ان غياب البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي عن مسرح التنافس الانتخابي أسهم بشكل كبير في تضليل الناخبين من اجل الفوز الانتخابي لمكون معين قد يجلب لهم كل الاحتياجات المادية ويعوضهم عن
كل الحرمان ويرفع عنهم الظلم التاريخي وينهي حالة المأساة لاكثرية الشعب العراقي وهذه المعادلة التي لعبت فيها الورقة الطائفية عملية الحسم بقدر ما اوصلت السياسيين والاحزاب والكتل الى سدة الحكم بقدر ما عمقت معاناة الناخبين في الحياة العامة فازداد تردي الاوضاع المعيشية للمواطنين وازدياد معاناتهم اليومية في ظل غياب الخدمات وعدم تحسين الوضع المادي وغياب فرص العمل وتوسع ظاهرة البطالة وحالة التضخم وارتفاع الاسعار للسلع والخدمات الضرورية، وقد يعتبر السياسيون الوعود والشعارات التي ترفع بالانتخابات بمثابة عناوين للبرنامج الحزبي او خطة عمل للكتلة السياسية تسير عليه بعد الفوز بالانتخابات، وصدق الناخبون هذه الشعارات والوعود وزحفوا الى صناديق الاقتراع وهم فرحون متحدون قوى الارهاب غير خائفين من تهديداتهم، ولكن هل صدق المرشحون في تنفيذ وعودهم؟ وهل تم تفعيل الشعارات الكبيرة المعاني ذات الاهداف السعيدة الى واقع ملموس يؤثر ايجابيا على المواطن ويعوضه عن الحرمان والظلم الذي جعل حياته جحيما على الارض؟ كلا والدليل هو ما وصل اليه الوضع عند المواطن العادي، فهناك مشكلة المهجرين قسرا من مناطق بغداد بالذات و لم يرجع معظمهم لعدم السيطرة على الوضع الامني ولتعرض الكثير منهم الى التهديد ما اضطره الى الهجرة ثانية وهو محظوظ قياسا بمن تم استهدافه غدرا وخسر حياته!! وسط دهشة ابناء محلته الذين يفترض بهم قد نظفوا مناطقهم من العناصر الارهابية سواء عن طريق الصحوات او تعاون شباب المحلة مع الاجهزة الامنية. ثم هناك تأشير في تقصير الحكومة ومعها اهالي المناطق الساخنة التي تعرضت للتهجير فكيف يسمح لمن احتل بيتا مهجرا ان يستمر بالسكن فيه وبنفس الوقت يطلب من المهجر العودة الى بيته! هذه مفارقة عجيبة لا يستقيم معها التصريح بحل مشكلة المهجرين، ففي المناطق هذه هل فكر حزب او تكتل ان يتضمن برنامجه آلية لعودة المهجرين الى ديارهم؟ وتأتي بالمرتبة الثانية من ناحية اهتمام الناس بتحسن الخدمات وخاصة الكهرباء، يحس المواطن في هذا الموسم التقصير الكبير للحكومة في توفير هذه الخدمة مما تجعله يتكبد تكاليف توفير الكهرباء من خطوط المولدة الخارجية وما يتخللها من صعوبات، معيار آخر ينبغي ان يتضمنه البرنامج الحزبي هو رفض المحاصصة الطائفية والحزبية غير المتجانسة في تشكيل الحكومة المركزية او مجالس المحافظات، ونأمل من جميع الاحزاب والكتل السياسية الكشف عن برنامجها الاقتصادي الذي يهم الناخب ويمس حياته وواقعه المعيشي ومستقبل عائلته،ولا نريد ان نعيد مأساة اطلاق الوعود الزائفة في انتخابات مجالس المحافظات كما حدث في الانتخابات السابقة حيث سمعنا الكثير عن توزيع عوائد النفط على المواطنين وتحسين الخدمات والقضاء على الفقر والبطالة ولم يحصل الناس الا على السوء، نحن لا نغفل الوضع الامني وخطورة العمليات الارهابية واسلوبها التدميري ولا نجهل مدى تأثير هذا الملف على الوضع الاقتصادي لكننا حريصون على الربط بين الملفين لوجود صلة وثيقة بين الامن والارهاب والعامل الاقتصادي وهم يراهنون على ذلك وقـد ثبتت للجميع مخاطر البطالة ومساوئ الفقر وكذلك سوء توزيع الثروات وما ينتج كل ذلك من مشاكل سياسية واجتماعية وامنية،ولا يغيب عن بال السياسيين ان مع وجود مناخ ديمقراطي يمثل اقوى سلاح للقضاء على الارهاب والتطرف والقوى الظلامية، لان هؤلاء يجدون في غياب الديمقراطية والكبت السياسي والفكري ومصادرة حرية الرأي وسوء الحالة الاقتصادية مجالات وفضــاءات خصبة للتحرك وتضليل المغفلين واليائسين من الحياة وزراعة الوهم في عقولهم ومخيلتهم بان البديل عن هذا الوضع المأساوي والحرمان الدنيـوي هو صكـوك الغفران الى جنــة النعيم وحــور العين. *كاتب واعلامي عراقي