- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إستشراء الفساد وسط المحامين . . . وخطورته على تحقيق العدالة
حجم النص
بقلم:د. رؤوف محمد علي الانصاري إن أحد أبرز مخاطر الفساد على المجتمع والدولة هو تعاطي الرشوة التي إستفحلت في السنوات الاخيرة بصورة واسعة في جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها... لاسيما بين صفوف المحامين، رغم وجود القوانين التي ينبغي لها ردع المرتشين ، منها ما جاء في بعض نصوص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، حيث نص القانون في الباب السادس (الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة)، وجاء في الفصل الاول منه (جريمة الرشوة) المواد من 307 ـ 314. هذا فضلاً عن ان قانون المحاماة العراقي يعاقب المحامي الذي ينتهك أخلاقيات المهنة ويضع العقاب على المحامي الذي يغدر بموكلهِ أو يضر بحقوقهِ عمداً أو إهمالاً. وتُكمن خطورة الرشوة انها تقف عائقاً أمام تعزيز حكم القانون وبناء الدولة المدنية العادلة التي تقوم على أساسِ العدلِ والحق والانصاف . إن من صور جريمة تقديم الرشوة هي: قبول المحامي بالتواطؤ ضد موكله، حيث يقبل بعض المحامين بتلقي الرشوة لعرقلة تحقيق العدالة... أو لأجل غض النظر عن إجراء معين قد تسمح بخسارة حقوق موكليهم... كما حصل معنا في السنوات الاخيرة عندما تواطئ مجموعة من المحامين الذين تم توكيلهم في الدعوى التي أقيمت على اثنين من المهندسين المحتالين اللذين إستوليا على حقوقنا المترتبة بذمتهما ، حيث ساهموا بتغيير مجرى العدالة عبر إجراءات غير قانونية وغير أخلاقية من أجل حفنة وسخة من المال الحرام... ومما يؤسف له ان البعض منهم تربطنا بهم صداقة تمتد لأكثر من أربعين عاماً... وقد أثار هذا العمل غير الانساني الذي قام به هؤلاء المحامين سخط بعض القضاة في محاكم كربلاء، حيث وصفوا ذلك: بأنها جريمة أُرتكبت من قبل محامين تخطو ميثاق الشرف وأخلاقيات المهنة الانسانية العظيمة التي ينتمون إليها. للرشوة مساوئ ومخاطر عديدة على أفراد المجتمع... فكيف إذا كان متعاطيها من المحامين الذين أقسموا اليمين بالدفاع عن حقوق الناس وحمايتهم. إن جريمة الرشوة محرمة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد نهى الله سبحانه تعالى عن ذلك وحذر منه في قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتُدلوا بها الى الحُكَّام لِتأكُلوا فَريقاً من أَموالِ الناس بِالإثم وأنتُم تَعلمُون) سورة البقرة ـ الآية 188... وفي قوله تعالى: (سَماعون للكذبِ أكَّـالون للسُّحتِ فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وان تُعرِض عنهم فَلن يَضُروك شيئاً . وإن حَكَمت فأحكم بينهم بالقِسطِ إن الله يُحب المُقسطين) سورة المائدة ـ الآية 42... وفي قوله تعالى: (وتَرى كثيراً منهم يُسارعون في الإثم والعدوان وأكلهِمُ السُّحت لَبئسَ ما كانوا يَعملُون) سورة المائدة ـ الآية 62. قيل ان أصل السُّحت الاستئصال، يقال: أسحته إسحاتاً: إذ إستأصله وأذهبه... وفي قوله تعالى : (فَيُسحِتكم بعذابٍ وقد خَابَ من افتَرَى) سورة طه ـ الآية 61... أي يستأصلكم به. فَسُميّ الحرام سُحتاً لأنه لابركة فيه لأهلهِ ويهلك بهِ صاحبه هلاك الاستئصال... وإن كلمة السُّحت التي جاءت في الآية الكريمة هي قبول الرشى محرم وانه من السُّحت الذي حرمه الله الباري عزوجل. إن الاسلام قد نهى عن الرشوة لانها سُّحت ومال حرام وهي من أكبر الكبائر والذنوب... قال رسول الله (ص): (كُل جسد نبت من سُّحتٍ فالنار أولى به)، قيل يارسول الله وما السُّحت ؟ قال (ص): (الرشوة في الحكم)... وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما)... والراشي: هو دافع الرشوة... والمرتشي: هو آخذها وقابضها... والرائش: هو الوسيط بين الراشي والمرتشي فهؤلاء جميعاً ملعونون من الله ورسوله الكريم. ومن أقرب التعريفات عن الرشوة ما جاء في قول الجرجاني وهو أقرب ما يكون لمدلول القرآن الكريم لهُ: بأنه ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل. وروي عن أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (ع) قال: (السُّحت الرشوة في الحكم ). وإن من خطر الرشوة على الراشي والمرتشي والرائش الذي يسعى بينهما الدخول في اللعن وهو الطرد من رحمة الله والعياذ بالله. ومن خطر الرشوة أيضاً نزع البركة والرحمة عن متعاطيها... قال النبي الأكرم محمد (ص): (إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً). ومن مخاطرها أيضاً ذهاب الحياء... قال رسول الله محمد (ص): (الحياء من الايمان)، فالحياء والايمان قرينتان لايفترقان... وأكل الرشوة تذهب بالحياء وتجعل المرء لايستحي من الله الباري عزوجل وينال سخط الناس. ومن مخاطر الرشوة على المجتمع... إنتشار الظلم والفساد بين أفراده وبالتعدي على مصالح الناس وضياع حقوقهم ونشر الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع. ومن مخاطرها أيضاً فساد أخلاق الناس لأنهم سيصبحون عبيداً للمال الحرام.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- دور الذكاء الاصطناعي في إجراءات التحقيق الجزائي
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!