إن الانتخابات هي طفرة نوعية في تأسيس دولة المؤسسات الدستورية والتداول السلمي للسلطات واعتماد صناديق الاقتراع في تكريس المطاليب الشعبية في التغيير والتطوير ضمن حفظ الثوابت الدينية والوطنية، وما تمخضت عنه الانتخابات يوم السبت 31/1/2009م وما أفرزت من نتائج ينبغي احترامها من قبل الجميع، ولتكن الائتلافات في المرحلة الراهنة لخدمة الوطن والمواطن لا لخدمة الأحزاب، وليكن التصويت على اللوائح والمقررات نابعا من المصلحة العامة وليس تابعا لاملاءات التيارات التي ينتمي إليها الأعضاء.
الفاصل البياني الوحيد الذي يفصل بين النظام الديمقراطي والديكتاتوري هو أن الأول قابل للتجديد والتبديل والتطوير إذا ما أخفق في تلبية مطاليب الجماهير بينما في الثاني الناس جميعهم مجبورون على حالة واحدة لا حيلة لهم إزاءها ولا حول لهم ولا قوة في تغيير الواقع الفاسد الذي يواكب عادة الأنظمة المركزية.
الانتخابات لها دور أساسي في تقويم المسيرة السياسية إذ إنها الآلية الوحيدة للتداول السلمي للسلطة في البلد سواء أكان على مستوى الحكومات الاتحادية أو الحكومات المحلية، وأنها تجربة جديدة يشهدها العراق من بين الدول العربية والإسلامية التي تعودت على الأنظمة المركزية طيلة قرون متمادية من الزمن، ولا غرابة من تعثرها في سنينها الأولى وربما تتهم بعض الأحزاب المتنفذة التي منيت بالهزيمة المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات بالتزوير، وهي ردود فعل متوقعة لأحزاب ممولة ومتشربة في عقولها المركزية في علاقاتها السياسية والاجتماعية وهي كانت تعايشها عقودا من الزمن ومن الصعب محوها في سنين معدودة!! بيد أن الواقع الحالي يفرض على الجميع العض على الجراح وقبول ما تمخضت عنه صناديق الاقتراع وكبح جماح صيحات النفس الأمارة والأجندات الداخلية والخارجية التي تتربص بنا دوائر السوء للانقضاض على تجربتنا الديمقراطية الرائدة التي بها نحيا وبدونها نموت ونندثر كأمة وحضارة ودين ومبادئ وثوابت.
وما نتوخى من آلية الانتخابات أن توفر للبلد أناس مخلصون لإدارة الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والخدمية وغيرها من الشؤون المهمة، لاسيما إذا تشبع الفائزون بالحس الوطني وغلبوه على الحس الحزبي الذي مني بالفشل الذريع نتيجة الأداءات السيئة لمعظم مجالس الإنتخابات السابقة التي كانت تستولي عليها الأحزاب المتنفذة، وغالبا ما كانت تحركات الأعضاء السابقين فيها منوطا باملاءات أحزابهم ولا يعير أهمية بمطاليب الجماهير، التي قررت استبعاد الكثير من الأحزاب وذلك بانتخابها مستقلون طمعا منهم بتقديم الخدمات بعيدا عن التجاذبات السياسية والحزبية التي مزقت البلد شر ممزق، وهذا هو الهدف من الانتخابات النزيهة والشفافة وهو إيصال المخلصين من أبناء المدينة لإدارة ملفاتها في الميادين المختلفة على أحسن وجه، لا فرق في ذلك سواء أكانوا ينتمون إلى أحزاب أو مستقلون.
الملفات التي تنتظر المجالس الجديدة ملفات شائكة ويعتورها الكثير من المشاكل إن كانت من مخلفات النظام البائد أو من الاصطراع الحزبي والقومي بين الأحزاب التي كانت تستحوذ على الكثير من مجالس المحافظات السابقة، لاسيما أن مجالس المحافظات المقبلة، ينتظر ويتوقع منها انجاز مهام كبرى والاضطلاع بأدوار محورية، إن على صعيد الأمن والاستقرار، وإن على صعيد البناء والاعمار، وإن على صعيد الخدمات، وإن على صعيد التصدي لكل مظاهر الفساد الإداري والمالي، وإن على صعيد رفع معاناة الشرائح والفئات المحرومة والمغيبة.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط بعد الانتخابات الرئاسية في ايران؟
- قبل الانتخابات وبعدها