- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كاتب كردي يكشف ما يمنع من التقسيم الفعلي وانفصال اقليم كردستان عن العراق
حجم النص
بقلم:عبدالغني علي يحيى نعم لو لم يكن هناك من مانع لاستقلال كردستان وقيام الدولة الكردية في شمال العراق، لكانت الأخيرة مستقلة منذ عقود، وبالأخص بعد الحرب العالمية الأولى، ولكانت الدولة الكردية قائمة منذ ذلك الزمن، أسوة بالشعوب التي تحررت من الإمبراطورية العثمانية. وثمة أدلة على جهود إقليمية ودولية، عدا الداخلية العراقية، للحيلولة دون حصول كردستان العراق على الاستقلال؛ ففي نهاية تلك الحرب، نالت شعوب كثيرة استقلالها ومارست حق تقرير المصير الذي صاغه الزعيم السوفياتي فلاديمير لينين في الشرق والرئيس الأميركي وودرو ويلسون في الغرب، ويبدو أن الكرد كانوا مستثنين من ذلك الحق. إذ عندما أعلن الشيخ محمود البرزنجي عن حكومته الملكية، ومن قبل أن تقوم الدولة العراقية، إثر «ثورة العشرين» أصبح للعرب العراقيين دولة، في حين حرم الكرد من الاستقلال على الرغم من مشاركتهم الفعالة في تلك الثورة، ثم سلمت أمور الدولة العراقية الفتية إلى العرب السنة الذين لم يشاركوا في الثورة أصلا. وتعرضت حكومة البرزنجي لقمع الحكومتين البريطانية والعراقية معا. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، قامت «جمهورية مهاباد» في كردستان إيران، بيد أنها سرعان ما أسقطت وأعدم مؤسسها القاضي محمد. وإذا علمنا أن الجمهورية تلك كانت مسنودة من قبل السوفيات الذين تخلوا عنها، فهذا يعني أن الشرق أيضا كان يعارض قيام «الدولة الكردية» أو استقلال أي جزء من كردستان. وبين الحربين تعرضت كل الحركات الكردية المطالبة بالاستقلال والحرية للمطاردة والقمع، ففي كردستان العراق، مثلا، أفشلت حركة الشيخ أحمد بارزاني في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، وفي عام 1943 قضي على ثورة بارزان. إن السبب الرئيس من وراء تعذر قيام «الدولة الكردية» يكمن في تقسيم - أو تقاسم - «كردستان الكبرى» بين العراق وتركيا وإيران وسوريا. ولقد زادت من تكريس «احتلال» هذه الدول لكردستان ومنعها من الاستقلال، ثروات كردستان النفطية، فضلا عن ثروات أخرى مائية وزراعية وسياحية.. إلخ. بل إن باحثا عراقيا سبق أن نوه إلى ذلك في الستينات من القرن الماضي حين قال: «لولا غنى كركوك بالنفط لكانت الحكومات العراقية قد اعترفت باستقلال كردستان من دون تردد». وتواصلت المساعي الإقليمية والدولية لمنع كردستان العراق من الاستقلال في كل العقود والعهود؛ ففي عام 1963 أرسلت سوريا وحدات من جيشها إلى كردستان العراق لمحاربة الثوار الكرد، وتردد في ذلك العام أيضا قيام حلف «السنتو» (حلف المعاهدة المركزية، «حلف بغداد» سابقا) بقصف مواقع الثوار الكرد، علما أن التدخل الإقليمي والدولي المسلح لإخماد الثورة الكردية وبشكل محموم جاء ردا على مشروع لمنغوليا التي اعتزمت طرحه في الأمم المتحدة لأجل استقلال كردستان العراق، غير أن المشروع أحبط في المهد. وفي عام 1975 أنهت «اتفاقية الجزائر» بين شاه إيران وصدام حسين (نائب الرئيس العراقي آنذاك) وبمباركة أميركية، الثورة الكردية 1961 - 1975، وتبين أن الهدف الأكبر من توقيع تلك الاتفاقية، كان وأد الثورة الكردية. ودل ذلك الحادث على أن الحكام العراقيين يفضلون التضحية بسيادة العراق وأرضه مقابل ألا ينال الكرد استقلالهم أو يتمتعوا بأية صيغة لحل قضيتهم، حتى وإن كان الحل يبقي على وحدة الأراضي العراقية، كصيغة الحكم الذاتي مثلا. وفيما بعد ظلت هواجس الدول المتحكمة بكردستان من قيام الدولة الكردية قائمة؛ ففي عام 1983 وقع العراق وتركيا اتفاقية عسكرية تسمح لكل طرف بمطاردة الثوار الكرد داخل أراضي الطرف الآخر على الحدود بينهما. وما زالت الاتفاقية هذه معمول بها من الطرفين إلى يومنا هذا ولم تلغ، على الرغم من الخلافات الكبيرة بين الحكومة العراقية والحكومة التركية في المواقف والسياسات بشأن الشؤون الإقليمية للمنطقة، مع جواز إلغائها كونها غير موثقة في منظمة الأمم المتحدة. ثم في عام 1991، عقب قيام حكم ديمقراطي كردي بفضل الحماية الدولية لكردستان العراق ضمن خط العرض 36 فإن عواصم الدول المجاورة، دمشق وطهران وأنقرة، كانت - وعلى امتداد سنوات - تعقد اجتماعات دورية لمحاربة الحكم الكردي شبه المستقل، وما زالت تحلم بالقضاء عليه. ما أشبه اليوم بالبارحة، فقبل أيام عندما صرح مسعود بارزاني بأن استقلال كردستان آت، وإذا بالمالكي ينكر عليه بقوة هذا الحق المشروع، وأيدته أميركا عندما رفضت الانفصال وأكدت تمسكها بوحدة العراق. إن الشروط لاستقلال كردستان العراق متوافرة وموجودة، إلا أنها تصطدم اليوم، مثلما اصطدمت في الماضي، بموانع عراقية داخلية وأخرى إقليمية ودولية. لذا، نرى أن هناك حقا ما يمنع من استقلال كردستان العراق وقيام «الدولة الكردية».