بعيد سقوط الصنم عام 2003م والعراق مرّ بادوار كثيرة وهذه الأدوار ولدّت حالة فقدان الثقة بين المسؤول الحكومي والناس، وكلما كان جسر الثقة بين الطرفين ممتداً كلما كانت هناك شفافية في العمل وصيانة له من الآفات التي تعترض طريقه من قبل ضعاف النفوس في الداخل والخارج، وإن إبقاء الجماهير أسيرة لمسألة رأي من هنا ورأي من هناك وإعلام موافق أو إعلام مضاد ستزيد من حالة الإرباك والارتباك وستبقى عملية الضبابية في نفسية المواطن، ما يؤدي إلى اتساعها وتحويلها وبمرور الزمن إلى عواصف عاتية تجرف الأخضر واليابس وتجعلها بين عشية وضحاها قاعا صفصفا ولات حين مندم. الثقة المتبادلة بين المواطن والمسؤول هي من أهم الأسس التي يعتمد عليها النظام الديمقراطي، وتمتد مساحة تلك الثقة لتشمل جميع أولئك الذين يؤمنون بالتغيير وإرادة الشعوب في تقرير مصيرها وحفظ الحقوق والواجبات لكل من المواطن والمسؤول.
ولكي تستقيم المعادلة في تفهم المشاكل ومحاولة التغلب عليها كل حسب موقعه وكل حسب ما يتمتع به من صلاحيات دستورية ودينية ووطنية وعرفية واجتماعية، فإننا وبأمس الحاجة إلى تمتين الثقة بين الكيانات السياسية المتضاربة في أفكارها وتوجهاتها ومنابعها الفكرية والثقافية من جهة وبين تلك الكيانات فيما بينها من جهة ثانية وبين الكيانات والمواطنين من جهة ثالثة، وهكذا فإن الثقة المتبادلة باستطاعتها أن تحل الكثير من المشاكل وأن تسيّر العملية السياسية وفقا لذلك بانسيابية واضحة، أما إذا فقدت الثقة بين جميع الأطراف أو بعضها فإن الأمور تتجه نحو التأزيم ولا نخرج من مشكلة حتى ندخل بأعظم منها وهكذا دواليك.
صحيح إن التجارب العالمية تؤكد إن سقوط الأنظمة الشمولية يخلف وراءه جملة من التراكمات التي تؤدي إلى إخفاقات مستمرة على الفرد والمجتمع, وصحيح إن الحكومة الديمقراطية الناشئة تعاني من مشاكل سياسية وتقاطعات بسبب حرية التعبير وممارسة الحقوق التي كفلها الدستور, وصحيح كذلك إن الإخفاقات التي منيت بها العملية السياسية تعتبر من الظواهر الصحية ومن علامات الوعي السياسي، ولكن لا ننكر هنا إن بعض الوزراء أو موظفي الحكومة الكبار عملوا بقصد أو بدون قصد إلى الإساءة للنظام الديمقراطي برمته من خلال عدم الإيفاء بالوعود التي قطعوها للمواطنين مما أدى إلى خلق حالة من عدم الرضا انسحبت إلى التشكيك بصدقية هذا المسؤول وبالتالي زعزعة ثقة المواطن بالنظام.
ولحل تلك المعضلة التي طالما رافقت العملية السياسية في العراق لابد من تبني مسألة الحوار وهي من المسائل المهمة والحضارية والتي ترفع أي إشكال، مع تبني فكرة الصراحة التي تقتضي أن يكون المسؤول صريحاً مع المواطن خصوصاً في الوزارات الخدمية والوزارات التي لها علاقة مباشرة مع المواطنين حتى نستطيع حل جزء من المشكلة، وإذا لم يكن المسؤول صريحاً ستتفاقم المشكلة أيا كانت وسنبقى ندور بحلقة مفرغة تبدأ ولا تنتهي.
وكل وزير عليه أن يفرد وقتاً كافياً ويبين ما هي سياسته في الوزارة؟ وما هي خطته الإصلاحية؟ ما هي مشاريعه المستقبلية؟ ما هي المعوقات التي تقف أمامه؟ هل هي تشريعية حتى يسمع البرلمان؟! هل هي تنفيذية حتى يسمع رئيس الوزراء؟! هل هي من كيانات أخرى حتى يسمع المتصدون؟! وهل هي خارجية وإقليمية حتى يكون المواطن على بينة من الضغوط الداخلية والخارجية؟! بعد ذلك يبدأ لقاء مفتوح مع الناس عن طريق وسائل الإعلام بشرط أن يكون الوزير صريحاً وواضحاً وواقعيا، وتدوّن ما دار فيها من مداولات ووعود ومداخلات، وتكون انتقادات المواطن ومطاليبه بذلك مستندة إلى أرضية صلبة قائمة على الواقعية والإمكانات بعيدة عن الشعارات والاتهامات، وتجعله أمام رؤية واضحة عما يدور حوله من أمور وظروف وشرائط وقابليات، وإنه يضع جميع تلك الأمور بالحسبان قبل أن يوجه أصابع الاتهام لأية جهة.
من هنا نستطيع القول إن المرحلة السياسية التي يمر بها العراق اليوم تختلف عن المراحل السابقة، لذا يجب علينا جميعا أن نتغلب على مسالة عدم الثقة والعمل على البحث عن الفرص المتاحة والمساعدة في الخلاص من هذه المشكلة, لأنه لا يمكن التفكير بالوصول إلى خلق أرضية مناسبة للعمل الشفاف دون تحقيق الثقة بين المواطن والمسؤول في النظام الديمقراطي.
أقرأ ايضاً
- الحجُّ الأصغرُ .. والزِّيارةُ الكُبرىٰ لِقاصِديِّ المولىٰ الحُسّين "ع"
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- من يُنعش بغداد ؟