- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فتوى المرجعية ،،، وسقوط الاقنعة
حجم النص
عباس المرياني كانت ولا زالت المرجعية هي صمام الامان لكل العراقيين بل المسلمين عبر قرون من الزمن، واما ما يخص زماننا وبالتحديد بعد سقوط طاغية العراق وما صاحب ذلك من صعاب ومحن وفتن وبلاء مر به البلد، وجدنا المرجعية بحكمتها ووعيها للمرحلة قد تصرفت بذكاء وواقعية مع الاحداث ففي الوقت الذي لم تؤيد فيه الاحتلال رغم كونها وطائفتها هي المستفيدة من زوال النظام الظالم، كذلك لم تدعوا الى مقاومته العسكرية لوعيهابعدم جدى ذلك وان لهذا مردود خطير كبير من زهاق الانفس بلا نفع، مع الاخذ بنظر الاعتبار عدم تكافؤ ميزان القوى وكون البلد قد انهكته الحروب والحصار لعقود، وبين الموقفين الذين لا يجد الكثير لهما ثالثا، اتخذت المرجعية موقفا حكيما اسقط ما بايدي الاحتلال واستنقذ ما ستنقذ من الارواح وحقق الكثير من المنجزات، فلم تجامل الاحتلال ولم ترض باللقاء معه رغم محاولته لتظهر له ولغيره بعدم تأييدها، واكثر من ذلك دعت الى مقاومته سياسيا واسقطت الكثير من اوراقه واوراق اخرى، فدعت الى عملية سياسية والى انتخابات نزيهة عادلة وشجعت الشعب عليها ومن ثم الى كتابة دستور للبلاد وغير ذلك من الخطوات، بالتالي رعت عملية سياسية يشترك فيها الجميع تخرج البلاد من عنق الزجاجة، وفعلا نجحت بذلك وحصل ما ارادت رغم الصعوبات والفتن ورغبة المحتل بغير ذلك، بعدها دفعت بالسياسيين الى الضغط على المحتل للخروج فكانت الاتفاقية بسحب القوات وفق جدول زمني محدد ليتولى العراقيون حكم انفسهم بانفسهم، وحصل ما ارادت، وبذلك دفعت عن البلد شر الاحتلال واسقطت ذرائع من اضر بالبلد بحجة مقاومة المحتل، وبذلك اثبتت وبجدارة انها على حق في انتهاجها نهج المقاومة السياسية لا العسكرية بمردوداتها الكارثية، ثم لم تكتف بذلك بل بقيت ترى العملية السياسية وارفاد السياسيين بالنصح والارشاد والدعوة الى بناء دولة مؤسسات لا دولة اشخاص تحفظ كرامة الشعب وتلبي حاجاته، بلا ان تفرق بين مكوناته، كما انها وقفت بوجه الفتنة الطائفية التي عملت اطراف داخلية وخارجية ودول على اشعالها، رغم ما وقع باتباعها ومن حيف وظلم وقتل وتهجير، تخرج في كل مرة تهديء الوضع وتطفيء نار الفتنة. لكن للأسف لم يكن السياسيون على قدر المسؤولية وخطورة المرحلة، بل انشغل اكثرهم بمصالحه الحزبية والشخصية وتفشى الفساد في الدولة حتى وصل بالبعض الى الاضرار بالدولة ومؤسساتها من اجل تحقيق مصالح ضيقة، ولم يأخذ الكثير منهم بتوصيات المرجعية بان يكونوا على قدر المسؤولية ان يخدموا هذا البلد بنزاهة وحرص، مما حرى بالمرجعية ات تغلق الباب بوجههم مع استمرارها برعاية العملية السياسية، وبتقديم النصح والارشاد لبناء دولة مدنية عادلة واستغلال خيرات البلد وامكاناته وخدمة هذا الشعب المظلوم، لكن ونتجة لعدم استماع اكثر السياسيين لنصحها ولوجود مؤامرات داخلية وخارجية دخل البلد بازمة كادت ان تأتي عليه، تمثل بالاحداث الاخيرة من سقوط الموصل وبعض المدن، وكاد ان يسقط البلد باسره في ايدي القوى التكفيرية التي لا ترعى إيلا ولا ذمة، ولا تجيد الا القتل والافساد في الارض، فما كان من المرجعية وبعد تكشف العدو وتشخيصة الا ان تدعو العراقيين الى الجهاد والوقوف بوجه هذا العدو المتوحش، دفاعا عن ارض هذا البلد وكرامته وعرضه ودفع الشر عن جميع مكوناته، ويمكن ان نلخص المردودات العظيمة لهذه الفتوى بما يلي: اولا: انها انقذت البلد وبشكل فوري من نهاية كارثية وفتنة كادت ان تحرق الاخضر واليابس، لا يعرف بعواقبها الا الله. ثالنيا: ان الفتوى رغم انها كانت في اجواء من الشحن الطائفي الا انها اتت بطريقة ذكية جنبت البلد استغلال هذه الفتوى لاغراض طائفية من قبل اطراف خارجية وداخلية لعبت على الوتر الطائفي مرارا وتكرارا وبذلت في سبيل ذلك كل امكاناتها، حيث كانت الفتوى: ١. كفائية: اي ان التطوع للقتال ليس على جميع الشعب بقضه وقضيضه، بل يكون بمقدار الحاجة، وهي دفع الخطر، وبهذا جنبت البلد الفوضى. ٢. انها تكون عن طريق مؤسسات الدولة الامنية وان الدولة هي الراعية والمسؤولة عن عملية التطوع والجهاد، ولهذا فائدتان: الاولى: منعت بعض الاطراف من استغلالها ومنعت من قيام ما يسمى بالميليشيات، والاخرى: وهي ما عملت عليه المرجعية من فكرة بناء الدولة المدنية، فكان موقفها هذا دعما لهذه الفكرة. ٣. ان الفتوى لم تكن طائفية، بل كانت دفاعا عن جميع العراقيين ضد عدو واحد محدد وهو العصابات التكفيرية (داعش). ٤. توجيه المرجعية للمتطوعين والقوات المسلحة الى مراعاة حقوق الانسان من دماء واعراض واموال وحرمة التعدي عليها. ٥. ما رافق ذلك من عمل انساني قامت به المرجعية من الدفاع جميع المكونات والطوائف واحتضان النارحين وتوفير السكن والدعم لهم وكذلك الدعم للقوات المسلحة. كل هذا جعل العالم يعترف بان هذه الفتوى انما جاءت من اجل كل العراقيين بل لها نفع حتى لدول المنطقة، وتتوج هذا الاعتراف بزيارة الامين العام للامم التحدة بان كي مون الى سماحة السيد السيستاني (دام ظله) والاشادة بوقفه وانه رجل تسامح وسلام وانه الملهم لاتباعه وللعالم. وبهذا سقطت اقنعة من حاول اللعب على الوتر الطائفي ويتهم المرجعية او الفتوى بانها طائفية. ثالثا: ان الفتوى وحدت ابناء البلد ضد عدو واحد، كما انها كشفت عن حب الناس لدينهم وطاعتهم لمرجعيتهم، فما ان صدرت الفتوى حتى وجدنا الناس تخرج عن بكرة ابيها ملبية نداء المرجعية وباذلة لنفسها دونها، في موقف يعجر الحاذق البليغ عن وصفه، وبذلك اسقطت اقنعة من راهن عن تخلي الناس عن دينهم او مرجعيتهم. رابعا: وجدنا ان الفتوى قد ردمت ما كان موجودا من هوة بين ابناء المذهب بسبب بعض الجهلة الذين قسموا المذهب على اسس شخصية فذلك صدري وهذا سيستاني وغيرهما، فوجدنا ان هذه العناوين قد ذابت وتوحد الجميع خلف مرجعيتهم. خامسا: ان المرجعية اثبتت بذلك انها على قدر عال من المسؤولية والوعي والدقة والتتبع للاحداث والمعرفة بعصرها والمواكبة له، فاسقط ما بايدي من يدعي الحداثة والعصرنة من ان المرجعية معزولة عن عصرها لا تعلم ما يدور فيه، حتى وصل بالبعض ان يشيع ان المرجعية بدأت تتآكل. سادسا: انها اسقت اقنعة البعض ممن ادعى المرجعية وطرح نفسه وهو غير مؤهل وتصدى لما هو ليس اهلا له، بحجة انه يسد الفراغ وان ما موجود من مرجعيات هي مقصرة لم تنزل الى الشارع ولم تلبي المتطلبات، الى غير ذلك من خداع ومكر سولت به انفس هؤلاء لينفروا الناس عن مرجعيتهم ويطرحوا بضاعتهم بعد كسادها، فما كان بهذه الفتوى الا ان اسقطت ما بايدي هؤلاء وسحبت البساط من تحت ارجلهم، لذا لا نجد لهم الآن صوتا الا ان وقفوا مبهوتين قد القموا حجرا. سابعا: واخيرا قد ثبت بما لا يقبل الشك عظم منزلة المرجعية وبعدها عن الدنيا وزخارفها وانها على بصيرة من دينها وامرها، وانه هناك يد غيبية وراءها، هي من اسست هذا الكيان الشامخ وهي من ترعاه، فرغم ان الدولة ضعيفة وان الامور بيدها والكلمة العليا لها، الا انها لم تحاول تحقق اي مكاسب دنيوية او سلطوية او مادية بل بالعكس هي تبذل كل ما عندها من امكانيات معنوية ومادية رغم استقلالها ماديا عن الدولة، تبذل كل ذلك من اجل بناء الدولة المدنية العادلة التي تحفظ كرامة الانسان، دولة مؤسسات لا دولة اشخاص او احزاب. قد ادت المرجعية ما عليها وبقى امران: احدهما: على الشعب ان يلتف حول مرجعيته التي لا هدف لها سوى خدمته وبلا مقابل ويأخذ بنصحها وتوجيهاتها، ويتعرف على اسلوبها الحكيم في توجيه الامور. ثانيهما: على السياسيين ان يكونوا على قدر المسؤولية، من النزاهة والوعي بعيدا عن الانانية والحزبية والمصالح الضيقة، وان يجعلوا من المرجعية قدوة ومصدر الهام كما اوصاهم الامين العام للامم المتحدة، ولا يضطروها الى التعامل باسلوب آخر من اجل حفظ مصلحة البلد.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- المرجعية الدينية.. مشاريع رائدة وطموحات واعدة