- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مدارس كربلاء الاهلية ..خطوة الى ماذا !!
من البديهيات والحقائق المؤكدة ان جميع المظاهر السلبية التي نراها واضحة جلية في الشارع العراقي والكربلائي على وجه الخصوص والتي باتت الى الان مصدر قلق لاغلبية ابناء الشعب العراقي كانت قد رسمت منذ امد بعيد من قبل حكومات وضعت إفرادا بارعين في هذا المجال من اجل الوصول الى مآرب خبيثة ....ولأهمية التعليم في نشأة الأفراد والأجيال كان الاهتمام منصبا عليه من اجل غرس المفاهيم الخاطئة في اذهان الاجيال المتعاقبة وبالتالي خلق جيل جديد في ضوء سياسة الدولة التي تحكم في تلك الفترة ،ومن الامثلة القريبة على مانقول هي المناهج الكثيرة التي ادخلت الى جميع المراحل الدراسية في زمن النظام السابق والتي مجدت بعضها القائد \"الضرورة\" والتي خلقت بالتالي بعض الافراد ممن امنوا بالديكتاتور ،خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار ان عيون ازلام النظام كانت حتى في البيوتات العراقية ترصد تحركات الاباء فيما لو ارادوا توضيح الحقيقة لابنائهم ...
وبعد تغيير نيسان 2003 كان الامل يحدو العراقيين جميعا في تغييرات جذرية تصيب مرافق الدولة عموما ،منطلقين من افكار لاتمت الى الواقع بصلة والتي كانت سببه حسب اعتقادي احتجاز العراقيين في عنق زجاجة الطاغية على مر ثلاثة عقود ونصف والتي ادت الى عدم اطلاع الشعب عن مايجري في دول العالم من تطور ،والتي كانت بالتالي احد اساليب النظام القمعية التي \"درست\" عقلية العراقي بامعان ،ورأت أن الفرصة لو اتيحت له لكان قد ساوى أقرانه في دول العالم المتقدمة ،والدليل ان هناك عددا كبيرا من العلماء والادباء العراقيين موجودون في خارج البلاد وممن أتيحت لهم الفرصة ..
لذلك تصورنا ان الكابوي الامريكي سيضرب العراق بعصا سحرية تعيد اليه حياة البشر الطبيعية الموجودة في بقية بلدان العالم ،ولكن الواقع الذي تلا التغيير اثبت اننا رغم تجاربنا السابقة عاجزون عن فهم مايجري وكأننا في حلم طويل نستفيق منه بالتدريج ..وهذا ماجعل الساسة قادرين على استغلال هذه الارضية الهشة للمجتمع العراقي من تنفيذ مايريدون ومايطمحون اليه منطلقين من شعارات طنانة كان المجتمع العراقي متلهفا لسماعها ،فصعد الصاعدون وكانت الطامة الكبرى التي نراها الان في اغلب مرافق الحياة ...
من الأمور التي حمد لها الحامدون كثيرا لله عز وجل ،على نعمة التغيير وتصوروا حينها ان البلاد تذهب بخط ونهج حضاري ،هي ظاهرة المدارس الاهلية التي امتلأت شوارع كربلاء بإعلاناتها التي تبهرك بالعروض التي تقدمها الى المتقدمين من حيث تعليم الحاسوب واللغات المختلفة اضافة الى تعليم مناهج اخرى حرمنا منها سابقا ،فبتنا نرسم لاطفالنا عناوين مستقبلية كثيرة بعد ان يتعلم ويتثقف ويبني مستقبله التعليمي على اسس علمية رصينة في تلك المدارس...
ولكن الانتشار الواسع للمدارس الأهلية والذي رافقه ضمور كبير في قريناتها الحكومية،جعلت من الممكن النظر الى مستقبل التعليم عندنا في العراق بعين الارتياب ،خصوصا اذا أخذنا بنظر الاعتبار التفاوت الطبقي الحاد الموجود بين أفراد المجتمع كافة نتيجة الفروقات الكبيرة بين دخل المواطنين في عموم البلاد..
لسنا في هذا الحديث ضد انتشار هذه الظاهرة ولكن هنالك عدة مسائل جوهرية يجب ان تاخذ بالحسبان من قبل القائمين على امور التربية في كربلاء خصوصا وفي الوزارة بشكل عام قبل ان يقوموا بدعم معنوي لا محدود لتلك المدارس منطلقين في تبريراتهم لدعمها ،على نغمات جديدة تطرب اذان الشعب ،والتي كانت قبل اربع سنوات سببا في اختيار بعض الأشخاص غير الكفوئين مثلوا الشعب في مجلس النواب ومجلس المحافظة ،وهو ما أدى إلى نتائج كارثية نراها واضحة جلية وضوح الشمس في رابعة النهار ..
لذلك فالأجدى اذا افترضنا بنسبة قليلة ان القائمين على امور التربية والتعليم في الوزارة ومديرية تربية كربلاء النهوض بالواقع التربوي ان يقوموا بعدة اشياء قبل توجههم هذا حتى لايكونوا عرضة للمحاسبة امام الله عزوجل قبل محاسبتهم من قبل الشعب ..والايام معدودات..
من اول الامور الجوهرية هي قلة بنايات المدارس الحكومية والتي ادت بالتالي الى احتضان البناية الواحدة لثلاث مدارس ،وهذا ماادى الى وصول عدد تلاميذ الصف الواحد في اغلب المدارس الى ستين او سبعين تلميذا الامر الذي سبب ارباكا كبيرا في عملية التعليم بحسب التدريسيين ،الأمر الآخر هو قلة التجهيزات في المدرسة الواحدة من حيث عدد الرحلات والوسائل الاخرى مثل وسائل الايضاح والاجهزة العلمية الاخرى مثل اجهزة الحاسوب الذي هو لغة العصر في الوقت الراهن ،عملية التدريس التي اصبحت تقليدية الى حد بعيد بسبب عدم استحداث مناهج جديدة تتلاءم والتطور الحاصل في بلدان العالم ،وحتى التي حدثت منها فانه شمل طبعة جديدة ،وليس مضمون المنهاج ،عدم إشراك التدريسيين في دورات خارج البلاد والتي كان لها الأثر الايجابي البالغ في سبعينيات القرن الماضي ،فضلا عن عدم إحالة كبار السن من التربويين الى التقاعد (مع احترامي الشديد والفائق لما قدموه ) ،والتي خلقت شريحة كبيرة من الخريجيين العاطلين عن العمل او قيامهم بإعمال لا تتناسب مع تحصيلهم الدراسي ،بالاضافة الى ذلك عدم وجود وسائل خدمية في المدارس منها على سبيل برادات للمياه ،وكذلك تردي حالة الحمامات الصحية والتي سببت في انتشار أمراض انتقالية كثيرة فضلا عن مشاكل كثيرة لا يتسع لها المقام ..والتي اعتقد انها ليست غريبة عن مسامع وانظار المسؤولين ،اذ انني بالتالي لم اضف شيئا جديدا ،ولكنني اذكر \"ان نفعت الذكرى\" ...
هذه الامور الجوهرية كان الاجدر ان توفرها وزارة التربية قبل الشروع عبر مديرياتها خاصة في كربلاء بدعم هذه المشاريع باعتبار ان اغلب دوام هذه المدارس صباحي وهو ما يتلاءم مع اغلب شرائح المجتمع ،الشيء الآخر قلة تلاميذ في الصف الواحد ،المناهج الجديدة التي اضيفت الى المناهج الرئيسية ،تعليم الحاسوب واللغات المختلفة ،طرق التدريس الحديثة ،وجود وسائل ترفيهية ،خصوصا في مدارس التعليم الابتدائي لكسر حالة الجمود بين درس وآخر وإيجاد حالة من الاشتياق الى المدرسة ،فضلا عن السفرات الترفيهية التي منعت في المدارس الحكومية تحت حجج الأوضاع الأمنية....
كل هذه الأمور وغيرها جعلت من أولياء أمور التلاميذ يفكرون مليا بتسجيل أبنائهم في تلك المدارس ولكن !! الاسعار الخيالية التي وضعتها اداراتها للتلاميذ والتي تراوحت مابين 350 الف دينار الى 600 الف دينار في السنة الواحدة جعلت من ولي الامر يتوقف عن ذلك بحساب ان تلك الاسعار لاتتناغم مع مردوده الشهري ،الأمر الذي ادى بالتالي الى اقتصار هذه المدارس على أبناء شريحة معينة من المجتمع ،بمعنى أدق أبناء الأغنياء فقط والمسؤولين الكبار وهو ما يخلق تفاوتا كبيرا في التعليم بين تلك الطبقات مستقبلا...
لذلك لو تم الإعلان (على اساس تلك الحقائق) عن مدارس من هذا النوع ولكن بأسعار اقل من الموجودة حاليا سيقبل بها المواطن بلا شك ..ومن الممكن جدا ان يؤدي ذلك الى رفع مجانية التعليم ،وهذا الامر ممكن جدلا باعتبار ان المواطن تخلى عن ابسط حقوقه بعناوين بسيطة والأمثلة كثيرة منها زيادة أسعار المحروقات وفواتير الكهرباء والهاتف الارضي وقلة المواد الغذائية في البطاقة التموينية فضلا عن نوعيتها التي لايصلح بعضها للاستهلاك البشري ،والبطء الشديد في عمليات الاعمار وغيرها من الامور الكثيرة..
الاجدر ايها السادة القائمون على امور التربية والتعليم خصوصا في كربلاء النظر لهذه الامور المهمة اذا كانت العناوين التي اعلنتموها خلال دعمكم لهذه الظاهرة ،صحيحة ،والتي لاأعتقد انها كذلك لاعتبارات كثيرة اذكر منهما شيئين رئيسيين :ـ
الاول ارجاع مانسبته 70% من الميزانية المخصصة لوزارة التربية نهاية العام المنصرم رغم افتقار هذا القطاع المهم الى الكثير من المسائل والحاجات الجوهرية المذكورة سلفا او لم تذكر ، والثاني على وجه الخصوص غلق إعدادية العراق المطورة في كربلاء والتي خرجّت عناصر تفتخر بها المحافظة لسنين طوال ... والله اعلم بما يجري في بقية المحافظات...