بفخر، ازعم انني اول من دعوت الى انتخابات نيابية مبكرة كافضل طريق نتجاوز فيه مشاكل العملية السياسية الجديدة الجارية في العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان ولحد الان.
كان ذلك بعيد تشكيل الحكومة الحالية التي تجمعت اوصالها على اساس المحاصصة الحزبية باضيق معانيها، لدرجة ان افضل وصف يمكن ان نطلقه عليها كونها حكومة احزاب وكيانات بامتياز.
ولم تكن الدعوة عبثية او لتلهية العراقيين او لقضاء الوقت، ابدا، وانما هي طريقة تلجا اليها الكثير من الشعوب التي تعيش في ظل الانظمة الديمقراطية، عندما تشعر بان حكومتها او برلمانها او حتى السياسيين والزعماء وصلوا الى طريق مسدود، وذلك عندما يكون حاصل الجهد السياسي والتشريعي المبذول على مختلف الاصعدة يساوي صفرا، وهو حال العراق اليوم الذي يدور فيه السياسيون في حلقة مفرغة بلا نتيجة، يختلفون على كل شئ ولا يتفقون على شئ، لدرجة ان العملية السياسية برمتها كادت ان تكون مقفلة ومتجمدة عند نقطة معينة، ما سبب بكل هذا التدهور الامني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والخدمي.
ولقد تحدث الدستور العراقي عن فكرة الانتخابات النيابية المبكرة في المادة (64) بما نصه:
اولا؛ يحل مجلس النواب بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءا على طلب من ثلث اعضائه، او طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.
ثانيا؛ يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، الى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة اقصاها ستون يوما من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء، في هذه الحالة، مستقيلا، ويواصل تصريف الامور اليومية.
واليوم، وبعد مرور قرابة خمسة اشهر على تشكيل الحكومة علت اصوات قادة الكتل السياسية تطالب باجراء انتخابات نيابية مبكرة، وان على استحياء او خوف، للخروج من الازمات المتتالية التي تمر على العراق، وهو في احرج ظروفه وادقها.
ومن اجل ان لا نضحك على انفسنا وان لا نضيع الثمرة المرجوة من الانتخابات المبكرة، ينبغي، قبل ذلك، ان يشرع مجلس النواب العراقي فورا قانونين متلازمين لنفتح الباب على مصراعية امام عملية التغيير والاصلاح المرجوة من كل انتخابات نيابية مبكرة تجري في دول العالم التي تعتمد النظام الديمقراطي، خاصة البرلماني:
الاول؛ هو قانون الاحزاب، والثاني؛ هو قانون الانتخابات، والا فان نتيجة اية انتخابات نيابية مرتقبة، سواء كانت مبكرة او غير مبكرة، سوف لن تتغير عن اخواتها السابقات، لان قانون الانتخابات الحالي يسمح للقط، اذا ما رمي من عل، ان يسقط على قدميه فقط فلن يصيبه مكروه، ولقد قال العراقيون في امثالهم الشعبية القديمة، عندما لا يتغير شئ مع التكرار (نفس الطاس يا عباس) وهذا ما لا نريده للعراق الجديد بكل تاكيد، فالظروف والمرحلة تتطلب اجراء تغيير حقيقي، من اجل تجاوز مخلفات الديكتاتورية ومرحلة ما بعد اسقاط الطاغية الذليل، والتي سببها الثالوث المشؤوم (الفيتو والمحاصصة والتوافق).
ان هذين القانونين مهمين جدا لتطوير العملية السياسية برمتها، وهما يستحقان ان يبذل مجلس النواب قصارى جهده ويصرف جل وقته من اجل تشريعهما في اقرب فرصة، فبدلا من ان ينشغل النواب ويقضون وقتهم، الثمين جدا والغالي، لاصدار تشريعات مثل (قانون الحوانيت المدرسية) و (قانون الغابات والمشاجر) وغيرها من القوانين الثانوية، فان عليهم ان ينشغلوا بما تتوقف عليه مصير العملية السياسية، والنظام الديمقراطي، فلا يتركونه الى الربع ساعة الاخيرة، او الى الدقيقة (90) من المباراة، كما يقولون.
ان امام النواب اليوم فرصة ذهبية ثمينة لانجاز عمل تاريخي يخلدهم، يصحح مسار العملية السياسية ويؤدي الى استقرار البلاد وينهض بالعراقيين الذي عانوا كثيرا لحد الان.
نعود للحديث عن القانونين التوأمين اللذين يجب ان يشرعهما مجلس النواب فورا قبل التفكير باية انتخابات مبكرة.
بالنسبة الى القانون الاول (قانون الاحزاب) فان من غير المعقول ان يظل العراق الجديد الذي يقوم نظامه السياسي الديمقراطي على اساس مبدا التداول السلمي للسلطة في اطار التعددية السياسية، الحزبية، ليس من المعقول ان يظل بلا قانون للاحزاب ينظم عملية تشكيلها وعملها.
واذا عدنا الى الدستور فسيتضح لنا بان كل هذه الاحزاب القائمة حاليا، والتي هي عبارة عن احزاب زمن المعارضة، لا تمتلك اية شرعية دستورية، لانها لم تتاسس على اسس وقواعد دستورية وقانونية واضحة.
لقد تحدث الدستور العراقي في المادة (39) اولا، عن موضوع تشكيل الاحزاب بما نصه (حرية تاسيس الجمعيات والاحزاب السياسية، او الانضمام اليها، مكفولة، وينظم ذلك بقانون) فيما تحدثت المادة (7) اولا من الدستور عن الاطار العام للتعددية السياسية بما نصه (يحضر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي، او يحرض او يمهد او يمجد او يروج او يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت اي مسمى كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون).
في المادتين الدستوريتين المذكورتين اعلاه ينتهي النص بعبارة (وينظم ذلك بقانون) ما يعني ان التعددية الحزبية اليوم في العراق بلا شرعية دستورية، اي انها عارية عن اية مظلة قانونية، ولذلك فان بامكان المواطن العراقي ان يطعن بشرعية كل هذه الاحزاب التي تعمل اليوم في العراق، بما فيها الاحزاب التي تتقاسم السلطة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان عدم وجود قانون للاحزاب ينفي الجهة القانونية المخولة التي لها السلطة الدستورية في التدقيق في اهداف ومتبنيات الاحزاب لضمان خلو مناهجها وبرامجها الحزبية من المواصفات المذكورة في المادة (7) اعلاه، ليتم حضرها ومنعها من ممارسة نشاطها.
كما ان عدم وجود قانون للاحزاب ينتهك المادة (39) ثانيا، والتي تنص على انه (لا يجوز اجبار احد على الانضمام الى اي حزب او جمعية او جهة سياسية، او اجباره في الاستمرار في العضوية فيها) لان الدستور الذي كفل حق المواطن، اي مواطن وبلا تمييز، في تاسيس حزب او كيان سياسي، وذلك بنص اولا من المادة المذكورة اعلاه، لا يمكنه اليوم ان يشكل مثل هذا الحزب لغياب قانون الاحزاب، ما يعني انه مجبر اما على الانتماء الى احد الاحزاب الموجودة او يحرم نفسه من الانتماء الى حزب ما اذا لم يقتنع بما هو موجود من الاحزاب السياسية، وفي كلا الحالتين فانه مسلوب الارادة وذلك انتهاك خطير لحقوقه المدنية المنصوص عليها في الدستور.
لقد نصت المادة الاولى من مسودة قانون الاحزاب المعروضة الان امام مجلس النواب لمناقشتها وتشريعها، والتي تشتمل على (11) فصلا في (60) مادة قانونية، على ان الهدف من القانون هو:
اولا؛ تحديد وتنظيم الاحكام والاجراءات المتعلقة بتاسيس الاحزاب السياسية وانشطتها.
ثانيا؛ تحقيق مبدا التعددية السياسية والحزبية القائمة على الشرعية الدستورية.
ثالثا؛ ضمان حرية المواطنين في تاسيس الاحزاب والانضمام اليها.
وكل هذه النقاط اشارة واضحة الى عدم دستورية الحياة الحزبية الحالية في العراق.
كما انه مؤشر على جواز الطعن بالتعددية السياسية الحالية، فضلا عن الاشارة الى الانتهاك الصارخ الذي تتعرض له الحقوق المدنية للمواطن والتي كفلها الدستور العراقي.
وعلى الرغم من اننا نسمع اليوم عن محاولات من قبل مجلس النواب لمناقشة هذه المسودة لتشريعها في اقرب فرصة ممكنة، الا ان الانباء التي تتسرب من اروقة المجلس تشير الى ان متنفذين في بعض الكتل البرلمانية وزعماء الاحزاب الحاكمة لا ترغب بتمرير القانون وهي تبذل قصارى جهدها من اجل عرقلة تمريره في مجلس النواب، واعادة ركنه على الرف حتى يقضي الله امرا كان مفعولا.
والسبب واضح جدا، لان المسودة تتحدث في بعض موادها القانونية عن وجوب اشهار الحزب، اي حزب يتاسس بناء على هذا القانون، عن مصادر تمويله للراي العام، وهذا ما تخشاه جل الاحزاب الحالية، التي تمولها دول واجهزة مخابرات، اقليمية ودولية، فيما تمول بعض هذه الاحزاب نفسها من ميزانية الدولة العراقية، اي من قوت الشعب العراقي وحقوقه المالية على بلاده، فيما تمول بعض هذه الاحزاب نفسها من العمليات الارهابية وعمليات الخطف والقتل والاغتيال والابتزاز وغير ذلك.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فان المسودة تتحدث عن شروط محددة لتاسيس حزب، قد تربك عمل الاحزاب الحالية اذا ما تم تشريعها.
فمن الواضح فان الاحزاب الموجودة الان على الساحة، خاصة تلك التي تتقاسم السلطة، تقوم اما على اساس ديني او مذهبي او اثني، ما يعني انها احزاب (غير وطنية) اي لا تعتمد معيار (المواطنة) كشرط للانتماء الى صفوفها، وانما تعتمد معايير مثل الدين او المذهب او الاثنية وبعضها المناطقية وغير ذلك، فيما تنص المادة الثامنة في الفصل الثالث من المسودة على عدم تعارض مبادئ الحزب او اهدافه او برامجه في ممارسة نشاطه مع:
*احكام الدستور.
*مبادئ حقوق الانسان.
*مبدا الوحدة الوطنية.
*مبدا التداول السلمي للسلطة.
ومن الواضح فان اعتماد اية معايير للانتماء الحزبي غير معيار (المواطنة) يعد انتهاكا لكل هذه الاسس القانونية.
لذللك، فانا اعتقد جازما بان هذا القانون سوف لن يمر في مجلس النواب الا بعملية قيصرية اتمنى ان لا تاتي على الام وربما على وليدها.
في هذا الاطار، ادعو منظمات المجتمع المدني واصحاب الاقلام الحرة من كتاب واعلاميين وباحثين ومفكرين، وكذلك المرجعيات الدينية والسياسية، المستقلة تحديدا، الى اطلاق حملة واسعة للضغط على السياسيين، وتحديدا على مجلس النواب، للاسراع في تشريع هذا القانون، والا فان العملية السياسية ستظل ناقصة الشرعية دستوريا، وان اية انتخابات نيابية قادمة لا تعتمد على قانون للاحزاب ستكون انتخابات ناقصة الشرعية، وغير مجدية، لا في عملية التغيير المرتقبة والمامولة، ولا في عملية بناء الدولة الجديدة.
اما بالنسبة الى القانون الثاني، فكلنا يعرف دقة الظروف التي كتب فيها، يوم كانت الكتل الحزبية الكبيرة تسعى للحفاظ على امتيازاتها من عملية احتكار السلطة، ولقد غض كثيرون الطرف عن ذلك ظنا منهم بان هذه الكتل ستكون قادرة على حل مشاكلها فيما بينها من اجل الصالح العام بمرور الزمن، وبما يضمن تحقيق حياة حرة وكريمة ومرفهة للمواطن العراقي، ليتبين فيما بعد بان القانون الذي فصلته هذه الكتل على مقاساتها، تحول الى عقبة كاداء في طريق تحقيق ابسط اهداف المواطن العراقي، ومنها تحقيق مبدا تكافؤ الفرص.
ان القانون الحالي كرس المحاصصة باسوأ صورها والتي فقست كل هذا الكم الهائل من المواقع السيادية ليس لتحقيق متطلبات الحاجة الفعلية، ابدا، وانما لتحقيق التراضي الحزبي، ما اثقل كاهل ميزانية الدولة اموالا طائلة ليس من ورائها اية نتيجة او منافع، سوى ترضية هذا الطرف الاقليمي والدولي او ذاك الطرف السياسي، والا بالله عليكم، اذا كان منصب رئيس الجمهورية في الدستور العراقي تشريفيا اكثر من كونه فعليا، فما فائدة نوابه الذين تريد بعض الاطراف السياسية تعديل قانون نواب الرئيس ليكونوا اربعة بدل الثلاثة الذين نص عليهم القانون بعد ان كانوا اثنان فقط؟.
وما معنى ان تتالف الحكومة من اربع واربعين حقيبة، ليس من بينها لحد الان وزراء ابرز هذه الحقائب، الا وهي الوزارات الامنية؟.
تاسيسا على ذلك، ينبغي على مجلس النواب العراقي ان يعيد النظر فورا بقانون الانتخابات الحالي بما يضمن فتح الطريق امام عملية التغيير الحقيقية المرجوة للعملية السياسية، عبر كسر احتكار السلطة من قبل مجموعة الاحزاب الحاكمة، لنقضي بذلك على المحاصصة والتوافق والفيتو، من خلال تضمين القانون كل ما يحقق المبادئ التالية:
اولا؛ صوت واحد لمواطن واحد.
ثانيا؛ عدم نقل الاصوات من والى القوائم بالمطلق.
ثالثا: تقسيم العراق الى عدد من الدوائر الانتخابية يساوي عدد مقاعد مجلس النواب.
رابعا: اعتماد نظام القائمة المفتوحة بالكامل، من دون اية التباسات، من خلال اسقاط نظام القاسم الانتخابي، واعتماد اكثرية اصوات الناخبين فقط كمعيار للفوز بالمقعد النيابي.
في هذا الصدد، كذلك، ادعو منظمات المجتمع المدني، والمرجعيات الدينية خاصة، التي كان لها الدور المفصلي في اجراء بعض التغييرات على القانون االحالي بنسخته الاولى، الى ممارسة الضغط على مجلس النواب وعلى قادة الكتل البرلمانية والسياسية من اجل اجراء التعديل المطلوب على قانون الانتخابات، والا فان اية دعوة لانتخابات نيابية مبكرة سوف لن تكون اكثر من محاولة جديدة للضحك على الذقون.
ان قانون الانتخابات الحالي ينتهك عدد من المواد الدستورية المتعلقة بحقوق المواطن، فهو من جانب ينتهك المادة (16) التي تنص على ان (تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك) فالقانون يحمل المرشح الذي يحصل على عدد اصابع اليد من اصوات الناخبين الى مجلس النواب، فيما يحرم المرشح الذي يحصل على آلاف الاصوات من تبؤ مقعده تحت قبة البرلمان وذلك بسبب عملية النقل والانتقال بين الاصوات.
كما انه ينتهك المادة (20) من الدستور والتي تنص على ان (للمواطنين رجالا ونساءا، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوقهم السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح) فالقانون الحالي يتصرف بصوت الناخب بالضد من ارادته، كما انه يحرم المواطن من حق الترشح في الانتخابات اذا لم ينتم الى احدى القوائم الكبيرة، لضمان نسبة فوز معقولة، ما يعني ان القانون يسلب ارادته الفعلية.
كما ان القانون ينتهك المادة (37) اولا: الف؛ والتي تنص على ان (حرية الانسان وكرامته مصونة) عندما يصوت الناخب على مرشح ما ثم يتبين له بان صوته قد انتقل بفعل القانون الى مرشح آخر، ما يعني ان حريته غير مصونة، وبالتالي فان كرامته غير مصونة هي الاخرى، فكما هو معلوم فان الانسان انما يتمتع بحريته ويصون كرامته عندما يشعر بان الدولة امينة على صوته الانتخابي وليس عندما يعلم بانها نقلت صوته من مرشح لآخر.
ان القانون الحالي الذي انتج المحاصصة ومبدا التراضي وما يسمى بالشراكة الوطنية، حرم العراق من حكومة الاغلبية السياسية، بعد ان الغى المعارضة تحت قبة البرلمان، وكل ذلك ادى الى شل البرلمان عن تادية واجبه الرقابي على السلطة التنفيذية، كما انه شل البرلمان عن تادية واجبه التشريعي بشكل دقيق لان محصلة جهده التشريعي اصبحت اليوم تساوي صفرا، بسبب صراع الارادات الذي لا ينتهي.