- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مفاعل نووي كويتي جنوب العراق..(رد على مقال العجمي)
خرج علينا الدكتور ظافر العجمي من الكويت ليحدثنا من نافذة الدوحة عن وقائع بالية اختارها عشوائيا من صفحات الماضي السحيق لكي يقنعنا بالحجج القديمة, التي تذرع بها الغزاة في اجتياحهم للمدن الحصينة, وكيف نهبوا ثرواتها, ويجزم في مقالته أننا في العراق لن نتعلم من الدروس المستنبطة من الحروب والغزوات, ويتوصل من خلال سفسطته الكلامية إلى وضع نظريته الحتمية الجديدة في مادة التاريخ السياسي, فيقول في مقدمة مقالته: ((لكن إخواننا في العراق لا يظهرون ما يدل على قابلية استيعابهم لذلك)).
نشر العجمي مقالته في صحيفة العرب القطرية, بعددها الصادر في التاسع عشر من أيار (مايو) 2011, وكان عنوانها اقرب إلى البيانات العسكرية المكتوبة بنبرة التهديد والوعيد, فجاء عنوانها بالصيغة التالية: (لا بديل لميناء مبارك إلا مفاعل وربة).
أن من يقرأ مقالة العجمي يكتشف من دون عناء أن العجمي يتحدث معنا هذه المرة بلسانه الأعجمي متعمدا شقلبة الحقائق, وتحريف الوقائع, وكأنه يمتلك الحق المطلق بتعكير منابع المادة التاريخية وتجفيف روافدها, ليعيد تغذيتها بالراويات الملفقة التي ترضي غروره وعنجهيته, فهو يتحدث عن دولة الكويت وكأنها الدولة الأسطورية المنيعة الخارقة, التي سبقت العصر العباسي بقرون, ولم تكن تابعة لسلطات الإمبراطورية العثمانية, ولا علاقة لها بوالي البصرة, والمدهش المضحك انه تعمد خلط أوراق الكويت المدينة بأوراق الكويت الدولة, في لعبة الأوراق التاريخية المتطايرة, وراح يتكلم على هواه عن غزوات بني كعب ضد دولة الكويت عام 1783 متجاهلا أن الكويت والمحمرة كانتا في ذلك العام مجرد قريتين صغيرتين تابعتين لولاية البصرة, وأن ولاية البصرة نفسها كانت تابعة لسلطة الإمبراطورية العثمانية, التي يحكمها في تلك الحقبة السلطان عبد الحميد الأول بن السلطان أحمد الثالث, وان ما حصل بين قبيلة العتوب في الكويت وقبيلة بني كعب في المحمرة لا يتعدى حدود النزاعات القبلية, التي كانت تتفجر هنا وهناك لأسباب تافهة بين التجمعات العشائرية المتناحرة في الفترة المظلمة, بيد أن العجمي جرد في مقالته ولاية البصرة من سلطاتها, وألغى دورها السياسي والتاريخي, لكي يُلبس الكويت القرية ثوب الكويت الدولة القاهرة القوية الباسلة المتمردة, فراح يحدثنا عن صلابة دولة الكويت في القرن الثامن عشر الميلادي, ومن المرجح انه سيحدثنا في يوم ما عن علاقات دولة الكويت بالدولة العباسية, والدولة السلجوقية, فالكويت في نظر العجمي ولدت قبل التاريخ, وبزغت من ربوعها شمس الحضارات الإنسانية, وانطلقت منها السلالات البشرية, السومرية والبابلية والآشورية والكلدانية والأكدية, وربما سيقول لنا العجمي: أن الملك النعمان بن المنذر شيد قصر الخورنق بتمويل كويتي, وان الخليل بن أحمد الفراهيدي تعلم أوزان الشعر النبطي في مقاهي الكويت, وان الشاعر مالك بن الريب كان كويتيا من جماعة (البدون), الذين هبطوا من السماء في بادية الجهراء, وان صلاح الدين الأيوبي حصل على الماجستير في العلوم العسكرية من الأكاديمية الحربية الكويتية, وهو الذي رسم الطريق لتأسيس قوات درع الجزيرة, واغلب الظن انه سيقول لنا أن الكويت هي التي تصدت للقوات البريطانية الغازية في معركة الشعيبة, بدليل أن الشعيبة موجودة أصلاً في الكويت, وان العراق اخذ هذا الاسم من الكويت من باب الاستعارة.
ثم يختصر العجمي المسافات, ويختزل الوقائع التاريخية, ليقفز فجأة إلى عام 1936 فيحدثنا عن مشاريع (نوري السعيد), ومخططاته الرامية لانتهاك (سيادة الكويت), وكيف كان يفكر ببناء ميناء بحري عراقي في جزيرة بوبيان, وكأنما العجمي لا يدري أن نوري السعيد كان يخطط لبناء الميناء في هذه الجزيرة, لأنها كانت حتى ذلك التاريخ جزيرة عراقية, ولم يُحسم أمرها نهائياً لصالح الكويت حتى ذلك التاريخ على أقل تقدير, ولا يدري العجمي أيضا أن بريطانيا هي التي وقفت ضد ذلك المشروع لأسباب تتعلق بمصالحها في عبادان, فهي التي خططت عام 1919 لوضع ميناء المعقل شمال شط العرب, لكي تضمن قيام العراق بمواصلة تهذيب أعماق قناة (الروكا) في السد الخارجي لشط العرب, ولكي تضمن قيام العراق بصيانة الممرات الملاحية المؤدية إلى ذلك الميناء, مرورا بأرصفتها النفطية في عبادان, لان مياه شط العرب كانت كلها واقعة تحت سيادة العراق, وان أي تحول مينائي عراقي نحو بوبيان سيؤدي إلى توقف عمليات الحفر البحري في المجرى الملاحي لشط العرب, وبالتالي توقف ميناء عبادان المرتبط بحقول (مسجدي سليمان).
والمثير للسخرية أن العجمي يقفز ثانية في ختام مقالته ليهبط في عش معسكر الصقور في البنتاغون, وينفش ريشه علينا متقمصاً شخصية (دك تشيني), و(رامز فيلد), و(كولن باول) ويستجمع أرواحهم الشريرة في صورة كارتونية سوبرمانية, يخاطبنا من خلالها بلغة عسكرية تعبوية عن مخططات الكويت التوسعية لبناء مفاعلها النووي الجبار في قلب جزيرة (وربة), التي لا تبعد عن أم قصر سوى بضعة أمتار, ولا تزيد مساحتها على مساحة قاعات جامعة البصرة, ويشرح لنا الأبعاد الإستراتيجية لتعزيز الترسانة الحربية الكويتية, وتجهيزها بالأسلحة الكونية الفتاكة لدحر الهجمات المتوقعة في الحرب الطويلة المعلنة على العراق, فالرجل يتحدث بشكل سافر ومقصود ومتشنج, وبلهجة مغولية عدوانية, ولا مجال لمناقشته والتحاور معه, خصوصا بعد أن توصل إلى وضع نظريته الحتمية الثانية, التي يقول فيها: أن أي عراقي يذود بالدفاع عن حقوقه الوطنية ما هو إلا بعثي أو صفوي أو سلفي أو إرهابي أو دموي أو قروي, فتارة يقول: أن إيران هي التي حرضت أعوانها في العراق للوقوف بوجه المشاريع الكويتية, وتارة يقول: أن البعثيين ماانفكوا يمارسون نفوذهم في العراق ويشحنوا الناس ضد الكويت, وتارة أخرى يقول: أن البرلمانيين العراقيين يضمرون الشر للكويت بدافع التكسب السياسي, وأحيانا يقول: أنها وسيلة عراقية مكشوفة لتخفيف أعباء الديون الثقيلة, التي خلفتها مقصلة الحقد السابع, وظل الأعجمي يتخبط في سفسطته الكلامية حتى غرق في دوامة التناقضات الغبية. وفقد عقله بحيث صار يرى أن لا غبار على تصرفات الكويت حتى إذا تعمدت إغاظة الشعب العراقي, ونفذت مشاريعها الاستفزازية, وحتى إذا خنقت موانئه, وتحرشت بسفنه, وقطعت شرايينه الملاحية, وحرمته من إطلالته البحرية, وحتى إذا قامت بتمويل مشاريع تجفيف نهر دجلة, وحتى إذا شيدت مفاعلها العملاق فوق أكتاف ميناء أم قصر وحتى لو اضطر الناس في الفاو وأم قصر والزبير إلى إخلاء مساكنهم ومغادرتها هرباً من الإصابة بإشعاعات المفاعل الجديد, وربما يرى العجمي ان لا ضير من تلوث الأجواء العراقية بإشعاعات المفاعل النووي الكويتي لانها ستنبعث من مفاعلات صديقة.
ختاما نقول للعجمي تكلم بما تشاء, فلا أنت ولا أسيادك من الامريكان والبريطانيين وأذناب القوى الاستعلائية الغاشمة يستطيع أن يمس شعرة واحدة من رأس العراق العظيم الذي اختاره الله جل شأنه مهبطا للرسالات السماوية, وملاذا للأنبياء والرسل والأئمة, وموطنا للعلماء والأدباء, وقلعة للشرفاء والشجعان والنجباء. وسوف يلعن التاريخ كل الأمم, التي أسرجت وألجمت في الحرب الانتقامية ضد العراق, وسوف تبصق الأجيال القادمة في وجوه علاقمة الأقطار, التي فتحت أبوابها للجيوش الغازية, واشتركت معها في استباحة ارض العراق, ثم سمحت للمجاميع التخريبية بالتسلل إلى العراق عبر منافذها الحدودية, وخلفت ورائها الدمار والخراب والنكبات والويلات والآلام.
وأعلم يا عجمي أن مشروع تجفيف دجلة, ومشروع ميناء مبارك, والمشاريع النووية في جزيرة وربة أهون علينا من مواقف قادة الكتل السياسية في العراق من الذين خذلونا ولاذوا بالصمت والسكوت وهم يرون ويسمعون تطاولك على العراق وأهله جهاراً نهاراً, ولن تكون تلك المشاريع أخطر على العراق من هذا الحقد الذي تحمله أنت وأمثالك من الذين امتهنوا الرقص فوق جثث الضحايا, وبرعوا بإشاعة روح الكراهية والحقد والبغضاء بين الشعوب والأمم المتطلعة للعدل والسلام والأمان والتلاحم والمحبة. .
ولكي نحفظ للدكتور ظافر العجمي حقه في الرد والتعبير, نعرض عليكم النص الكامل لمقالته, التي كتبها بخط يده من دون حذف أو تحريف:
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد