عندما قضى وزير الدفاع عدنان خير الله طلفاح بحادثة تحطم طائرته في نهاية الثمانينات من القرن الماضي تناهى إلى سمعي حينها صوت أحد كبار السن في عائلتي وهو يردد ما معناه : هل من معتبر ؟ ولأنني كنت في سن يسمح لي بتفسير الكلمات فلم يضحكني كثيرا رد أحدهم وهو يتهكم على ذلك الشيخ الطاعن بالسن: وحنه شعلينة قابل احنه مجلس قيادة الثورة!
فقد أدركت في حينها أن مغزى تلك العبارة لا يستثني أحدا من الناس سواء من كان ذا شان عام أم لم يكن كذلك . لكنني كالغالبية العظمى من الناس - وربما بضمنهم حتى ذلك الشيخ الهرم - لم امتلك الوعي الكامل على تحويل العبرة إلى اعتبار فطالما ارتكبت الظلم بحق نفسي وغيري جهلا بنوازع نفسي الأمارة بالسوء .
وعندما نزل ما نزل بحق (صدام) تكررت هذه العبارة على نحو واسع بين العراقيين . ولكن ليس من معتبر بدليل أننا في العراق لمّا نزل نعيش العديد من الممارسات السياسية الجائرة التي كنا نحسبها جهلا أنها حكر على النظام الدكتاتوري السابق ، فما يزال بعض قادتنا الجدد يجهل بشكل فظيع أن الظلم على اختلاف أنواعه وأشكاله عاقبته واحدة وهي الطرد من رحمة الله والناس .
حتى القذافي بعد سقوط صدام طالب بأخذ العبرة مما جرى على أستاذه في الظلم والاستبداد (صدام) لكنه ظل سادرا بجهله ، وظلت نفسه الخبيثة تمارس عادة الظلم بكل أنواعه وأشكاله دون توقف أو تأمل .
حتى الآن لم أتحدث عن الليبيين كشعب على الرغم من أن عنوان المقال يمسهم بالمقام الأول ، ولهؤلاء الناس أقول حاولوا أن تكونوا أفضل من زعيمكم السابق في أخذ العبرة من الأشياء . انتم الآن في موقف تاريخي يمكن أن يجعل منكم أمة تسير على جادة العدل والإنصاف السياسي والاجتماعي والاقتصادي إذا ما أجريتم مراجعة شاملة لطريقة تفكيركم وكففتم أنفسكم عن الظلم والجهل . لكنكم قد تنحدرون إلى هاوية سحيقة أعمق بكثير مما كنتم عليه في عهد ممن كنتم تسمونه رهبة أو رغبة بملك ملوك افريقيا إذا لم تعوا درسكم جيدا . عليكم أن لا تكرروا الخطأ ثانية . توقفوا عن ظلم بعضكم بعضا بداعي الثأر والانتقام . أفسحوا طريقا رحبا للعدل والتسامح أيضا .
إياكم أن تتصوروا أن من السياسيين من هو أكثر زهدا بالاستبداد من غيره إذا ما قدر عليه بغض النظر عن هويته الإسلامية أو العلمانية .
قيدوا قادتكم الجدد بقوانين تحاسبهم على الجهل مثلما تحاسبهم على الظلم . وإياكم ثم إياكم أن تسمحوا لجاهل جديد أن يتسلط على رقابكم ويلاحقكم أو تلاحقوه ثانية من زنكة إلى زنكة .