من وحي القافية الحسينية ومن ثنايا واقعة الطف الخالدة بصرخات العقيلة.. مُزج حبرُ الشعراء مع دماء الشهداء ليُّسطِر بنبلته أروع الملاحم وأشجى الأبيات الخالدة التي لازال ينزف عبقها ليرويَّ الأجيال بفيض طيبها وشذاها.
ومن أولئك الشعراء المبدعين الشاعر الحسيني الكبير بقصائده ذات الصور الفريدة والمعاني العميقة والكلمات الدقيقة الأستاذ جابر الكاظمي الذي تشرف بزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) واقتنصنا فرصة وجوده واجرينا معه الحوار التالي:
ما هي هوية الأستاذ جابر الكاظمي ؟ ومتى بدأت عندَه بوادر الشعر لتسلك الطريق إلى الإبداع؟
الكاظمي: جابر جليل كرم البديري الكاظمي شاعر عراقي، ولدت في مدينة الكاظمية (التي ينسب اسمي إليها) عام 1956. وكان معظم أسرتي يكتبون الشعر ومنهم الشيخ عبد الستار الكاظمي والدكتور عادل الكاظمي، درست الدراسات الأكاديمية ثم درست الأدب العربي، هاجرت من العراق سنة 1980 إلى سوريا ثم ما لبثت أن انتقلت إلى إيران سنة 1982 حيث ترأست هناك جمعية الشعراء الشعبيين وعملت مقدماً لبرنامج ( نادي الشعر الشعبي ) في إذاعة طهران وذلك في القسم العربي منها حتى عام 1988 الذي هاجرت فيه إلى لندن حيث محل إقامتي الآن، بدأت بالشعر الحسيني عام 1974، وأكتب باللغة الفصحى واللهجة الدارجة..
كيف التحقت بموكب الشعر؟
الكاظمي: الأمر أشبه بقصة خياليّة، ففي يوم من الأيام أردتُ أن أرسم كالأطفال، فاشتريتُ دفتراً وقلماً من المكتبة، وجلستُ أمام التلفاز بانتظار افتتاح القناة الساعة التاسعة صباحاً، وبدلاً من أن أرسم وجدت نفسي أكتب الشعر... ربما كان التحوّل سريعاً هكذا بسبب البيئة الأسرية، فوالدي شاعر وبعض إخوتي وأهلي شعراء بالفصحى، وكنا في العراق نستمع لغُرر قصائد الرثاء الحسيني لفحول الشعراء. وبذلك كان الدفتر والقلم اللذين اشتريتُهما بـ 20 فلساً بداية الدخول العفوي للشعر.
لكل شاعر بيئة يكتب فيها ليصوغ عواطفه وأفكاره شعراً، فهل لجابر مثل ذلك؟
ربما أكتبُ القصيدة وأنا في بيت صديقي أو بالبيت... ليست لي وضعية محدّدة لكتابة الشعر، فوقتما أريد- أكتب... ولكوني أكتب الأدب للأدب فأنا لا أحبّ ملازمة الرواديد كما أني قليل الحضور في المجالس والمآتم، ولعلّ السبب عدم ميلي للظهور الإعلامي.
قصائدكم الحسينيّة هي الأكثر شيوعاً وأظهر إعلامياً، ما السر في ذلك؟
الكاظمي: صحيح أن 70 إلى 80 في المئة من قصائدي حسينيّة، ولكن لي قصائد تتناول الشأن السياسيّ، ولديّ ديوان عنوانه «قصائد سمح بنشرها» موضوعها سياسيّ، ولي مشاركات في الأمسيات الشعرية، مثلاً، كانت لي مشاركة في هولندا وقفتُ فيها ساعة ونصف الساعة ألقي الشعر بطريقة أعجبت أحد المخرجين العراقيين الذي قال لي «لم أتصوّر أن هناك شاعراً قادراً على تمثيل هذه القصيدة مثلك»، والرادود من وجهة نظري يقرأ ويتصرّف في الموكب على طريقته، ولكني في المحافل أقرأ لنفسي... ولعلّ من أشهر قصائدي «سهرة مع إبليس» وهي غير منبريّة.
باسم الكربلائي وقصائد جابر الكاظمي ما سر هذا الاقتران، وهل تفضل أمثال هذا الاقتران بالنسبة للشعراء والرواديد الآخرين؟
الكاظمي: حينما كنتُ في إيران وقدمت وفود العراقيين الهاربين من النظام آنذاك تكونت مجموعات بدأت تمارس أنشطتها الدينية هناك، وأنا كنتُ أكتب لبعض الرواديد الشعر، وفي إحدى المرّات تعرفت عن طريق أحد الإخوة بباسم وهو ينشد على المنبر وكان يصغرني سناً، وأنا أنظر للرادود بوصفه راوية للشاعر، ولا أنظر للعملية بشكل معكوس كما هو شائع بأن وراء كل رادود شاعر، وحقيقة كان باسم هو أكفأ من نهض بقصيدتي، وأنا أفضل أن يكون لكل شاعر- قراءً- وليس قارئا واحدا رغم وجود تمايز وبشكل ملحوظ بين القراء، لان الكثرة تأخذ من القيمة النوعية وقد يتمكن قارئ واحد من الوصول إلى أعلى ما ينشده الشاعر في قصيدته، خصوصا إذا كان الرادود متفقا مع فكر الشاعر وما يسعى لإبرازه في قصيدته.
باعتقادك ما الذي يميز الشعر الحسيني عن بقية أنواع الشعر الأخرى؟
الكاظمي: الشعر الحسيني هو الشعر الشامل الكامل وباقي سائر الإشعار تجتزئ منه أو روافد من هذا البحر، بمعنى انك تستطيع من خلال الشعر الحسيني أن تأخذ أي معنى وأية صورة تشاء لان القضية الحسينية شملت كل ما في الكون من معاني ومشاعر وأخلاق ومعطيات مختلفة، حتى أن المتابع للشعر الحسيني ليلاحظ أن هناك الكثير من الصور والإيحاءات التي تطرق لها الشعراء سواء كانوا شعبيين أو شعراء فصحى قد أخذوها أو ربطوها بواقعة الطف وما جرى فيها من أحداث، واعتقد أن هناك باحثين قد ألفوا كتبا في هذا الموضوع.
هل أنتم مع فكرة بناء دور أو معاهد لتعليم طرائق وأسس قراءة المراثي الحسينية؟
الكاظمي: من الواجب أن تنشر المدارس التربوية بين طيات الكتب والمواد الدراسية أشياء عن واقعة وشخص وتربية الإمام الحسين (عليه السلام) إما ما هو رأي اعتقد لو أنشئت مثل هذه الدور والمعاهد ستكون منارا لكل إبداع يتجلى باسم الحسين (عليه السلام)، كما أنها ستخلق أجيالا واعية لأهداف تلك الثورة العظيمة وتكون سلاحا فكريا قويا للرد على أية دعاوى كيدية تريد تشويهها أو التقليل من شأنها .
ما هي سبل الارتقاء بالمنبر الحسيني من نافذة القصيدة الحسينية؟
الكاظمي: حقيقة، إذا انكب الشاعر على الأدب الحسيني سوف لن تخرج القصيدة سليمة بالمنظور الكامل، بينما لو احتك بالآداب الأخرى والثقافات الأخرى فمن الممكن أن يطور القصيدة الحسينية ليس عن طريق تلك الآداب بل من خلال تنمية فكره وصقل ذاكرته بسعة الاطلاع على شعراء الآداب الأخرى، وأفكارهم، وطرق التعامل مع الصور الشعرية المختلفة وطرق إيصالها إلى المجتمعات وحسب نوع الثقافة التي يحملونها.
هل من رسالة توجهونها إلى المبتدئين أولا والمبدعين ثانيا؟
الكاظمي: أقول للمبتدئين أهم شيء في الأدب الحسيني هو الإخلاص في العمل والشيء الآخر هو المواظبة والمثابرة في دراسة أدب الطف من الناحية الفكرية ثم الفنية لتشكيل أجمل الصور وإبراز الواقعة وفق أسلوب خاص به وان لا يتكئ على الذي قبله من الشعراء لتطوير وتجديد واعتناق فكر جديد يصبو في رسم وإيضاح أدب الطف عبر نافذة جديدة تكون لها الخصوصية والفرادة أما المبدعين فهم من ينصحوننا ويرشدوننا إلى الأحسن، وأدعو لهم ولجميع من يعمل في خدمة أهل البيت(عليهم السلام) بالتوفيق.
هل ترى أن للشاعر الحسيني دورا في اعتناق الأجانب خاصة للإسلام؟
الكاظمي: هذا وارد وقد لمسته من خلال كتابات ابني (علي) الحسينية باللغة الانكليزية والتي حاز فيها جوائز عديدة فمرة قدم قصيدة باللغة العربية لكن باللغة الدارجة (العامية) بقوله: أنا أحب أن اكتب باللغة الدارجة لأنها اقرب إلى السامع وبعد قراءتي لها قلت له لا تكتب بهذه الطريقة لأنها كانت كمن يكتب أول قصيدة له وأشرت عليه بالاستمرار باللغة الانكليزية، واليوم أراه حقيقة قد أصبح فارسا فيها.
في عاشوراء الحسين ( عليه السلام) لما لا يكون حضور لعمالقة المنبر الحسيني في مدينة الحسين ( عليه السلام) ؟
الكاظمي: من فوهة واحدة قد يكون يخرج النور ويسير، لكن لو كانت له نوافذ عديدة وفي مكانات مختلفة فإنه يصل بصورة أكثر وينتشر انتشارا كبيرا، وان من مميزات ذلك الأمر انه ينمي ويعطي أهمية أوسع والماما شاسعا في عاشوراء عن ذكرى واقعة الطف، كما انه قد يعطي صورا للحادثة من جهات مختلفة بحيث تغني هذه القضية أو تحيد بأكثر جوانبها، الأمر الذي قد يجعلنا نظفر بالنجاح في قضيتنا وفي تحقيق أهدافها التي استشهد الإمام الحسين(عليه السلام) من اجلها.
أخيرا، ما هي أكثر قصيدة تخالج النفس وتصدح عند جابر الكاظمي؟ وما هو جديدكم في الشعر؟
الكاظمي: كل قطرة دم بشرياني تهتف باسمك ياحسين.
فهذه القصيدة كل ما اذكرهُا أرى إني لستُ من كتبها، على الرغم من أن قلمي هو من خط حروفها وكنت قد نظمتها في (اكس فور ستريت) شارع في لندن وهي اليوم مخطوطة في الصحن الحسيني الشريف، أما جديدي في الشعر فهي القصيدة الأولى التي كتبتها ( يوم أعله النبوة) والتي كتبتها في عام 1974م، ومطلعها:
صار الوداع الرهيب والقلب شاجر لهيب
ساعة التوديع جــلت بين محبوب وحبيب
حاوره /حسين الخفاجي
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- شاهد عيان: جيش الكيان الاسرا..ئيلي قصف الانسان والحيوان والشجر والحجر