- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مدرسة الحسين ع بين نكران الذات ... إحترام الذات ... إحتقار الذات
محمدآل عيسى
قد يظن الدارس للفكر الإسلامي ولأول وهلة أن هناك تناقضا تربويا في النصوص الإسلامية سواءا القرآنية منها أو تلك التي وردتنا عن أهل بيت العصمة , فيرى أن هناك نصوصاً كثيرة تدعو لنكران الذات تدعو للتضحية والإيثار تدعو للعطاء بلا حدود ( ويؤثرون على أنفسهم ...ويطعمون الطعام على حبه ...إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا ....لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ...حب لأخيك ما تحب لنفسك ) وغيرها كثير وكلها كما نرى تدعو لنكران الذات وإلغاء الـ (أنا) وزاد العرفاء على ذلك حتى قالوا بالفناء الذي لا يرى فيه السالك نفسه ولا غيره بل لا يرى سوى ربه .
ومن جهة أخرى نرى نصوصا تحترم الذات وخصوصياتها وشؤونها وتحث على ذلك بشكل كبير فتصف المؤمنين بالعزة ( أعزّة على الكافرين) ( فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) وتحثهم على العزة ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) بل وتنهى عن التعرض لذات المؤمن وتعتبرها ذاتا محترمة لا يجوز التعرض لها لا بالإهانة ولا بالإحتقار ولا بالغيبة ولا ... ولا .. ولا .. وأكثر من ذلك فحتى الطفل الصغير في الإسلام له ذاتٌ محترمة فلا يجوز الإستهزاء به والإنتقاص منه وشتمه وإهانته فالتربية لا تكون بهذه الطريقة .
والحق أن ليس هناك تعارض بين هذه النصوص فالنصوص المذكورة لا تعارض فيها حيث أن المواقف تختلف من موقف لآخر فالقسم الأول متعلق بالنفس أي بذات الشخص نفسه والقسم الآخر متعلق بالغير فالقسم الأول من النصوص يدعو الفرد لنكران ذاته هو شخصيا والتضحية في سبيل الآخرين لا لنكران ذات غيره.
أما القسم الثاني فيدعو الفرد إلى إحترام ذوات الآخرين وحتى ذاته إلى عدم إهانتها والتوهين بها وخصوصا أمام أعداء الله .
وهكذا سطّر لنا الحسين ع و الذين إصطحبهم معه في نهضته كلا الوجهين آنفي الذكر فإذا أردنا أن نرى نكران الذات وجدناه في شخص الحسين ع الذي ضحى بكل ما يملك من أرواح وأموال من أجل إعلاء كلمة الله لتبقى هي العليا .
ونجد نكران الذات عند العباس ع الذي تمكّن من الماء ولم يذقه ناكرا لذاته لأجل أخيه الحسين ع ولأن الحسين ع عطشان لم يذق طعم الماء .
ونجد الموقف المقابل موقف إحترام الذات أمام أعداء الله فيقف الحسين ع ليقول هيهات منّا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ...
فالمعيار في في إحترام الذات ونكرانها هو ما يأمر به الشرع الحنيف فحسب .
بقي لنا موقف آخر وهو إحتقار الذات وهو إحتقار الإنسان لنفسه لا لغيره بالتأكيد وهذا أيضا يشير له الشرع المقدس ولكن في مواقف معينة يكون فيها الفرد مستحقا وأهلا لأن يحتقر ذاته ويشمئز منها وخصوصا عندما يرتكب معصية كبرى يعيش حياته نادما عليها كالتقاعس عن نصرة المعصوم عليه الصلاة والسلام .
وهذا الموقف مرّ به من قعد عن نصرة الحسين ولم يخرج معه ويستشهد بين يديه لذا نجد أصحاب الضمائر الحية منهم قضوا حياتهم بكاءا ونحيبا وندما وألما لعدم نصرة الحسين ع عاشوا حياتهم محتقرين لذواتهم شاعرين بالذلة والمهانة والشعور بالتقصير ويا له من شعور سوداوي مظلم.
وهذا هو الشعور الذي سيمر به من سيتخاذل عن بقية الله الأعظم وسيكون شعوره ذلك أعمق وأكبر لأن المنصور من آل محمد ص سيكتب له النصر المادي والمعنوي وتختلف نهضته عن نهضة الحسين ع التي كتب الله لها النصر المعنوي فقط .