حجم النص
تحقيق : صلاح هادي شكر
" أسمعُ كل يوم عن قصةٍ لسرقةٍ جديدة , ويتعرض عملي للسرقة أكثر من مرة أسبوعيا في بعض الأحيان حتى إنني أصبحت عاجزا عن مجاراة هذا التطاول ( النسائي ) المخيف , فيما أصبح أكثر زملائي في المهنة يستسلمون لواقع الحال ويتركون ( اللص ) ينفذ بغنيمته دون أن يحركون ساكنا أو أن يحاولون معرفته على الأقل " ...
هذا هو نص الرسالة التي وردتني على متصفحي في الفيس بوك من أبو نرجس وهو من أقاربي وأحد أصحاب المحال الكثيرين الذين طلبت منهم أن يصفوا لنا تصاعد الخط البياني لسرقة النساء للمحال التجارية في مدينة الكوت كونهم من أصحاب المهن التي تُعنى بالبيع والتعامل المباشر مع النساء . والحالة هذه بدأت تتزايد في المجتمع الواسطي بصورة لافتة وظاهرة للعيان بحيث تدعو الى وقفة تأمل جادة لمعرفة الدوافع والأسباب . فكيف تحولت حواء الرقيقة والعذبة الى لصة متمرسة تتقن السرقة باحترافية عالية وتتفنن بإيجاد الطرق الجديدة التي لم يكتشفها ( المكاريد ) بعد .
السرقة ارحم من فضائح الصحافة , وحراميـة الدكـان حبايبنـا !!
أغلب هؤلاء ممن زرناهم وراسلناهم عبر الانترنيت رفضوا الحديث عن الموضوع أو السماح لنا بالتقاط صور لهم أو حتى الإدلاء بأسمائهم , فيما اكتفى أبو علي ( صاحب محل ألبسة نسائية ) بالقول " السرقة أفضل لمهنتي من الفضيحة الصحفية , فهي ستخيف النساء من ارتياد المحل أو الشراء منه إذا ما رأين صورتي أو صـورة محلـي . هذا ما حدث مع زميل لنا في المهنة , أضطر بعد تصريحه للصحافة وسماحه لهم بالتقاط الصور الى أن يخسر ( أثقل ) زبائنه " .
محطتنا التالية كانت في محل أبو مصطفى وهو صاحب سوبر ماركت في شارع الهورة بمركز مدينة الكوت. وبعد أخذٍ ورد وافق الرجل على الحديث لنا فكان أول ما قال " أكثر ما يثير استغرابي في هذا الموضوع هو ان كل من أمسكت بهن هن في الحقيقة لسن بحاجة للمال , كما إنهن يعشن في عائلات ميسورة الحال " . ويتابع أبو مصطفى " سرقة النساء تتزايد يوما بعد آخر للأسف الشديد فقد وصلت حدا لا يمكن احتماله , وما يثير الشفقة في هذا المجال هو إن بعض النساء بدأن بنقل خبراتهن الى الأطفال فيعلمنهم السرقة ويشرفن بأنفسهن على ذلك , ويؤذيني أن أكتشف يوما بعد آخر ان ( حرامية الدكان ) من معارفي وزبائني القدامى وممن ارتاح لهم وأرحب بهم على الدوام والأمر بمجمله جعلني أفقد الكثير من زبائني فمن لم تسرقني ويفتضح أمرها أمامي تعرضت للسرقة في داخل دكاني وهذا كافٍ لأن يجعلها لا ترتاده ثانيةً " .
وعند زيارتنا لسوق الصاغة في الكوت وسؤالنا عن الموضوع تحدث لنا الصائغ الشاب علي الشمري قائلا " السرقة موجودة في كل مكان وزمان فقد كانت موجودة في السابق كما إنها موجودة اليوم والآن ولكنها تتزايد بين أوساط النساء بشكل مخيف ونحن متنبهون للسرقة أكثر من انتباهنا لعملنا , وربما لا أبالغ إذا قلت بأن سوق الصاغة يتعرض للسرقة من هذا النوع يومياً , فلا يمضي يوم واحد إلا وتجد صائغا يروي لك حكاية جديدة لامرأةٍ سرقته , فتارةً يمسك بها وفي أغلب الأحيان لا يحالفه الحظ في ذلك " .
الشمـري : الطفولة السيئة تنعكس انتقاما إجتماعيا في المستقبل والحـل لدينـا نحـن المختصـون .
حملنا هذه الهموم وتوجهنا بها الى الدكتور علي الشمري التدريسي بقسم علم النفس في جامعة واسط . أسمعناه التسجيلات المتوفرة لدينا والرسائل الالكترونية التي وردتنا فبادرنا بمرارة :
" إن السرقة بكل جوانبها هي سلوك عصابي غير سوي له دوافعه العامة والخاصة التي تنقسم بمجملها إلى عوامل بيئية وأخرى اجتماعية , كأن ينشأ الفرد في بيئة ضعيفة ثقافيا أو في أسرة غير متفهمه وغير مشبعه لحاجته . فإن كانت السرقة نابعة عن حرمان فهو إما حرمان مادي يعانيه الطفل في سني عمره المبكرة أو حرمان معنوي عاطفي حيث يفتقر الطفل لرعاية أبويه . إذن فالطفولة هي من ترسم شكل الشخصية المستقبلية للفرد وهنا يجب أن نتعامل مع الأطفال بعناية وحذر . والحرمان العاطفي هو الأكثر تأثيرا في بناء شخصية الفرد إذ إن حدوثه يثبت في وعي الطفل ما يتحول في المستقبل الى سلوك عصابي غير سوي قد يتمثل في السرقة بصورة أساسية , وهذا الحرمان العاطفي المثبت في لا وعي الفرد يقوده الى نوع من الصراع لا يخف الا بممارسة السرقة فينخفض التوتر لديه " .
وعند سؤاله عن زيادة نسبة السرقة لدى النساء أجاب الدكتور :
" تؤكد بعض الدراسات إن السرقة قد تأتي كرد فعل انتقامي يمارسه الفرد نتيجة لحيفٍ اجتماعي أو خبرات وتجارب سابقة سيئة وقاسية . وعصابيو السرقة يكونون نساءا على الأكثر فالمرأة لا تستطيع الانتقام من المجتمع بنفس الطريقة التي يمارسها الرجل في تجربة كهذه فالرجل من هذا النوع يتسم بالعنف وهي صفة نادرا ما تتصف بها المرأة لذا فهي تندفع إلى ما ينسجم وإمكاناتها الجسمية والمتمثلة بالسرقة . وهناك بعض الدراسات العربية الحديثة تؤكد بأن النساء أكثر حيلة ومكرا من الرجال وهو ما يتوافق مع طبيعة السرقة التي تحتاج أفرادا على مستوىً عالٍ من المكر والحيلة " .
ولدى سؤالنا عن الحلول أجاب الدكتور :
" مراكز الاستشارات النفسية هي الحل ويجب أن يحال اللص الى المستشار النفسي قبل أن يحاكم كما إن تلك المراكز يجب أن تتوفر في كل منطقة من هذا البلد فالعراق يغفو على فوهـة بركان ملئ بالمشكلات النفسية التي لا تُحل إلا بالحوار مع المختصين في هذا المجال . ونحن اليوم بحاجة الى علم النفس أكثر من أي شيء آخر وهو ما دعونا له كمختصين وما زلنا ندعو له . وعلى الإعلام العراقي أن ينتبه لذلك وأن يعمل على معالجة المواضيع النفسية بدلا من أن يواصل الدوران في محاور السياسة والغناء . فلقد كان لدينا قناة واحدة في السابق ولكنها كانت تبث برنامجا أسبوعيا عن المشاكل من هذا النوع واليوم لدينا عشرات القنوات ولا احد ينتبه أو يكترث على الأقل .... "
أقرأ ايضاً
- نذر نفسه لمساعدة الناس: ام " الشهيد احمد" ..ولدي توسل بالحسين لنيل الشهادة ممزقا فكان له ما اراد
- يجريها فريق طبي عالمي مكون من (24) متخصص.. قلب الطفل "ايمن" من كركوك يعالج في مستشفى زين العابدين الجراحي
- بطاقات الدفع الإلكتروني نقطة تحول إيجابية.. وباب يكبد المواطن خسائر بسبب الاحتيال والخلل التقني