في ظل الانتقادات التي يوجهها الجمهوريون في الولايات المتحدة لقرار إدارة اوباما سحب كامل قواتها من العراق، على اعتبار انه سهل تقديم العراق على طبق من ذهب إلى إيران، يرى بعض المحللين الاميركان أن قرار الانسحاب يعد انتصارا للديمقراطية العراقية التي أجبرت واشنطن على احترام قراراتها ,واصرار السيد السيستاني أن يترك الامريكان العراقيين لكي يديروا شؤونهم بأنفسهم .
وإذا كانت الديمقراطية العراقية قد هزمت آخر قوة عظمى، فإنها لن تألوا جهدا في هزيمة قوة إقليمية اقل بأسا من نظيرتها الأميركية، بحكم رسوخ النزعة الوطنية لدى العراقيين
ويرى المحلل الاميركي توني كارون في مقال نشره في صحيفة "ذي ناشيونال" الاميركية، ان الانتقادات الموجهة لأوباما مضللة لانها تعتقد أن وجود القوات الامريكية سيحد من النفوذ الإيراني في العراق، وهم بذلك يوجهون شكواهم إلى العنوان الخاطئ : إذ لم يكن الرئيس أوباما هو الذي قرر مغادرة العراق؛ وإنما سلفه بوش الجمهوري هو من وقع الاتفاقية الأمنية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008.
ويستدرك الكاتب بالقول: لكن إذا كان الجمهوريون يبحثون حقا عن رجل واحد لتحميله مسؤولية الانسحاب الامريكي فلن يكون لا الرئيس جورج بوش ولا أوباما ، ولكنه آية الله العظمى علي السيستاني، رجل الدين الشيعي البارز. فهو الرجل الذي حرص على التأكد من تكفل العراقيين مستقبلا بديمقراطيتهم وليس تكفل الأميركيين بها.
كان بول بريمر اقترح تشكيل حكومة من العراقيين الذين تختارهم الولايات المتحدة ، وتكتب أيضا الدستور الجديد .
ويضيف الكاتب: لكن رجل الدين الذي رفض لقاء مسؤولين اميركان خشية أن يعتبر لقاؤه تزكية للاحتلال اصدر فتوى من النجف ، ورفض خطة بريمر بوصفها "غير مقبولة جوهريا"، وأصر على ان ينتخب العراقيون التشكيلة التي من شأنها وضع دستور جديد.
كان بريمر، الذي استولت عليه غطرسة عهد بوش الساعية الى بناء إمبراطورية، يأمل في معارضة موقف السيستاني. ولكن بحلول نهاية عام 2003، ومع خروج عشرات الآلاف من العراقيين للتظاهر دعما لقرار آية الله السيستاني، أصبح من الواضح أنه حتى بريمر ومن اختارهم في مجلس الحكم العراقي عليهم الانصياع إلى مطلب الانتخابات.
لم يكن في وسع الاميركان النزول الى الشوارع لمحاربة العراقيين الذين ادعوا انهم جاءوا لتحريرهم، واضطر بريمر الى التراجع.
نقلت الولايات المتحدة السيادة الى العراقيين في العام 2004 وجرت أول انتخابات في كانون الثاني التالي. وهي انتخابات جعلت الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة أقرب إلى إيران من واشنطن، على غرار الانتخابات الثانية ، بعد عام واحد.
من الصعب ان ناخذ على محمل الجد فكرة مفادها ان وجود القوات الأمريكية يقلل الى حد ما النفوذ الإيراني في العراق. فإيران لديها بالتأكيد أجندة في العراق، وهي مصرة على رؤية حكومة صديقة تحل محل صدام حسين، العدو الأكثر خطرا، وتتجنب بذلك تكرار حرب الثماني سنوات التي شنها صدام ضد الايرانيين في 1980. ونظرا لصلات إيران الطويلة مع الأحزاب الشيعية في العراق، فان الوسائل الأكثر فاعلية لتحقيق هدف ايران كان الديمقراطية العراقية التي يكون فيها للشيعة، الذين في إمكانها الاعتماد عليهم لخلق علاقات، أغلبية انتخابية.
لذا عمقت إيران العلاقات السياسية والاقتصادية والدينية مع الشيعة في العراق. وقدمت الدعم المالي لحلفائها السياسيين والدينيين، والتدريب والإمدادات العسكرية للميليشيات الشيعية التي تقاتل القوات الأميركية، والتي كانت منخرطة أيضا في حرب طائفية شرسة بينهم وبين العراقيين السنة.
خلقت إيران هذا النفوذ على الرغم من وجود زهاء 170 ألفا من القوات الأمريكية، كما استخدمت نفوذها للضغط من أجل رحيل القوات الأمريكية.
إذا كان رحيل القوات الأميركية يزيل ذريعة وجود ميليشيات شيعية تدعمها إيران ويرغب المالكي في التخلص منها، فان الاحتمالات المتصاعدة لحرب بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية قد تحافظ على مثل هذا الدعم.
وفي حال أن إيران غزت العراق بعد الانسحاب الأميركي، وهو امر مستبعد، فإنها ستجد الكثير من الشيعة العرب على استعداد لقتال جيرانهم الشيعة الفارسيين، على غرار ما حدث خلال سنوات الحرب في الثمانينيات. ومن الجائز ان مصالح رجال مثل المالكي ومقتدى الصدر قد تتوافق مع مصالح إيران حينها، ولكن النزعة الوطنية لدى الرجلين ستظل أقوى وأشرس في القلب من صلتهما بإيران.
كانت خطة بريمر تعني ضمنا أن العراقيين ليسوا مستعدين للديمقراطية، ولكن آية الله السيستاني قلب السؤال رأسا على عقب: هل أن الاميركان مستعدون لاحترام نتائج الانتخابات الديمقراطية؟
وفعلت الولايات المتحدة ما أراد واحترمت نتائج الانتخابات. وفي العام 2008 ، عندما بدأ بوش التفاوض على الاتفاقية الأمنية، واجه نهاية مفتوحة لقواته، كان يريد من العراقيين الموافقة على بقاء 50 قاعدة عسكرية أميركية في البلاد. لكن تم تحديد 31 ديسمبر 2011 موعدا نهائيا للانسحاب وتم رفض إقامة قواعد عسكرية دائمة. كما رفض العراقيون بقاء اي قوات بعد ذلك.
سوف تحتفظ الولايات المتحدة بالتأكيد على وجود كبير، مع العدد الذي لا يستهان به من المتعاقدين الأمنيين لحماية موظفي السفارة الأميركية في بغداد إضافة الى مئات من الجنود لأغراض التدريب، ناهيك عن العمليات السرية.
تنتظرنا مخاطر كثيرة. إذ قد تقوم بعض من الميليشيات الشيعية بتصعيد هجماتها على القوات الأميركية كي تبدو في صورة من نجح في إخراج الأميركيين. لكن العراقيين يعرفون ان حكومتهم، والرأي العام العراقي، الذي عبر عنه نفسه من خلال العملية الديمقراطية، هو ما أجبر الأميركيين على قبول شروط تلك العملية. وإذا كان العراقيون قد هزموا آخر قوة عظمى في العالم، فمن غير المرجح أن يصبحوا مخلب قط لهيمنة قوة إقليمية مجاورة اقل قوة من نظيرتها الأميركية.
يحبذ الزعماء الأميركان القول لنظرائهم في المجتمعات ذات الديمقراطية المستجدة أن الاختبار الحقيقي للديمقراطية هو ما إذا كان القادة يقبلون بالهزيمة في الانتخابات. وهذا هو بالضبط ما عليهم القيام به في العراق
أقرأ ايضاً
- في جلسته المرقمة (38).. مجلس كربلاء: اجراءات عاجلة لتدارك مشكلة الوقود وتعيين (5771) موظف عقد
- الإعلام الحكومي: عطلة يومي الأربعاء والخميس المقبلين تشمل أبناء المكون المسيحي حصراً
- المندلاوي يؤكد ضرورة التعاون بين السلطتين التشريعية والقضائية