- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إلى شبابنا.. دعوة للتدبر في القرآن الكريم
حجم النص
بقلم :الشيخ حسين الخشيمي
مع أول ومضة فكر تنقدح في عقل الإنسان، يتساءل ويبحث. من أين أبدأ في صياغة قالب فكري رصين يهذب شخصيتي ويكون المعيار الذي اعتمده في تقييم الأفكار والرؤى والمواقف الكثيرة التي تمر عليّ؟ ثم كيف الوصول الى منهج متكاملٍ يضمن لي أفكاراً غنية وسليمة، على ان تكون هي الأكثر نقاءً بين هذا الكم الهائل من الأفكار والمعتقدات الفاسدة والباطلة التي تنتشر بين أوساط الشباب؟
هذا لعله من أهم المواضيع التي تشغل الشاب الباحث عن الفكر والثقافة والوعي في بدايات هذه المرحلة المهمة من حياته.
وبالرغم من صعوبة تحديد الفكر والمنهج الواضح والسليم في بناء ونمو عقل الانسان وشخصيته الفكرية؛ إلا اننا لا يمكننا أن ننكر ان هناك من وضع أسساً وقواعد شكلت منظومة فكرية متكاملة بعيدة عن أي شائبة، وهي ثقافة الوحي التي انزلها الله تبارك وتعالى عبر رسله وكتبه السماوية، فهو الخالق الخبير العليم، وهو يعلم ما يناسب هذه الحياة، وكيف يمكن أن نتعامل معها وبأي طريقة. فضلاً عن ذلك ان الهدف المرجو منها هو صياغة شخصية مؤمنة نقيّة تحمل فكراً طاهراً. والقرآن الكريم هو الكتاب المهيمن، والذي تصدى لبناء الإنسان وحضارته في زمن كان فيه الإنسان بعيداً جداً عن إنسانيته، غارقاً في جهله وشهواته ونزعاته القبلية والجاهلية، وهذا ما يصرح به القرآن الكريم في قوله تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» (164- آل عمران)
وفي الآية الكريمة بيان واضح الى ان عملية الوصول الى مرحلة متقدمة من البناء الفكري والنفسي للإنسان، تكمن في ان يكون مع القرآن قبل كل شيء آخر، وان يؤسس في ذاته فكراً قرآنياً من خلال تلاوته و التدبر والتفكر والتأمل في آياته، ومن ثم محاولة تطبيقها على الواقع. ويعبر القرآن الكريم عن هذا الأمر بـ «الحكمة» والتي تعد من أعظم المنح التي يمن بها الله على قليل من عباده المخلصين: «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ» (269- البقرة)، ذلك لان الحكمة بمنزلة المفتاح الذي يفتح لنا آفاق الحياة.
ومن هنا ينبغي على الشباب في بداية طريقهم المعرفي والفكري ان يحصنوا عقولهم عبر القرآن الكريم، من خلال التدبر والتأمل والتفكر في آياته المباركة. فلا نفع من التلاوة بصوت جميل وأداء رائع، ما لم تتخللها لحظات من التأمل والتفكر فيها. وليخصص كل واحد منّا نحن الشباب، في كل يوم خمس دقائق - على الاقل- من وقته للتدبر في آية واحدة من آيات القرآن الكريم. ولا يعني ذلك ان نستغني عن تلاوة القرآن وترتيله في أوقات مختلفة، وإنما نعمق ارتباطنا بالقرآن الكريم عبر هذا الوقت القصير، نقرأ فيها آية واحدة من القرآن الكريم نتدبر فيها، ونستخرج معاني مفرداتها، ولا بأس بالاطلاع على أسباب نزول هذه الآية لمعرفة الظروف التي نزلت فيها، ولكي يتمكن الشباب من ربط آيات القرآن الكريم بواقعهم، لصيانة عقولهم وترميمها بالفكر الغني في آياته، او معالجة المشاكل الشخصية التي تواجههم، او تحقيق الأهداف والتطلعات والطموحات التي يرغب بتحقيقها الشاب من خلال الاقتداء بالأنبياء والرسل والعباد الصالحين الذين يتحدث عنهم القرآن الكريم في سوره بشكل مفصل. كما ينبغي أن نعرف جيداً ان القرآن الكريم بمثابة حقل واسع من المعرفة والأفكار الغنية، ولا شيء يعادله في هذا الجانب. ومن الضروري جداً أن نداوم على تلاوته باستمرار، قبل تناول وقراءة الكتب المثيرة بافكارها وطروحاتها التي ربما تدفع الانسان الى متاهات الفكر والعقيدة.
أقرأ ايضاً
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى