الهامش الكبير مابين الرواتب والمزايا المادية الممنوحة للدرجات الوظيفية العليا في الدولة العراقية قد يفضي الى تحويل الطبقة السياسية (الطبقة مجموعة من الناس في مجتمع ما لها نفس المكانة الاجتماعية وتصنف الطبقات على معايير كالثروة والسلطة والمقام والنسب والدين والوظيفة) الى طبقية سياسية .والطبقة السياسية هي من أهم مفاصل الطبقة الوسطى الفاعلة على مستوى القرار السياسي وغير السياسي (الطبقية : ظاهرة أساسية في تركيب المجتمع الإنساني وانقسامه إلى طبقات فيتكون لدى كل طبقة منها وعي خاص بها حيال الطبقات الأخرى) وعلى مستوى السلطات الحكوماتية الثلاث المشكلة للحكومة المنضوية تحت اطار الدولة . والطبقة السياسية في النظم الديمقراطية تتأتى منطلقة من القاعدة الجماهيرية العريضة والمعبرة عن تطلعات وهموم تلك الجماهير وعن طريق اختيارها الحر بموجب الدستور تصل طبقاتها السياسية (النخب) الى مراكز القرار على اختلاف انماط مصادره لتؤدي ادوارها وخدماتها المطلوبة وبحسب تفويض الدستور..
فالهامش الطبقي يجب ان يكون بحسب هذه الصورة ليس بالمستوى الذي يوحي بان الطبقة السياسية بدأت تتحول تدريجيا الى \"طبقية\" سياسية بحكم الامتيازات التي تمنح (وستمنح بعد انتهاء خدماتها) ومن اللافت للنظر ان معظم افراد هذه الطبقة لايعطون الفرصة لانفسهم او لغيرهم للتحدث عن هذا التحول عن طريق تلك المزايا او لمناقشة ماقد تحدثه تلك الامتيازات من فواصل او فوارق او هوامش طبقية ومدى تأثير ذلك على قناعة الجماهير الحالية والمستقبلية بالعملية السياسية ومدى مقبولية مشاركتهم بها في المستقبل وذلك مع استمرار الهامش الطبقي مابين النخب السياسية ومابين قواعدها الجماهير سائرا في خط بياني معاكس وقد يكون متعاكسا مع جيل او اكثر وقد يفضي هذا التعاكس الى نشوء \"ارستقراطية\" من نوع جديد تنشأ في ظروف معينة وعلى حساب الموازنة التشغيلية للبلد وتقدم خدماتها في مدة معينة مع امتيازات قد لاتبدو طبيعية بالنسبة لمعظم شرائح البلد خاصة تلك التي تعيش تحت مستوى الفقر او التي ماتزال تعتاش على ماتبقى من مفردات البطاقة التموينية او اعانات الرعاية الاجتماعية الشحيحة قياسا الى معدلات التضخم التي تبتلع اي سيولة نقدية مهما كان حجمها؟
ان الرواتب والمزايا بكافة انواعها من التي تمنح للطبقة السياسية يجب ان تخضع لمعايير عدة منها انها يجب ان تتناسب مع مستوى الدخل القومي الذي هو مجموع قيم السلع والخدمات النهائية المنتجة في الاقتصاد الوطني خلال العام الذي يشمل الإنتاج المادي (السلع) والإنتاج غير المادي (الخدمات) كما تتناسب ومعدلات البطالة وهي عدم وجود فرص عمل مشروعة لمن توافرت له القدرة على العمل والرغبة فيه .
وتلك المزايا المادية والمنافع يجب ان تتسق مع الخط البياني للرفاه الاجتماعي والخطط التنموية (التخطيط قصير المدى هو التقسيم المرحلي لخطة متوسطة المدى، على عدد محدد من سنوات هذه الخطة، تعتمد على الاستقراء الدقيق للموارد الخاصة بها على أساس سنوية الخطة) وتنسجم مع التنمية المستدامة(وهي تحسين ظروف المعيشة لجميع الناس دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية وتجرى في ثلاثة مجالات رئيسة هي النمو الاقتصادي، وحفظ الموارد الطبيعية والبيئة، التنمية الاجتماعية) وحجوم الفوارق الطبقية بين الشرائح الاجتماعية ( وذلك بوجود طبقة وسطى حقيقية وفاعلة) ومع المستويات المعيشية والتأمين الاجتماعي وهو نظام ترعاه الحكومة يرمي إلى حماية أصحاب الأجور وعائلاتهم من الضائقات الاقتصادية . ومعدلات نمو وحداثة التربية والتعليم العالي فضلا عن معدل المستوى المعيشي للفرد مقارنة الى بقية الدول خاصة دول الجوار ومن ذات الوسط الاقليمي اضافة الى مديونية الدولة للمجتمع الدولي . جميع ما تقدم وغيره يجب ان يؤخذ بالحسبان في أية ميزانية خاصة في الاقتصاد العراقي الريعي المحكوم بتذبذب اسعار النفط في الاسواق العالمية واختلاف مناسيب اسعاره حسب موازين العرض والطلب وبالتالي تتأثر أية ميزانية بهذه المناسيب وتؤثر على مجمل الفعاليات الاقتصادية ومستويات المعيشة والخدمات المقدمة في حين ان الامتيازات المادية والرواتب العالية التي تمنح للمسؤولين وذوي الدرجات الخاصة قلما تتاثر بذلك وهنا يكمن تناشز غريب مابين واقعين احدهما نخبوي سياسي طبقي وآخر جماهيري يجد نفسه في مستويات طبقية ادنى بكثير من الطبقة السياسية التي قد تتحول الى طبقية سياسية بمرور الوقت .
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- التداعيات السياسية بعد قرار المحكمة الاتحادية
- إقالة الحلبوسي... نهاية زعامة سياسية وبداية أزمة