سوسر (1857- 1913) صاحب المدرسة التي عرفت فيما بعد بالمدرسة التركيبية البنيوي. فسوسر صار من أكثر الاسماء أهمية في البحث اللغوي المعاصر وقد درس اللغة بذاتها لذاتها وقال ان اللغة كيان مستقل لا يمكن تجزئته, وقد قام نظر سوسر على الثنائيات كثنائية اللغة والكلام, ومحوري التعاقب والتزامن وغيرها، وسعى دوسوسر إلى الأخذ بمحورين في دراسة اللغة: الأول منهما يركن إلى الفهم الأفقي يبتعد الزمن عن التدخل فيه ويشكل هذا المحور وجهة النظر الوصفية, وأما الآخر فيمثل المحور الرأسي الذي يعتمد على أساس التغير الزمني ويشكل هذا المحور وجهة النظر التاريخية. الفصل الأول: وفيه نظرة سريعة لتاريخ علم اللغة والحقائق اللغوية التي مرت بثلاث مراحل منها اهتمام الدارسين بالصيغة الصحيحة والصيغة غير الصحيحة في دراسة معيارية, وصولا بالمراحل إلى اكتشاف العلماء لإمكانية مقارنة اللغات مع بعضها ثم شرع الفصل الثاني بتناول موضوع علم اللغة ومجاله وعلاقته بالعلوم الأخرى حيث يرى أنه يضم جميع مظاهر الكلام عند الإنسان, سواء أكان ذلك في المجتمعات البدائية أم المتمدنة, وفي الفترات الكلاسيكية أو الفترات المتأخرة..." (ص24). وعلم اللغة يتصل بالعلوم الأخرى على نحو قد لا تميز بينه وبين بعض العلوم إلا على شكل خيط رفيع، فهو يقدم للعلوم مثلما تقدم العلوم له. ثم يأتي الفصل الثالث ليبين هدف علم اللغة ويشير في هذا الفصل إلى أن اللسان له جانب فردي وجانب اجتماعي فضلا عن احتوائه على نظام ثابت "كما ينطوي على عملية التطور, فهو في كل لحظة نظام قائم بذاته ونتاج للزمن الماضي"(ص27). ثم يلخص المؤلف إلى مميزات اللغة التي يرى فيها أنها شيء محدد واضح داخل اللا تجانس في عنصر اللسان, ثم أن اللغة تختلف عن اللسان, فاللسان غير متجانس على خلاف اللغة التي يرها متجانسة وإن كلا من اللغة والكلام شيء ملموس فاللغة نظام اجتماعي وهي نظام من الاشارات System of sign التي تعبر عن الأفكار. وأما الفصل الرابع فقد عنونه: علم اللغة وعلم لغة الكلام إذ يقول "فاللغة ضرورة إذا أريد للكلام أن يكون مفهومه يحقق الغاية المتوخاة منه, ثم ان الكلام ضرورة لتثبيت أركان اللغة", والكلام عنده ليس وسيلة جماعية بل مظاهر فردية قصيرة الزمن. وجاء الفصل الخامس ليوضح العناصر الداخلية والخارجية للغة أو ما يصطلح عليه بعلم اللغة الخارجي بتأثيراته الخارجية كالحوادث التاريخية الكبير والاستيطان والعلاقة بين اللغة والتاريخ السياسي وغيرها فضلا عن إبداء رأيه في علم اللغة الداخلي الذي يرى أن اللغة نظام له ترتيب خاص كالشطرنج الذي لا يتغير بتغيير المادة المكونة لعناصره كالخشب أو الألمنيوم أو الحديد ولكنه يتغير بالتقليل من عناصره أو الزيادة عليه لذا هناك فرق بين النظام الداخلي والتأثير الخارجي. ثم يأتي الفصل السادس ليشرح الصورة الكتابية للغة، فاللغة والكتابة نظامان متميزان من الإشارات والهدف الوحيد الذي يسوغ وجود الكتابة هو التعبير عن اللغة, (ص42). ويبين استقلال اللغة عن الكتابة فضلا عن تبيانه لأنظمة الكتابة. بعدها يعرض المؤلف في الفصل السابع من الكتاب إلى النظام الصوتي (فونولوجي) Phonology وهذا العلم يختلف عن علم الصوت Phonotics "فلا يجوز المزج بين علمين متميزين باستخدام تسمية واحدة لكليهما. إن الفونتيك علم تاريخي, يحلل الأحداث والتغييرات, ويتحرر من خلال الزمن, أما الفونولوجي فيقع خارج الزمن, لأن عملية النطق لا تغيير أبدا" (ص51) فعلم الصوت Phonotics جزء مهم من علم اللغة, وأما النظام الصوتي Phonology فهو علم مساعد يعنى بالكلام فقط. وفي نهاية فصوله يدرس الفونيمات في السلسلة الكلامية والحاجة إلى دراسة الأصوات في هذه السلسلة. الجزء الأول: ضم هذا الجزء ثلاثة فصول كان أولها قد أشار إلى طبيعة الإشارة اللغوية ومفهوم كل من الإشارة sign والمدلول signifild والدال signifier, ويعد الإشارة اللغوي كيانا سايكولوجيا له جانبان يوضحهما برسم يشير إلى علاقة بين الفكرة والصورة الصوتية. وجاء في الفصل الثاني توضيح صفة الثبوت وصفة التغيير في الإشارة، وأما ثالث الفصول فنجده يتناول علم اللغة الثابت والمتطوع إذ يبدأوه سوسر بالإشارة إلى الثنائية لجميع العلوم التي تعنى بالقيم. وتناول الجزء الثاني علم اللغة السنكروني بفصول ثمانية كان أولها قد عرض لمبادئ عامة منها أن "ليست الحالة اللغوية في الواقع نقطة بل فترة من الزمن يكون فيها المجموع الكلي للتغييرات الحاصلة ضئيلا جدا ينحصر في الحدود الدنيا. وقد تضم هذه الفترة عشر سنوات أو جيلا أو قرنا بل أكثر من ذلك"(ص120)، وتناول الفصل الثاني الكيانات الملموسة للغة, والفصل الثالث بيّن فيه التطابق اللغوي والحقائق الواقعية والقيم، تلا ذلك فصل رابع للقيم اللغوية بعدِّ اللغة فكرة منظمة مقرونة بالصوت, وفهم القيمة اللغوية من وجهة نظر فكرية وكذلك من وجهة النظر المادية، وجاء الفصل الخامس ليوضح العلاقات السنتاكمية والإيحائية، واما جهاز اللغة فقد جاء توضيحه في الفصل السادس، وفي الفصل ذاته عرض المؤلف للاعتباطية النسبية والمطلقة, وفي السابع عرض للقواعد وأقسامها ليصل إلى الفصل الأخير الذي بيّن فيه دور الكيانات المجردة في القواعد. الجزء الثالث: كان موضوعه علم اللغة الدايكروني وضم هذا الجزء كسابقه ثمانية فصول تناول فيها المبادئ العامة لهذا المفهوم والتغييرات الصوتية المطلقة والمشروطة وكون التغيير الصوتي له أثر لا حدود له, ودور التطور الصوتي في كسر قيد القواعد ومحور تركيب الكلمة, والقياس وظواهره وعلاقته مع التطور، وكون القياس قوة محافظة وهو في الوقت ذاته يمثل قوة للتجديد. وتناول المؤلف في الفصل السادس الأصول الشعبية للكلمات أو ما يصطلح عليه بالأتمولوجيا الشعبية، ومفهوم اللصق Agglutination، ويختم فصول هذا الجزء بشرح الوحدات الزمنية والتطابق والحقائق الواقعية. والجزء الرابع: يتناول علم اللغة الجغرافي في أربعة فصول ليتناول مسألة العلاقات المكانية بين الظواهر اللغوية في تنوع اللغات في إشارة إلى مواطن التشابه والاختلاف بين اللغات فضلا عن الفروق ضمن الأسرة اللغوية، ومسألة التعقيد في التنوع الجغرافي وأساليبه وتأثير الزمن في المنطقة المتصلة وكون اللهجات واللغات ليس لها حدود طبيعية، فضلا عن انتشار الموجات اللغوية. الجزء الخامس: كان عنوان هذا الجزء هو "في علم اللغة المختص بتأمل الماضي" وقد جاء في خمسة فصول تناول فيها نظرتين لعلم اللغة الزمني, وعرض للغة الأقدم واللغة الأم, وإسهام اللغة في علم المجتمعات البشرية (الانثروبولوجيا) وعلم ما قبل التأريخ, والنمط اللغوي وعقل المجموعة الاجتماعية وصولا إلى دراسة الأسر اللغوية والأنماط اللغوية ليختم بهذا الفصل جزءه الخامس. خاتمة العرض الكتاب كما أشير في مقدمة العرض هو محاضرات لعالم اللغة دوسوسر جمعها تلميذاه جارلس بالي والبرت سيكاهي لذا هو يخلو من بعض المسائل المنهجية كالخاتمة وقائمة المصادر والمراجع وغيرها. وعلى الرغم من الخدمة الجليلة التي تقدمها الترجمة للعلوم والمجتمعات لكنها تظل تحمل شيئا من الخيانة للنص المترجم عنه ولاسيما في نص تعاورت عليه المصطلحات الفرنسية والانكليزية, وصدر عن عالم شغل العلماء والمتعلمين بما جاء به من أفكار وتصورات ظلت إلى يومنا هذا موطن نقاش وتحاور لأجل فهم أنمى لهذه المحاضرات، ولكن ما يدعونا إلى شيء من الاطمئنان في العودة إلى هذا الكتاب هو الشخصية العلمية المتحققة في تثبيت الأمانة العلمية للترجمة ومراجعتها لكل من العالمين: الدكتور يوئيل يوسف عزيز والدكتور مالك الطلبي. ولا بد من الإشارة إلى إن هذا العرض هو تبيان لعنوانات الكتاب وليس عرضا بمعناه الحقيقي الذي يليق بالكتاب ومؤلفه.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"
- مسؤولية الأديب في زمن الاحتضار.