حجم النص
بالرغم من فقدان (عاصم) البصر بسبب حادث عرضي أصابه، وأجبره على اعتياد الظلمة، إلا أن الاصابة لم تقعده ولم ينطق يوماً جملة فاقدي البصر المعروفة (يا رجلا خذ بيدي)، بل مد المبصرون أيديهم نحوه وتحول الى عين لهم، يدلهم على ضالتهم، ويقدم لهم المعونة كتصليح أجهزتهم الكهربائية وصيانتها، كما أنه تمكن عبر حواسه من تمييز الأشياء بأنواعها، ويصر على مواكبة التطور، فهو يتصل بالنقال ويراسل من يحب برسائل قصيرة، ويشرف على إدارة فرن، لاعالة عائلته بنفسه بعيدا عن عطايا الآخرين.
عاصم صالح جاسم البدران، هو من مواليد 1983، متزوج ولديه 3 بنات، يقول لـ"العالم"، "في العام 2003 كنت بصيراً حتى تعرضت الى انفجار قنبلة رمانة لم أعرف استعمالها، الأمر الذي خلف مقتل أخي و تضررت بسببه عيناي، باعتباري أسكن مناطق الريف في الهارثة شمال البصرة، وهي ذات بيئة ريفية عشائرية والسلاح منتشر في بيوتها بكل أصنافه، وأنا أعتبر نفسي ضحية السلاح".
ويضيف البدران "رغم فقداني البصر، لكن الخالق أنعم علي بالكثير من المواهب، وتعززت لدي حاسة السمع والذاكرة، وأصبحتا قويتين جدا، وأستطيع اليوم أن استخدم النقال الذي يحتوي على أزرار (كيبورد) وأتصل بمن أحب، بل وحتى أراسلهم برسائل قصيرة".
ويشير عاصم "أحيانا أساعد أصدقائي الأميين بكتابة رسائل لهم، كما إنني أدير فرن صمون، وأساعد العمال في عمل قص العجين (الشنكه)، لأني لا أحبذ مد اليد وعطف ومعونة الآخرين لي وانا جالس".
ويتابع "يمكنني إجراء تصليحات كهربائية متوسطة وبسيطة للأجهزة الكهربائية سيما الراديو والمسجل، وتركيب نقط الكهرباء وأعمال التأسيس، وكل ما يتعلق بحاجة البيت أو الأصدقاء،
كما لي القدرة على صيانة جهاز الستلايت، وتبديل محولاته المعطوبة، أو توجيه الأطباق (الدش) لتسلم بث القنوات العربية، إلى جانب أعمال الصيانة الأخرى كملء القداحة بالغاز وغيرها من متطلبات البيت".
ويردف الضرير الموهوب الى أنه "تعزز لدي شعور وإحساس بالتنبؤ بالحوادث التي ستجري علينا مستقبلا"، رغم أن بعضه لا يصيب، لكن الكثير منه يتحقق".
ويتطرق الى أنه "عادة ما أسلي نفسي بالشعر والومضات والدارمي أو استمع إلى أشعار كبار الشعراء وأهوى حفظ أبياتهم". وهنا أصر عاصم على أن يقرأ لـ"العالم"، قصيدة الأصمعي الشهيرة "صـوت صفير الـبلبل".
أكثر ما يميز عاصم هو تعرفه على الاخرين بمجرد نطقهم لكلمات قليلة، كما أنه يميز أنواع الشجر بمجرد لمسها، بل ومعرفة تفاصيلها كالنخل وأنواعه، حيث وضع يده على شجرة وقال هذه نخلة "حلاوية".
ويبين عاصم انه يسلي نفسه "وقت العصر، بصيد الأسماك، إذ أن الشط بالقرب من دارنا، حيث أصطاد 3 أسماك لأعود لأهلي بنعم الخالق".
ويذكر أن لديه "أصدقاء كثر، وأتواصل مع الجميع وأذهب الى مناسبات الأفراح والأتراح وحدي بلا دليل ومعين، اذ أنني أحفظ الطريق من مرة واحدة، ولا أحتاج السؤال للدلالة، بل إني أحدد موقعي أينما كنت حتى وان كنت في السيارة".
ويؤكد البصري الضرير أن "أهلي وأقربائي يعتمدون علي بالدلالة عند زيارتهم القبور في وادي السلام، وحياتي معهم تسودها السعادة والمودة والمحبة، وتعاملهم معي لطيف، ويساعدونني في شؤون البيت، وفقدان بصري لم يؤثر على تماسكنا".
وينوه عاصم "نحن كشريحة نعتبر مهملين ونشكو التهميش، وأطالب بالإنصاف ومراعاة الضرير، بخلاف المعوقين الآخرين كالأبتر فهم أهون منا".
وعن أمنياته وأحلامه، يذكر عاصم ان "أمنيتي أن يعود لي بصري حيث يمكن ان أعالج في الخارج، لكن الأمر بحاجة إلى معونة مالية افتقدها"، مناشدا "الجهات الحكومية والمنظمات التي تتكفل بذلك".
ويستطرد "أتمنى أن تتوفر لي كتب "برايل" للعميان، والقراءة عن طريق اللمس، سيما الحصول على القرآن المنقط، لكن لا أحد يوفرها لي".
ويكشف لـ"العالم" في نهاية حديثه، عن أن هاجس حياته "هو التفكير ببناتي ومستقبلهن، وهمي الأكبر هو إسعادهن، وهو ما يدفعني للعمل".
صحيفة العالم– حيدر الجزائري
أقرأ ايضاً
- مكونة من ستين منسفا وصينية.. سفرة طعام طويلة على طريق الزائرين في كربلاء المقدسة (صور)
- محافظ البنك المركزي: لماذا يذهب أي طرف لشراء الدولار بسعر أعلى في حين يتوفر له السعر الرسمي
- تجاوزوا السبعين ووقفوا على اعتابها :اقدام المسنين تحث الخطى على طريق المشاية في زيارة الاربعين(صور)