لا شك ان ردود الفعل التي حصلت ضد تطاول احد شيوخ البلاط ووعاظ السلاطين على المرجعية الدينية، واسعة ومهمة، فهي جاءت على لسان العديد من المسؤولين والعلماء والمثقفين ومؤسسات المجتمع المدني، في مختلف دول العالم، ومن مختلف شرائح المجتمع المسلم خاصة في العراق، الا ان هذا لا يكفي، فالى متى نظل ننتظر ليتطاول احد اقزام الوهابية ضد هذا المرجع او ذاك الفقيه او تلك المؤسسة او الشعيرة المذهبية، لننهض مستنكرين عليه ذلك؟ وهم الذين يكررون مثل هذا العدوان بين الفينة والاخرى؟ لماذا لا نبادر الى معاقبتهم من خلال تقديم على الاقل احد فقهاءهم الى القضاء الدولي وادانته ليكون عبرة لغيره؟ ولايقاف الاخرين عند حدهم؟.
الى متى نتخذ موقف المدافع؟ وهم الذين لا يرقبون فينا الا ولا ذمة؟.
لماذا لا نبادر الى تجريم الفكر الوهابي في المحافل الدولية بعد ان ثبت للقاصي والداني بانه فكر مدمر يستهدف الانسانية والبشرية جمعاء، على غرار النازية والفاشية التي جرمها المجتمع الدولي فلم يعد بامكانها النهوض ابدا؟.
ان تصريحات مفتي بلاط آل سعود يوم امس يمكن ان تكون اكبر دليل على صحة ما نذهب اليه من ان الوهابية منهج تكفيري، يدعو الى قتل الاخر الذي يختلف معه مهما كان نوع الاختلاف، الم يقل المشار اليه عن شيوخ الوهابية ما نصه (لا يسعون في تكفير احد بلا حق)؟ ما يعني انهم حددوا مقاييس خاصة لتكفير من يشاؤون وتبرئة من يشاؤون، فهو لم ينف (تهمة) التكفير عن (مذهبه) وانما قننها وشرعنها على طريقته الخاصة، ثم وصفها بالحق، ليطبق بعد ذلك هذه المقاييس على من يشاؤون ومتى يشاؤون، فولاة امرهم مبرأون من اية تهمة حتى اذا أفسدوا في الارض واعتدوا على حقوق الاخرين وقتلوا الابرياء وقصفوا بطائراتهم الاهالي العزل كما يفعلون اليوم في قرى اليمن، وطلبوا من (الغرب الكافر) ان يساعدهم على اقتحام بيت الله الحرام (الكعبة) من خلال تنفيذ انزال جوي مسلح، كما حصل في الاول من محرم الحرام عام 1400 للهجرة، واصدروا فتاوى التكفير التي قتلت الابرياء في مختلف دول العالم، واستباحت الحرمات واعتدت على الارض والعرض، وشربوا الخمرة ومارسوا الزنا وأهدروا المال العام وميزوا بين الناس وتوارثوا السلطة وتآمروا على هذا وذاك، وحرموا المرأة من حقوقها الاجتماعية الطبيعية التي كفلها لها الاسلام، اما غيرهم فتهمة الكفر جاهزة ضدهم، وهي الاساس في التعامل معهم لا زالوا يختلفون معهم، فان قدروا عليهم اقاموا عليهم حد الكفر فقتلوهم، والا فان الحد مؤجل الى اشعار آخر الى حين ان تحين الفرصة، وهذا ما يفعلونه مع من يخالفهم بغض النظر عن دينه وانتمائه، ولذلك فقد قتلوا السني كما قتلوا الشيعي وقتلوا المسلم كما قتلوا غير المسلم، وقتلوا المؤمن كما قتلوا غيره، وهكذا.
وهو، مفتي بلاط آل سعود، بدلا من ان يستنكر تخرصات المتحدث التي تطاول فيها على مذهب من المذاهب الاسلامية يدين به ويتعبد فيه نصف المسلمين، اذا به يتهم عقول الناس ويستخف بوعيهم، بعد ان يبرر للمتطاول تجاوزه على حرمة العلم والعلماء وعلى منبر الجمعة، بقوله {دور خطيب الجمعة (....) ومخاطبة الناس على قدر عقولهم} وهو بهذا الكلام يوحي للمستمع بان الشيخ الوهابي التكفيري الذي تطاول على مذهب اهل البيت عليهم السلام وعلى المرجعية الدينية العليا، قال حقا ولكن ليس في محله ولذلك لم يفهمه المستمعون لخطبته، وكانه كان يتحدث فلسفة او منطقا رفيع المستوى، وليس انه سرد عددا من التهم والافتراءات التي ما انزل الله بها من سلطان، ثم عرج ليتفوه بكلمات السباب والشتم وكلام ابناء الشوارع الذين لا يعرفون لمنبر رسول الله (ص) حرمة ولا للمستمعين كرامة ولا للعقل منزلة؟.
والا بالله عليكم هل سمعتم يوما ان احدا من اتباع مذهب اهل البيت عليهم السلام ادعى النبوة؟ او انه ادعى الالوهية والعياذ بالله؟ لقد اتهم الشيخ التكفيري شيعة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام بانهم يدعون الالوهية احيانا ويدعون النبوة والامامة في كل حين، اي كلام سخيف هذا الذي ينطق به امثال هؤلاء؟ وكأن الناس جهله لا يعرفون الف باء الحقيقة، او كانهم يعيشون في كهوف فلا يطلعون على افكار الاخرين ومعتقداتهم.
لو كان في بلداننا العربية والاسلامية قانون للاعلام لرفع الناس دعوة قضائية ضد هذا الشيخ التكفيري بتهمة التشهير والقذف والكذب والتزوير، ولكن، انى لبلداننا مثل هذه القوانين وهي التي تسحق فيها الانظمة الشمولية الاستبدادية الحقوق والكرامات وتستخف بالعقول وكان شعوبها ليسوا من جنس البشر ليعاملوا بقوانين الادميين.
كنت اتمنى على هذا المفتي ان يحترم كلامه ويلتزم بنصيحته التي اوردها في تصريحاته عندما قال (ان نسعى لما يوحد الكلمة ويجمع الصف وان لا نكيل المغالطات للاخرين من دون برهان او تاكد) فهل يا ترى ان اتهام الناس بعقائدهم يوحد الكلمة؟ ام ان اصدار فتاوى التكفير والقتل والذبح يوحد الصفوف؟ ام ان الطعن بدين الناس ومعتقداتهم بلا برهان او دليل يجمع الصف؟.
ام ان الشيخ التكفيري الذي اتهم وشتم، جاء بدليل وبرهان ليثبت به صحة ما نسبه الى التشيع والى المرجعية؟ ام انه اطلق السباب بلا دليل اعقبه بكلمة (يقال)؟ والقران الكريم يقول {وما يتبع اكثرهم الا ظنا ان الظن لا يغني من الحق شيئا ان الله عليم بما يفعلون} وكلنا نعلم فان كلمة (يقال) ظن لا يغني من الحق شيئا، اليس كذلك ايها المفتي الاعمى؟.
اتمنى على هذا المفتي ان يعود الى كتاب الله المجيد ليقرا فيه قول الله عز وجل {يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون} وقوله عز وجل {اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون} صدق الله العلي العظيم.